المشكلة الأخلاقية

يقرر الغزالي أن التربية الخلقية من أهم وظائف المعلم ، فيرى ” أنه ينبغي للسالك شيخ مرشد مربي ليخرج الأخلاق السيئة منه بتربية ويجعل مكانها خلقاً حسناً ” [أبي حامد الغزالي : مجموعة رسائل الإمام الغزالي، 109].

كما يَنهى الغزالي مُتعلِمه عن ثلاث صفات مذمومة في كل الناس وخاصة في طالب ومعلم العلم ويقدم له علاجاً لهذه الأمراض النفسية الخلقية وهذه الثلاث هي: الرياء ، والمعاداة ، والغيبة والحسد.

فيقول له في الرياء : ” واعلم أن الرياء يتولد من تعظيم الخلق وعلاجه أن تراهم مسخرين تحت القدرة وتحسبهم كالجمادات في عدم قدرة ايصال الراحة والمشقة لتخلص من مراءاتهم ، ومتى تحسبهم ذوى قدرة وإرادة لن يبعد عنك الرياء “.

أما عن المعاداة ، فيذكر على لسان الشبلى الذي خدم أربعمائة أستاذ وقرأ أربعة ألاف حديث قوله ” إني رأيت الناس يعادى بعضهم بعضاً لغرض وسبب ، فتأملت قوله تعالى ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً﴾[فاطر : 6] فعلمت أنه لا يجوز عداوة أحد غير الشيطان “.

ويذكر في الغيبة والحسد قوله : أني رأيت الناس يذم بعضهم بعضاً ويغتاب بعضهم بعضا فوجدت ذلك من الحسد في المال والجاه والعلم فتأملت في قوله تعالى ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الزخرف :32] فعلمت أن القسمة كانت من الله تعالى في الأزل فما حسدت أحداً ورضيت بقسمة الله تعالى ” .

كما سبق وأشرنا أن رسالة ” أيها الولد ” ذات هدف مزدوج فهي موجهة لمتعلم يريد أن يكون معلما، فيقدم له الغزالي من القواعد التي ينبغي أن يراعيها حال أن يعلم وتارة أخرى يذكره بما ينبغي أن يكون طالب العلم حال تعلمه ، ومن الجوانب التربوية المهمة التي أكد عليها في رسالته للمعلم الجانبين السابقين من جوانب التربية : الجانب الخلقي والجانب العقدي.

وتبدو أهمية هذين الجانبين في واقعنا التربوي المعاصر نظراً للمتغيرات المعاصرة التي يتعرض لها عالمنا الإسلامي وأهمها الثورة الاتصالية والتقدم الهائل في وسائل الإعلام والآثار السلبية التي تعرض لها ــ ومازال ــ العالم الإسلامي في الجوانب العقدية والخلقية والاجتماعية … الخ ، وتشير إحدى الدراسات إلى أهم هذهالآثار السلبية(1). والتي تتمثل فيما يلي :

1ـ محاولة اختراق العقيدة الإسلامية وفصلها عن الحياة .

2ـ نشر الفكر الإلحادي الذي ساد في كثير من الدول المتقدمة كبديل عن الإسلام وعقيدته .

3ـ تعمل البرامج الأجنبية الوافدة على المنطقة العربية على محو الأخلاق الإسلامية، وتدعو هذه البرامج الوافدة إلى: تعظيم المادة، وفصل الدين عن الحياة، والانتحار، والقتل، والخيانة، والكبر والغرور ، وحب الذات والأنانية، والإفساد، وشيوع الرذيلة ونشر الجريمة.

4ـ تعرض المنطقة العربية لحملات الغزو الفكري من خلال البرامج الأجنبية الوافدة ويتخذ هذا الغزو عدة مظاهر ، هي :

أ ـ حملات التشويه المستمرة : والتي تتمثل في تشويه العقيدة الإسلامية وتشويه القرآن والسنة النبوية، وتشويه التراث الإسلامي، والتاريخ الإسلامي، وتشويه نظام الحياة الإسلامية .

ب ـ إحياء النزعات الجاهلية التي لا تتفق مع تعاليم الإسلامية .

ج ـ الدعوة إلى التحلل والإباحية .

وتشير إحدى الدراسات إلى أن أهم الفئات التي تتعرض لهذه الآثار هما الشباب والأطفال ، ” يكمن الخطر الحقيقي للمواد والبرامج الوافدة في محاولات بث الاغتراب بين شباب الأمة العربية ، وتفريغه من القيم والآمال والطموحات التي يحملها ، بدعوى عدم توافر الإمكانيات اللازمة لتحقيق كل ذلك … ويمتد أثر هذه المواد ـ أيضا ـ إلى أطفال الأمة العربية، وتفريغه من القيم والآمال والطموحات التي يحملها ، بدعوى عدم توافر الإمكانيات اللازمة لتحقيق كل ذلك.. ويمتد أثر هذه الآثار السلبية في اكتساب الطفل اتجاهات وقيم سلبية يميل الأطفال إلى تقليدها مثل التدخين، والمخدرات، والعنف، وكذلك تعرض الطفل لموضوعات لا تتناسب مع المرحلة العمرية التي تمر بها مثل المشاهد العاطفية والجنسية “(2).

