تحتاج حركة الإصلاح الإسلامي إلى برنامج عمل لتجديد البناء الفكري في ضوء ما آلت إليه من شيخوخة متأخرة وكهولة أصابت حيويتها..وهذه سنة الحياء للأحياء.
1 – العودة إلى الذات
يقوم هذا البرنامج العملي على فكرة رئيسة هي ” العودة إلى الذات..أي الإسلام.. ويقوم على قاعدة معرفية أساسية هي: أن الإسلام وحده هو المكون الأساس لهذه الأمة والباعث لنهضتها” ..ويمكن أن نرصد بعض أفكاره في النقاط المتناثرة التالية:
المدخل الرئيس: مدخل نقدي لمسارين أحدثا أثرًا بالغًا في تخلف الأمة وتراجعها :
1. العجل الذهبي ” مشروع التغريب والمشروع الثقافي الاستعماري” في ضوء قوله ﷺ ( من تشبه بقوم …)
2. أشباه رجال الدين أو أشباه الروحانيين.
طريق العلاج: الإسلام الحقيقي الحيوي الأول.
1. الوظيفة: إنقاذ الأجيال البائسة.
2. الغاية: العودة إلى الذات.
3. المنهج: إعادة اكتشاف الإسلام.
4. الوسيلة: (أ) المفكر المسلم الواعي. (ب) الثورة الفكرية
5. العمل: (أ) مواجهة العجل الذهبي. (ب) مواجهة الجهل والخرافة.
6. الولادة الجديدة للإسلام ..متطلباتها
(أ) العودة إلى القرآن وتجديد التواصل والاتصال به.
(ب) الاجتهاد ..(إعادة عقل الإسلام إلى قلبه).
(ج) التوحيد..مصدرا لبناء العلوم الإنسانية .
2 – تأسيس مراكز التفكير الوسيطة
إن أعظم ما تحتاجه حركة الإصلاح الإسلامي المعاصرة أن يكون لها “مراكز تفكير وسيطة” تربط ما قدمته حركة الإصلاح المعرفي في الأمة على المستوى التنظيري – والمتقدم جدًا- وواقع الحركة الإسلامية – والمتأخر جدًا عن ملاحقة المستوى التنظيري- وهو ما أوجد بونًا وفجوة شاسعة بين التنظير والتطبيق في واقع حركة الإصلاح الإسلامي في الأمة وأردى الحركة إلى ما آلت عليه الآن..
هذه المراكز الوسيطة مهمتها عملية (البناء الفكري) تلك الفريضة التي غابت على المستوى التطبيقي وفي البرنامج التربوي لواقع الحركة ..بحيث يَمُد أفرادها بالرؤية الكلية المعمقة حول قضايا الأزمة الحضارية وإدراك الواقع إدراكًا عقليًا سليمًا مستبصرًا بميزة العلم والبحث المعمق, وإدراك التراكم المعرفي الذي أحدثته الحركة على المستوى التنظيري, لتسير الحركة عن علم ووعي كاملين… وهو ما لم يتحقق للأسف حيث سارت الحركة بجناح واحد (هو الخبرة والممارسة والتجربة والخطأ في مواجهة الأزمة) فسارت (كالحجلاء) أو (العرجاء) بقدم واحدة ..
وقد رأينا أن التسارع الأولى بعد ثورات [ الربيع العربي] هو تسارع لإنشاء مثل هذه المراكز الفكرية الوسيطة –التي اعتبرها البعض فكرة ترفيهية أو معادية لمسيرة الحركة- وفي ضوء ذلك كانت تجربة (مركز الرشد للتكوين العلمي والبناء المعرفي أبريل 2011-يونيو 2013 م ) (القصيرة جدًا) والتي قدمت نموذجًا أوليًا طرح في هذا الميدان..وقد تأسس في إحدى قرى مصر ورغم ضعف إمكاناته إلا أن الفكرة وجدت قبولًا لدى قطاع في الحركة الإسلامية والأفراد المستقلين وقد كانت مهمته كما حددت (مؤسسة تعنى بالبناء الفكري للأمة). واعتمد على التعامل المباشر والعيني مع القاعدة التي تمثل قلب العقل الجمعي للحركة الإسلامية وللمجتمع المصري واعتبر القائمين عليه أن هذا المركز هو حسر يربط بين حركة الإصلاح المعرفي وبين الحركة الإسلامية العاملة في الواقع الإسلامي في محاولة لرأب هذا الصدع الكبير بينهما.
