أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم .. هو أول من خذل النبي وكذَّبه وصاح بالقول السيء في وجهه.

وأقرَّ القرآن لأبي لهب بكنيته لأنه كان من أبرز الذين أوقدوا نار الحرب والعداوة ضد النبي بلهبه المستعر وشرر لهبه المتطاير بكل اتجاه.

وذكر القرآن تفرغاً كاملاً لأبي لهب في تأجيج نار الحقد والإيذاء ضد النبي فذكر اليدين كلتيهما، ولم يذكر له يداً واحدة تشارك في هذا الأمر.

ولم يشارك أبو لهب بفعل يديه فحسب، بل سخَّر ماله مع جهده.. سخر رأس ماله، وسخر ما كسب من أرباح لرأس المال ليشعل الحرب وليديمها ضد محمد وأصحابه.

وأشرك أبو لهب في التحريض شركاءه الخاصّين المقرَّبين أشرك امرأته، وكثير من الأشرار المفسدين يُجنبون أهل بيتهم ويجنبون زوجاتهم بشكل أخص أن يَكُنَّ لهم شركاء في أعمالهم القذرة.

ولكن أبا لهب أشرك امرأته وكانت تحمل الحطب، تحمل الوقود اللازم للإشعال والتسعير والإدامة لنار الحرب على المسلمين .. بل كانت حمَّالة على وزن فعّالة وهي صيغة مبالغة فيها دلالة الاجتهاد والتفرُّغ والمطاولة.

تفرغُ كامل بأقصى جهد وبفعل كلتا اليدين, وبأسوأ ما يمكن أن يطلقه اللسان، مع تسخيرٍ للمال كله: “رأس المال وأرباحه” وإشراكٌ لكل الشركاء بل أقربهم حتى امرأته.. كل ذلك للتحريض على محمد وما أتى به محمد ومن اتبع محمداً…فما مقدار الحقد الذي حمله أبو لهب وامرأته ولماذا ؟ لماذا هذا الحقد وما تفسيره؟

حقدٌ مسعورٌ من أول لحظة وبدون سوابق، حقدٌ لا يمكن أن تُفهم بواعثه إلا أنه مرتبط بمن يحارب الفضيلة والإصلاح والتصحيح ضد الأنبياء والمصلحين وكل الثائرين على الباطل في كل زمان ومكان.

حقد ينسف كل الروابط القومية والوطنية والعشائرية والأسرية ويستوطن في قريب ضد قريبه بأعتى الدرجات والصور. حقد يتكرر في كل زمان ويتركز في زماننا ويكثر، حقد الأقربين وتحريضهم.

كانوا يُخفون ويدفنون ليداروا شعوبهم وبصعوبة كان الحقد الدفين يتجلى كل حين، أما اليوم فحقد الأقربين ظاهر مبين، ما يظهر منه في التحريض يُدين، ويبقى ما خفي منه مرعب مشين.

حقدٌ وتحريض ضد كل المصلحين والصادقين ضمن حلف يروِّج للرذيلة وينشرها بتسارع غريب.

ولماذا حقد وتحريض القريب ؟ حقد القريب أشد وأعتى .. إنها طعنة القريب، غالباً ما تأتي المرء من مأمنه، تأتي مباغتة مفاجئة مؤثرة ومن حيث لا يحتسب.

القريب يعلم عن قريبه الكثير ويعلم تفاصيل حياته ونشأته، وهو يستعمل ذلك في خصومته وتحريضه وغالباً ما يُضيف لما يعرف ذيولاً وتضخيماتٍ أو مختلقاتٍ ليعزز طعنه وروايته.

القريب أكثر جرأة على قريبه فصلة القربى ومجالس العائلة والعشيرة العامة والخاصة وشعور الحسد بين الأتراب والمعارف , كل ذلك يرفع الكلفة ويزيل حاجز التحفظ ويُخفف من تحسبات المعتدي القريب.

وروايات القريب مُصدَّقة أو مُزعزِعة للآخرين، فيقال هذا قريبه وابن عشيرته وأهل العشيرة أدرى برجالها وأفرادها.

وإذا سأل البعيد الغريب مستفسراً من الأقرباء عن قريبهم: ما صفات صاحبكم ؟

فأجابوه: هو ساحر كاهن شاعر مجنون, فمن الصعب أن لا يصدق الغريب ذلك أو بعض ذلك ومن المستبعد أن لا ينفر.. أن لا ينفر نفوراً ونفيراً.