كما أصبحنا نشاهد وبصورة عادية ويومية ظاهرة ” بلطجة الأطفال ” والتي أصبحت من الظواهر الاجتماعية الحديثة التي يشهدها المجتمع المصري حاليا بصورة لافتة للنظر حيث أصبح من السهل الآن أن نجد أطفالا يمارسون كافة أعمال البلطجة بكل صورها لدرجة أن البلطجي أصبح قدوة في نظر الأطفال …”(3).

ويرى أحد الباحثين أن من أهم أسباب هذه الظاهرة أن العامل الديني في الأسر المصرية عامل ثانوي ولا ينظر إليه الأبوان كعنصر أساسي في التربية، أما أحمد المجدوب فيرى “أنه بجانب التليفزيون فإن المدرسة مسئولة أيضا عن هذه الظواهر الانحرافية ” (4).

والمعلم لا يزال يناط به الدور التربوي في إعداد النشء في النظام التربوي الحديث بالرغم من التقدم العلمي والتقني في وسائط العملية التعليمية إذ لا يمكن لهذه الوسائط ( الأجهزة والآلات ) أن تقوم بتكوين شخصية مؤمنة أو تعدل سلوكا أخلاقياً أو تساهم في تربية الضمير ، ” فالمعلم سوف يظل العنصر الحاسم في مدى فاعلية العملية التعليمية ، على الرغم من كل ما تقدمه أساليب التقنية الحديثة من مبتكرات وتجديدات في مجال التعليم والتعلم “(5).

ومن المفروض أن يكون المجتمع التعليمي مصدراً لمد المجتمع بالنماذج السوية من الأفراد وتقترن التربية بالمدرسة التي تعني بالنشء وتعدهم للحياة “والتربية المدرسية بما تشمله من نظم تعليمية وأساليب تربوية ووسائل تثقيفية لا غنى عنها للمجتمعات البشرية “.

والإعداد العقدي والخلقي للطالب / المعلم كتخطيط منظم ومقصود – في أنظمتنا التعليمية- يوجد به أوجه قصور عديدة، حيث أن برامج الإعداد تقتصر في كثير من جوانبها على النواحي الأكاديمية التي تتضمن المقررات العلمية التي سوف يقوم الطالب بتدريسها بعد تخرجه، ونواحي تربوية تشمل مقررات ( صحة نفسية وعلم نفس بفروعه، مبادئ التدريس وطرق التدريس والمناهج وأصول التربية وتاريخ التربية).

ويقترح الكاتب إلى ما يمكن أن تتضمنه برامج إعداد الطالب / المعلم من موضوعات ومحتويات ـ تساعد في الإعداد العقدي والخلقي:

أ‌ – موضوعات تتضمن أصول العقيدة (الإيمان والتوحيد وأركان الإسلام ) .

ب‌ – موضوعات تتعلق بالتثقيف الديني (مثل تاريخ الإسلام، الثقافة الإسلامية) .

ت‌ – موضوعات تشمل دفع الشكوك والمفتريات حول الإسلام ، وما يدعو أليه المستشرقون والمبشرون (مثل المزاعم والمفتريات الخاصة بالقرآن والرسول والإسلام ) .

ث‌ – موضوعات تعالج مشاكل الأخطار الداخلية على العقيدة الإسلامية مثل الإفراط ( التشدد في فهم المبادئ الدينية ) والتفريط ( التسيب والبعد عن المبادئ الدينية ) .

ج‌ – موضوعات تعالج الانحراف الأخلاقي في المجتمع المسلم من خلال التأكد على المبادئ الأخلاقية الإسلامية .

ح‌ – موضوعات تربط العلم بالدين وتؤصل العلوم المختلفة من خلال رؤية إسلامية رشيدة .


(1) صابر سليمان عمران ” آثار المواد الإعلامية الوافدة على المنطقة العربية من خلال الأقمار الصناعة ” ، مستقبل العالم الإسلامي ، مالطا ، السنة السادسة ، العدد 17 شتاء 1996م . ص (57 ـ 59) .

(2) المرجع السابق (55)

(3) بدون: بلطجة الأطفال تهدد جيل المستقبل، الطفولة المصرية والعربية، القاهرة، السنة الثانية، العدد 22 ، يناير 2000م ، ص (14) .

(4) المرجع السابق (15).

(5) محمد حسنين عبده: “برامج الإعداد المهني بكليات التربية للمعلمين والمعلمات بسلطنة عمان” بحث منشور في: العولمة ونظام التعليم في الوطن العربي رؤية مستقبلية، مرجع سابق، ص (101) .