لم أتوقع هذا الكم من التعليقات “العربية” على ما قام به المغامر النمساوي “فيلكس” قبل أيام لأجل تحقيق رقم عالمي غير مسبوق في القفز من ارتفاع عال، فهو لم يكتف بالمسافات المعتادة بل طلب أن يصل الى ما قبل بداية طبقة الغلاف الجوي ليقفز من هناك! أي مسافة 40 ألف متر، وهي المسافة التي يقطعها مكوك الفضاء بقوة صواريخ الدفع ليخرج من الغلاف الجوي لأداء مهامه.

ما يهمنا ليست المغامرة هاهنا، فالرجل حقق ما أراد وسجل اسمه في سجل الأرقام القياسية العجيبة، سواء استفاد من مغامرته أم لم يستفد، وبقدر ما أثارتني مغامرته وشجاعته، فإنه بالقدر نفسه ساءني ما قرأت وتابعت من تعليقات عربية على المغامرة، سواء كانت على شكل نكت واستهزاء بالرجل، أو على شكل محاولات تبدو مستميتة لتحليل المغامرة على أنها غير حقيقية وواقعية، وأنها جزء من تمثيل ودعاية وغيرها من تحليلات غير منطقية.

بداية أقول: لم الاستهزاء بالرجل ولم هذا الكم الهائل من النكات عليه، ولم المقارنات بينه وبين غيره؟ بل وصل البعض أنه أقحم سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم في الموضوع، ليقول لمن افتخر بالمغامر إن رسولنا الكريم وصل إلى السموات قبل هذا الرجل، وغيرها من تفصيلات لا يجب أن تقع أو يقوم أحد بالمقارنة بينها، لأنها مختلفة تماماً.

الغرب تابع المغامرة باهتمام شديد وتمنى أن يصل المغامر الى الأرض سالماً لكي يحتفلوا معه بإنجازه أما نحن فقد جلسنا قبل أن يصعد الرجل للمهمة، نستهزئ به ونقلل من شأن مغامرته، بغض النظر عن مدى فائدتها له أو لغيره، بل وجلس بعضنا بعد أن قام الرجل بالمغامرة يحلل رحلة القفز من البداية إلى النهاية، لكي يستنتج في النهاية أن المسألة كلها مزيفة ومفبركة ولا صحة لما رأيناه وتابعناه على الهواء مباشرة، فيما قام آخرون بإعادة سيرة عملية النزول الى القمر التي قام بها الأمريكان في رحلة أبولو عام 1969 وأنها مزيفة وغير حقيقية!!

ما الضرر الذي يعود علينا نحن العرب إن قام مغامر مثل فيلكس بهذه العملية؟ وما الضرر إن كانت العملية كلها مفبركة وغير واقعية كما يزعم البعض؟ لماذا جلسنا في صف انتقاص إنجازات الآخرين البشرية، ولماذا وصل بنا العجز أن قمنا باستحضار رحلة الإسراء والمعراج للنبي الكريم لنرميها بوجه المتابعين للمغامرة من أجل الانتقاص من شأنها، مع أن المقارنة غير منطقية أساساً لأن الاسراء والمعراج برعاية ربانية توقفت فيها كل قوانين الفيزياء على النبي الكريم، فيما المغامر هذا قام بالعملية وقوانين الفيزياء كلها واقعة ثابتة لم تتغير أو تتوقف؟

تساؤلاتي لا تدور حول المغامرة بقدر ما هي حول بعض عقليات انتقاص ذوات وإنجازات الآخرين. تلك العقليات التي ما زالت تنتقص وتقلل من شأن ما يقوم به غيرنا، وهو ما لا أجد تفسيراً له سوى أنه تبرير لعجز هائل فينا، وتغطية لكسل وعدم إنتاجية نتميز بها دون سائر العالمين وللأسف.. وما هذا التشنيع لفعل المغامر أو الانتقاص والتقليل من قيمة مغامرته أو محاولة بيان زيفها، سوى محاولات مكشوفة لتغطية عجزنا عن مقارعة الآخرين في الإنجازات، سواء لأنفسنا أو لغيرنا أو للبشرية جمعاء، ولا أجد تفسيراً آخر حتى الآن لهذا المسلك المعيب غير الحضاري، إلا إن كان لأحدكم رؤية أخرى وتحليل وتفسير لما جرى.