من الصعوبات التى تؤرق العالم اليوم في ظل الزيادة الكبيرة في حجم السكان انتشار الفقر والبطالة في قطاعات واسعة من الناس خاصة في دول العالم الإسلامي، ورغم التوصيات والمؤتمرات والندوات والمحاضرات التى تطلقها المنظمات الدولية كالأمم المتحدة ومنظمة الزراعة العالمية وغيرها من الهيئات المهتمة بمشاكل التنمية في الدول النامية إلا أن هذه المعضلات لا تزال تراوح مكانها وتزداد وتتوسع يوما بعد يوم.
في العالم الإسلامي بدأت بعض الدول في تطوير سياسات تنموية جديدة تهدف أساسا إلى الاستفادة من أموال الزكاة عبر تطوير وتحديث مؤسسات جمع وتوزيع الزكاة، ومنح هذه المؤسسات المزيد من الاهتمام والرعاية. دول إسلامية عديدة لها تجربة متميزة وفريدة في مجال تطوير مؤسسات الزكاة مثل الكويت، ماليزيا، قطر، السودان، نيجيريا، اندنوسيا. فإلى أي مدى يمكن أن تسهم الزكاة في مكافحة الفقر في المجتمعات الإسلامية ؟
تشير دراسة أنجزت من الهيئات المختصة في البنك الدولي إلى أن ثلاث مليارات من سكان العالم يعيشون في فقر و 46 مليون نسمة يعيشون بدخل يومي يساوي 1.25 دولار ، 35% من مجمل هذا الرقم يوجد في العالم الإسلامي. يوجد في العالم الإسلامي اليوم مؤسسات عالمية رسمية مسؤولة عن إدارة الزكاة ووضع استراتيجيات مناسبة للاستفادة منها في مكافحة الفقر، من هذه المؤسسات:
ـ الاتحاد العالمي للزكاة ومقره في العاصمة السودانية الخرطوم ويضم 31 دولة من بينها الكويت، السعودية، المغرب، نيجيريا، إندونيسيا، ماليزيا، جنوب إفريقيا وبريطانيا.
ـ المنتدى الدولي للزكاة ومقره في العاصمة الإندنوسية جاكرتا، ويهدف المنتدى إلى زيادة الوعي بأهمية تطوير مؤسسات الزكاة وذلك من خلال جمع المنظمات والهيآت المختصة في هذا المجال من مختلف دول العالم الإسلامي في مؤتمرات وفعاليات علمية وندوات لبحث التحديات التي تواجه مؤسسات الزكاة.
التجربة الكويتية
ففي الكويت هناك عملية تنمية وتطوير كبيرة تشهدها مؤسسات الزكاة يرافقها تحفيز واهتمام من الحكومة، وتعتبر تجربة الكويت في مجال تطوير مؤسسات جمع وتوزيع الزكاة إحدى التجارب المهمة والملهمة في العالم الإسلامي، فمنذ سنة 1981 بدأت الحكومة فى تبني سياسات واستراتيجيات جديدة في مجال الزكاة كان لها آثار إيجابية كبيرة في الكويت وخارجها، وأسست لمرحلة جديدة في التعاطي مع هذه المؤسسات كوحدة أساسية في مكافحة الفقر وتحسين ظروف الطبقات الوسطى من خلال الدعم المالي المقدم من هذه المؤسسات.
قامت لجنة الزكاة في الكويت التي تأسست 1981 على مجموعة من الأهداف في مقدمتها تقديم الدعم والمساعدة المالية إلى العائلات الكويتية والمقيمة لمساعدتها على تحسين وضعها الاقتصادي كما تشمل الأهداف:
ـ تقديم الدعم المالي في مجال التعليم إلى العائلات المحتاجة لمساعدتها على تعليم أبنائها وذلك من خلال التكفل بالمصروفات الدراسية جزئيا أو كليا ؛ كما تسهم مؤسسات الزكاة في البرامج التعليمية الأخرى.
ـ تقديم الدعم المالي إلى المرضى المحتاجين ودعم عائلاتهم.
ـ مساعدة ذوي الظروف الخاصة كاليتامي والمطلقات وغيرهم من فئات المجتمع من خلال تمويل مشاريع تساعدهم على بناء مستقبلهم وتأمين العيش الكريم لهم ولعائلاتهم.
وقد كان لمؤسسات الزكاة في الكويت دور بارز ومهم في تحقيق الرفاه الاقتصادي للمجتمع ومساعدة الطبقات ذات الدخل المحدود أوالفقيرة في تحسين وضعها المادي وهو ما نجم عنه انتعاش للاقتصاد الكويتي وتقليص الفجوة بين طبقات المجتمع والمقيمين.
التجربة الماليزية
تعتبر ماليزيا إحدى الدول الإسلامية القليلة التى استطاعت تطوير مؤسسات الزكاة بشكل كبير وقد انعكس هذا التطور إيجابيا على الاقتصاد الماليزي وساهم في تحقيق بعض أهداف التنمية خاصة ما يتعلق منها بمكافحة الفقر. وتعتبر مصادر الزكاة الأساسية كما حددتها اللجان المختصة في ماليزيا: زكاة على التجارة، زكاة الزراعة، زكاة على التوفير، زكاة الحيوان، زكاة على المعادن، زكاة الفطر، وتختلف هذه المصادر من بلد إلى آخر حسب التأويل الشرعي والمذهب المتبع في كل بلد.
وتشمل مجالات تدخل مؤسسات الزكاة في ماليزيا: توفير المساكن، الغذاء، التعليم، الصحة، الملابس، النقل. وتواجه التجربة الماليزية مجموعة من التحديات في طليعتها استراتيجيات التحصيل والتوزيع إضافة إلى التوعية بأهمية دفع الزكاة.
مثلا في ولاية سيلانغور إحدى أكبر الولايات الماليزية يوجد ما يقارب 2 مليون مسلم، تدفع الزكاة منهم 160 ألف فقط، من أجل مواجهة هذا التحدي على السلطات تطوير آلية جمع الزكاة بالإضافة إلي نشر الوعي بضرورة الالتزام بهذا الواجب الشرعي. تقديم الزكاة بشكل مباشر إلى العائلات الفقيرة لتشترى حاجياتها يعتبر حل قصير الأمد وغير فعال للقضاء على الفقر، فكان الأولى والأجدر بالحكومة تقديم هذه الأموال في تعليم أبناء هذه العائلات أو منحهم فرصة التدريب واكتساب مهارات عملية تساعدهم على العمل وتحقيق الاكتفاء لهم وعائلاتهم. مؤسسات الزكاة تلعب دورا مهما جدا في مساعدة الحكومات على مكافحة الفقر، ونجاح هذه المؤسسات يساهم بشكل كبير في تخفيف الآثار السلبية للأزمات الاقتصادية على الفقراء.
تشكل الزكاة حلا سحريا لمكافحة الفقر وتقليص الفجوة بين الفقراء والأغنياء والتجارب التاريخية كثيرة في هذا المجال ففي خلافة عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما لعبت الزكاة دورا هاما في القضاء على الفقر وزيادة النشاط الاقتصادي، حتى أن الزكاة لم تعد تجد مستحقيها فقد انتشر الخير وعم أرجاء بلاد الإسلام حتى قال عمر بن عبد العزيز انثروا القمح على رؤوس الجبال حتى لا يقال جاع طير في بلاد الإسلام.