هناك طوائف من البشر تجعل الأحلام والرؤى متحكمة في حياتها بل في مستقبلها، ويولع البعض بتتبع كل حلم يراه، أو رؤيا يرزقها، ويساعدهم في هذا ما يفهمونه من بعض النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تجعل للرؤى مكانة في الشريعة، دون بيان لحدود تلك الرؤى، ومعايير التعامل معها بنوع من النصفة دون مزايدة أو نقصان.

إن من الخطر أن يجعل الإنسان حياته مرهونة بمنام يراه، ربما كان حلما من الشيطان، أو نزغا منه للإنسان، حتى يمغص عليه نومه ويقظته، وأن يربط مستقبله وقراراته المصيرية بما يراه في منامه.

ولا يعني هذا إنكار الرؤى بالكلية في حياة الإنسان، خاصة أن الشريعة أبانت عن بعض فوائد تلك الرؤى، بل يظهر علم النفس أهميتها النفسية في حياة الإنسان، ولكن الإشكالية تبرز في توسيع مساحتها في حياة الإنسان، والتعامل معها بنوع من السرف والهوس.

لقد حفل القرآن بالرؤى الصالحة، وجعل لسورة يوسف عليه السلام مكانا بارزا للرؤيا الصالحة، فقد بدأت السورة برؤيا، وتوسطت برؤيا، وانتهت بتحقيق تلك الرؤيا الصالحة، فقد بدأت برؤيا يوسف عليه السلام، كما قال سبحانه: {ذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4]، ثم رؤيا صاحبي يوسف في السجن.

قال تعالى: {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 36]، ثم رؤيا الملك كما يقص القرآن بقوله سبحانه: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [يوسف: 43]، ثم ختمت السورة بتحقق رؤيا يوسف عليه السلام، حيث قال الله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا } [يوسف: 100].

ومن الرؤى في التاريخ ما رآه فرعون من هلاكه وضياع ملكه على يد أحد أبناء بني إسرائيل، مما جعله يقرر قتل الأطفال الذكور المولودين لبني إسرائيل، ثم تخفيفه إلى القتل عاما والترك عاما، حتى لا يفنى ذكورهم، وقد كانوا خدما للمصريين.

كما كان للرؤى مكانة في السنة النبوية، أشهرها ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم يبق بعدي إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة» .بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر الرؤى لصحابته، كما في رواية الموطأ، وأبي داود قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاة الغداة ( يعني الصبح) يقول: «هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟» ويقول: «ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة.

قواعد الرؤيا والمنامات

ويمكن وضع القواعد التي تضبط التعامل مع الرؤى والمنامات، كما أنها لا تنكرها بالكلية، ومن ذلك:

أولا- لا أثر للمنامات في الأحكام الشرعية

لأن الأحكام الشرعية مبنية على الأدلة التي تتولد منها الأحكام، أما المنامات والرؤى فلا يترتب عليها أحكام فقهية، وإن وافقت الرؤى بعض الأحكام الشرعية، فالعمل في ذلك على اجتهاد الفقهاء، وليست الرؤيا ذاتها.

ثانيا- الرؤيا الحق لا تخالف الشرع

فكل ما يراه الإنسان في منامه مخالفا للشريعة فلا اعتبار له بالكلية، مهما ادعي فيه من الرؤى، أو مهما كان الذي جاء في المنام، فإن الشيطان قد يتلبس بأشخاص الصالحين، والشرع حاكم على كل تصرفات الإنسان وأشيائه في اليقظة وفي المنام.

ثالثا- العمل بالرؤيا مشروط

فالرؤى وإن كانت صالحة، لابد من توافر بعض الشروط حتى يعمل بها، ومن ذلك:

أن يكون محل العمل بالرؤيا مما يندرج تحت المباح، أو يترك العمل المباح بسبب رؤيا، على أن لا يكون من باب الاعتقاد.

أن يكون في العمل بالرؤيا مصلحة راجحة للإنسان.

أن يعمل بها إذا كانت تبشيرا بخير، أو تحذيرا من شر.

أن يكون هناك ما يدعو إلى العمل بالرؤى.

رابعا- المنامات على أقسام

فلا ينبغي أن يتعامل الإنسان مع كل ما يراه على أنه شيء واحد، فهو إما أن تكون رؤيا من الله، يبشر العبد فيه بخير، أو يحذره فيها من شر.

وإما أن تكون حديث نفس، وهو من حديث العقل الباطن، بحيث ينشغل الإنسان بشيء، فيظهر اهتمامه به في منامه، وهو نوع من التنفيس.

وإما أن يكون من الشيطان؛ ليحزن الإنسان، وهو مما يرى من الشر، كما قال تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادلة: 10]، فمن أهم مقاصد الشيطان مع الإنسان أن يحزنه في نومته، كما يحزنه في يقظته، ومن ذلك الكوابيس والأحلام المزعجة.

والمقصود من ذلك أن ما كان فيه بشرى، فهو من الله تعالى، وللإنسان أن يفرح به، وأن يبشر به من يحب، لأن لهذا أثرا إيجابيا في حياة الإنسان، يدفعه إلى الاستقرار النفسي، والعمل والإنجاز، والتعايش مع أقرانه في المجتمع، وأن تكون روحه صالحة تحب الآخرين، وتسعى إلى تحقيق الأخوة في الله، أما إن كان ما رآه في منامه شرا، فعليه أن يصرف نظره عنها، ولا يبالي بما رأى، ولا يقص ما رأى من الشر على غيره، فإنها لن تضره.

خامسا- لا تأخذ قرارا مصيريا بناء على منام

ليس من الحكمة أن يأخذ الإنسان قرارا مصيريا بناء على ما يراه في المنام، بل لابد عليه من جمع المعلومات حول الموضوع، وأن يستشير أصحاب الخبرة والرأي فيه، ثم يصلي صلاة الاستخارة، ويقدم على ما يريد، فإن كان الأمر ميسرا، فعلامة الإذن التيسير، وإن وجد معوقات، فعلامة المنع التعسير.

وليس بلازم أن كل من صلى صلاة استخارة أن يرى رؤيا، بل هي ليست شرطا من شروط الاستخارة، فالله تعالى بنى الدنيا على قانون السببية، وقد ورد ” اعقلها وتوكل”.

على أن الاستفادة من الرؤى التي هي جزء من النبوة الباقية إنما تكون غالبا لعباد الله الصالحين، وبقدر صلاح الإنسان بقدر ما يرزق التوفيق، والتوفيق أنواع، منه الإلهام الذي يكون في اليقظة، ومنه الرؤى الصالحة التي تكون في المنام، لأن الإنسان الصالح هو في كنف الله يقظة ومناما، ثم إن المنام عالم موجود غير منكور، وهو بحاجة إلى استكشاف وتعامل بحكمة دون إفراط أو تفريط.

خلاصة القول

إن الرؤى الصالحة لا تنكر، لكن ما ينبغي الإسراف فيها ولا التعويل على كل ما يراه الإنسان في نومه، فقد يكون رؤيا صالحة، أو حلما من الشيطان، أو حديث نفس، على أن لا يعول على المنامات في اتخاذ القرارات المصيرية، ولا أن ينبني عليها حكم شرعي، وهي في حياتنا كالملح في الطعام.