3 – تأسيس مراكز البحوث والتفكير العليا
مع الفجوة الحادثة بين عالم التنظير وعالم الحركة في الأمة افتقدت الحركة الإسلامية في عملها الميداني جانب النتائج العلمية والبحثية سواء منها ما تم داخل الأمة أو خارجها, واعتمدت الحركة على الخبرات وليس {أَهْلَ الذِّكْرِ}, وعلى الممارسة ومحاولات التجربة والخطأ وليس { فَأَتْبَعَ سَبَبًا }[ الكهف:85]..ومن ثم غابت مراكز التفكير والبحوث العلمية وبيوت الخبرة التي يشغلها كوادر مؤهلة ومستقلة عن الجانب التنظيمي وآفاته.
ومن هنا فإن الحركة في واقعها الآن ومستقبلها في حاجة ماسة إلى هذه المراكز العلمية والفكرية لتقوم بدور الموجه للحركة وواضع المعاير والخطط والبرامج , ومن ثم فهي في حاجة إلى مراكز تشمل كل جوانب حركتها : مراكز اجتماعية, مراكز سياسية, مراكز تربوية ,… وعلى الحركة أن تفسح المجال لنتائج عمل هذه المراكز أن يكون هو الموجه للبناء والتقويم ووضع الاستراتيجيات وإدارة الأزمات, وغيرها من الأمور الضرورية . ولا مشاحة أن نستعين بخبرات دولية –بالإضافة إلى مراكز بحوثنا العاملة فعلًا- كما استعان ﷺ بعبدالله بن أريقط في أهم حدث إسلامي بعد نزول الوحي وهو الهجرة.
لابد أن تتحقق القناعة لدى القائمين على أمر الحركة في الواقع الآن والمستقبل بدور هذه المراكز في الإدارة العلمية والمعرفية والإستراتيجية للحركة فهذا أحد جوانب الإنقاذ وإعادة البناء.
4 – تدشين مؤسسات فكرية وبحثيةفي قلب الحضارة الغربية
أجبرت الظروف السياسية في الوطن العربي لاسيما في الفترة الأخيرة هجرة كبيرة لأبناء الحركة الإسلامية إلى الغرب , ويقوم عدد من أبناء الحركة بجهود سياسية وحقوقية ملموسة, ويبدو أن الأوضاع ستظل فترات طويلة على هذا النحو الذي نعيشه..ويعتبر هؤلاء المهاجرون أن حق الحركة عليهم هو الواجب السياسي والحقوقي رغم أنه لا يؤثر في الواقع كثيرًا [وهذا ليس تقليلًا من الجهود التي يبذلها البعض]..ولكني أشير هنا إلى واجب آخر وهو الواجب الفكري وهو الأعمق أثرًا في حالتنا المعاصرة ..
فبينما يتراجع وجود الحركة الإسلامية في أوطانها..فلابد أن يواجه ذلك التراجع تمدد في الغرب، وهذا التمدد ينبغي أن يعتمد على بناء مؤسسات فكرية وبحثية ودور نشر , وتتحدد أجندة هذه المؤسسات من خلال مجموعات فكرية وباحثين هم موجودون بالفعل في الغرب, إن النجاحات الفردية التي ينصب أغلب جهود أبناء الحركة في الغرب عليها ينبغي أن تصب جميعًا في عمل فكري استراتيجي إسلامي يخدم المشروع الحضاري الذي تتبناه الحركة ودفعت من دماء أبنائها وحرياتهم بعض ثمنه..ولنا في ذلك تجربتان مهمتان:
الأولى للعلامة جمال الدين عطية(1928-2017م) والذي أسس مدرسة ومؤسسة ” المسلم المعاصر 1974م” والتي مثلت نقلة فكرية كبيرة للمشروع الإسلامي[بعد خروجه من مصر عقب محنة 1954م).
ثم مشروع المعهد العالمي للفكر الإسلامي (1977م) والذي قام عليه إسماعيل الفاروقي ورفاقه ووضعوا أساسا لهذه المؤسسة في فرجينيا, والتي مثلت أيضا نقلة معرفية وحضارية كبيرة وأصبح له وجود في أكثر من 20 دولة في القارات الخمس اليوم ..وجهوده واضحة في خدمة المشروع الإسلامي.
وهاتان التجربتان قائمتان ويمكن درسهما والبناء عليهما وفقًا للظروف والمتطلبات المعاصرة للحركة الإسلامية وإمكاناتها في الغرب.