يعني الابتكار في قطاع المالية بشكل عام والمالية الإسلامية بشكل خاص قدرة المؤسسات المالية على تحقيق رغبات زبنائها بشكل سريع وفعال مع الأخذ بالاعتبار التغيرات التى تطرأ على السوق ومواكبتها بشكل دائم. لذالك فالبنوك الإسلامية مطالبة بتوفير قيمة مضافة (Value Added) إلى اقتصاد الدولة على أساس أنها مؤسسات مالية شريكة في العمليات التجارية والإستثمارية وحتى في عمليات الإنتاج. البنوك الإسلامية لا تهدف فقط إلى  تعظيم الأرباح بقدر ما تسعى إلى خلق إنتاج ملموس يسهم في عملية الإنتاج و يساعد الاقتصاد على الانتعاش.

وتزداد تحديات المؤسسات المالية الإسلامية يوما بعد يوم في إيجاد استراتيجية تمنحها التفوق وتعطيها قوة وصلابة للمنافسة في السوق المالية التى تشهد تغيرات متسارعة سواء من الناحية التكنولوجية أو من ناحية الخطط المالية التى تفرضها التغيرات الجديدة. على الرغم مما حققته المالية الإسلامية في عالم اليوم من قبول ونجاح و رغم حداثة التجربة مقارنة بالنظام المصرفي التقليدي. هناك تباين واضح في نجاح تجارب البنوك الإسلامية منذ ظهورها وحتى الآن ويعود هذا التباين في أساسه إلى اختلاف سياسات هذه البنوك ومستوى تعاطيها مع التغيرات الحديثة خاصة فيما يتعلق بالابتكارات.

تمتلك البنوك الإسلامية قدرة كبيرة على المنافسة في السوق المالية الدولية وتحقيق أرباح كبيرة، إلا أن هذه القدرة لا تعزز إلا بمجموعة من العوامل في مقدمتها “الابتكار” فإلى أي حد تعتني المؤسسات المالية الإسلامية بالإبتكارات وكيف تتعاطى هذه المؤسسات مع التغيرات المتلاحقة للسوق المالية ذلك ما سنتطرق إليه من خلال هذا المقال الذي سيركز على: الابتكار في مجال أدوات المالية الإسلامية (Islamic Product Innovation) والإبتكارات في مجال تكنلوجيا المالية (Financial Technology Innovation)، حيث يشكل هذين المجالين أهمية كبيرة لأداء البنوك وقوة تنافسيتها.

الابتكار في مجال أدوات المالية الإسلامية

تعتبر السياسات الفعالة لتطوير وتحديث أدوات المالية الإسلامية أهم ركيزة لبقاء المنظومة المالية الإسلامية و زيادة فعاليتها و نجاحها في السوق المالية ، وقد شهدت هذه المنظومة ابتكارات جديدة زادت من القوة التنافسية لهذه البنوك و حققت أرباحا كبيرة وقبولا  في السوق المالية العالمية، فقد شكل ظهور منتجات مالية منافسة من قبيل الصكوك، سندات الخزينة، صندوق التقاعد الإسلامي الذي أطلقه بنك HSBC  في ماليزيا ثم ظهور السوق المالية الإسلامية دفعة قوية لقطاع المالية الإسلامية وحققت من خلاله نجاحات مهمة.

كما أن خلق أكبر عدد ممكن من أدوات المالية الإسلامية لتلبية الاحتياجات المختلفة للمستثمرين والمقترضين على حد سواء شكل تحديا كبيرا للمنظومة المالية الجديدة، وقد استطاعت بعض الدول تحقيق تقدم كبير في مجال الابتكار فخلال سنة 1983 إلى 1992 كان تركيز هيآت المالية الإسلامية في ماليزيا على خلق أكبر عدد ممكن من أدوات المالية الاسلامية وخلال نهاية هذه الفترة نجحت ماليزيا في توفير أكثر من 20 منتج إسلامي تغطي مختلف المجالات والنشاطات الاقتصادية في البلاد. حققت بعض أدوات المالية الإسلامية نجاحا وقبولا بين الزبناء بينما فشلت بعض هذه الأدوات نتيجة لصعوبة مواءمتها مع الشريعة الإسلامية ولإرتفاع نسبة الغرر فيها.

على الرغم من المستوى الذي وصلت إليه الابتكارات في أدوات المالية الإسلامية إلا أن هذه الابتكارات تواجه مجموعة من الصعوبات والعوائق منها ما يتعلق بالموائمة مع الشريعة الاسلامية نتيجة اختلاف التأويلات حسب المدارس الفقهية ومنها ما يتعلق بصعوبة التطبيق على أرض الوقع.

الإبتكارات في مجال تكنلوجيا المالية

تواجهة البنوك حول العالم اليوم تحديا كبيرا في التعاطي مع التغيرات التكنولوجية المتسارعة التى طرقت باب المعاملات المالية وحولته إلى سوق شديد التنافس، حيث تغير سلوك المستهلك وابتكرت سياسات مالية جديدة. وانعكس دور الابتكارات التكنولوجية بشكل كبير على أداء البنوك وسلوك الزبناء الذين أصبحوا يتنقلون من بنك إلى آخر بحثا عن ما تقدمه هذه البنوك من خدمات إلكترونية سريعة وفعالة.

حول أهمية الابتكارات التكنلوجية في مجال المالية نشرت EY استطلاعا للرأي أوضحت نتائجه أن 78% من مستخدمي البنوك في دول التعاون الخليجي يرغبون في تحسين البنوك لخدماتهم الإلكترونية من خلال إعتماد المزيد من برامج التقنية الرقمية ليشمل ذلك خدمات أكثر  حيث تشير الإحصائيات أن 40% من برامج التكنولوجيا المالية (FinTech) المستخدمة في هذه الدول هي (Payments Solutions) برامج الدفع الإلكتروني.  وشكلت الابتكارت التكنولوجية في مجال المالية سوقا ضخمة، ففي آسيا وصلت الاستثمارات في هذا المجال ما يقارب 3,5 مليون دولار خلال الشهر التاسع من سنة 2015. وارتفعت قيمة هذه الاستثمارات بشكل كبير من 880 مليون دولار 2014 إلى 3.5 مليار دولار في الشهر التاسع من 2015.  وفي أوربا وصلت الاستثمارات هذا القطاع قيمة 1.5 مليار دولار أميركي خلال سنة 2014  توحي زيادة الاستثمارات في هذا المجال بالأهمية  والإقبال الكبيرين على الابتكارات التكنولوجية في مجال المالية.

البنوك الإسلامية تواجه تنافسا كبيرا مع البنوك التقليدية، وبالتالي فإن العمل على دعم الإبتكارات التكنولوجية وتطويرها لتحقيق المزيد من سهولة الخدمات البنكية للزبناء يعتبر خيارا ضروريا لا مناص منه ، والعمل من أجل تصميم هذه الابتكارات لتوائم شروط ومتطلبات المالية الإسلامية يعتبر تحديا حقيقا.

حسب التقرير السنوى “The Innovators Islamic Finance 2016 “ الذي يهتم بالابتكارات في مؤسسات المالية الإسلامية وقد رصد التقرير مجموعة من المؤسسات المالية من ضمنها بنك الراجحى، مصرف الريان، مصرف الميزان وبنوك ومؤسسات أخرى من بينها Path Solution، و مصارف ماليزية، حيث استطاعت هذه المؤسسات الاستفادة من الابتكارات التكنلوجية وساهمت في فعالية خدمات هذه المؤسسة، وحصد ثقة الزبناء والمستثمرين. من أجل المنافسة والاستمرارية تحتاج البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية إلى تقديم مزيد من الدعم والاهتمام بالابتكارات سواء تلك المتعلقة بأدوات المالية الإسلامية أو تلك المتعلقة بالتسويق أو بالابتكارات التكنولوجية.