إن الصفات غير منفكة عن الذات؛ فلا يُتصور ذات خالية من الصفات. وهذا الأمر كما لا يمكن تصوره في جانب الذات الإلهية، فلا يمكن تصوره كذلك في جانب البشر.

وصفات الله -تعالى- كاملة كمال ذاته؛ إذ لا نقص فيها ولا عيب؛ “فكل اسم من أسمائه ووصف من أوصافه له في نفسه رُتب الكمال ومعالي معاني الحُسن والجمال، الذي لا يدانيه جمال، ولا يقارنه كمال.

وله -أيضًا- النزاهة والبراءة عن أوصاف المحدثات المنعوتة بالعبودية والإذلال، فكل اسم من أسمائه ووصف من أوصافه هو جمال الوجود ونوره ومزينه ومكمله الذي لابد منه ولا غنى عنه، فجمال أسمائه وصفاته هو ثابت الكمال له، وانتفاء النقص والخلل عنها”([1]).

أما الإنسان فشاكلته النقص والعيب؛ لذا كانت صفته مجانسة لذاته؛ فتكون له صفات ممدوحة وأخرى مذمومة. والبعض يسعى لبلوغ الكمال البشري، فيستر مقابحه وعيوبه، وينشر محامده، يستر جهله بالعلم، وبخله بالإنفاق، وجبنه بالشجاعة … إلخ.

وكم من مدّعٍ ما ليس فيه، طلبًا لحسن السيرة بين البشر، وإن خالفت السيرة السريرة. أو متلقّبٍ بلقب لا يحمل منه غير اسمه، وهو من أبعد الناس عن وصفه ورسمه.

وقد وصف ابن رشيق القيرواني أمثال هؤلاء حينما قال:

مما يزهدني في أرض أندلس = أسماء مقتدر فيها ومعتضد

ألقاب مملكة في غير موضعها = كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد

وهذا كان تعريف الجرجاني، لكن المناوي اقتبس التعريف بتمامه لكنه ضبطه ببعض الكلمات التي جلّت المعنى أكثر فقال: “الفسلفة التشبه بأخلاق الإله بحسب الطاقة البشرية؛ لتحصيل السعادة الأبدية، كما أمر الصادق -عليه السلام- في قوله: (تخلقوا بأخلاق الله)، أي: تشبهوا به في الإحاطة بالمعلومات والتجرد عن الجسمانيات بقدر الإمكان”([3]).لذا كانت غاية الحكمة والفلسفة أن يبلغ الإنسان مدارج الكمال البشري، حتى ذهب أربابها إلى تعريف الحكمة والفلسفة بأنها “التشبه بالإله بحسب الطاقة البشرية؛ لتحصيل السعادة الأبدية كما أمر الصادق -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (تخلقوا بأخلاق الله)، أي: تشبهوا به في الإحاطة بالمعلومات والتجرد عن الجسمانيات”([2]).

وهذا خطاب قريب من خطاب الصوفية الساعين إلى القرب من الله -تعالى، ونيل محبته ورضوانه؛ فـ”قرب العبد من ربه -عزّ وجلّ- في الصفات التى أمر فيها بالاقتداء والتخلق بأخلاق الربوبيه حتى قيل: (تخلقوا بأخلاق الله)، وذلك في اكتساب محامد الصفات التي هي من صفات الإلهية من: العلم والبر والإحسان واللطف وإفاضة الخير والرحمة على الخلق والنصيحة لهم وإرشادهم إلى الحق ومنعهم من الباطل… إلى غير ذلك من مكارم الشريعة، فكل ذلك يقرب إلى الله -سبحانه وتعالى- لا بمعنى طلب القرب بالمكان بل بالصفات”([4]).

وقد كان عمدة هؤلاء جميعًا هذا الحديث: “تخلقوا بأخلاق الله“، وهو حديث “لا أصل له، أورده السيوطي في “تأييد الحقيقة العلية”، (1/89) دون عزو.

وتأولوه بأن معناه: اتصفوا بالصفات المحمودة، وتنزهوا عن الصفات المذمومة”([5]).

وهذا الحديث ظاهر البطلان؛ إذ إن الإنسان في سعيه لمدارج الكمال ليس مطلوبًا منه أن يحاول الاتصاف بصفات الله كلها؛ فهناك صفات اختص بها الرحمن -جلّ جلاله- لا ينازعه فيها أحد، ومن نازعه فيها فقد أورد نفسه المهالك.

وقد عجب ابن تيمية -رحمه الله- من أبي حامد الغزالي -رحمه الله- حينما صنف “شرح أسماء الله الحسنى، وضمنه التشبه بالله في كل اسم من أسمائه، وسماه التخلق حتى في اسمه الجبار والمتكبر والإله، ونحو ذلك من الأسماء التي ثبت بالنص والإجماع أنها مختصة بالله، وأنه ليس للعباد فيها نصيب”([6]).

فمن الصفات المذمومة في جانب البشر الكِبْر، وهي من صفات الله -تعالى- المتصف بها، والتي لم يتصف بنقيضها فيقال عنه -تعالى: المتواضع، وقد ورد الاتصاف بهذا الصفة في القرآن والسنة.

فقال -تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الحشر: 23].

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر: 67] ورسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم يقول هكذا بيده ويحركها يقبل بها ويدبر: “يمجّد الرب نفسه، أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم“، فرجف برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- المنبر حتى قلنا: ليخرنّ به([7]).

و”المتكبر” في حقه -تعالى- أنه “الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله.

وقيل: المتكبر عن كل سوء، المتعظم عما لا يليق به من صفات الحدث والذم.

وأصل الكبر والكبرياء الامتناع وقلة الانقياد”([8]).

وقد ورد التحذير من أن يتصف أحد بهذه الصفة، وجعل لهم عاقبة السوء في الآخرة إن تلبسوا بها؛ فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: “يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس يعلوهم كل شيء من الصَّغار حتى يدخلوا سجنًا في جهنم يقال له: بولس، فتعلوهم نار الأنيار يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار([9]).

وذلك لأن الحقيق بهذه الصفة هو الله -تعالى، والمتصف بها ينازع الله -تعالى- فيما اختص به نفسه؛ فعن أبي هريرة قال: قال الله -عزّ وجل: “الكبرياء ردائي والعزة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما ألقيه في النار([10]).

وعليه “فإن من أسمائه وصفاته ما يحمد العبد على الاتصاف به كـ: العلم والرحمة والحكمة وغير ذلك، ومنها ما يذم العبد على الاتصاف به كـ: الإلهية والتجبر والتكبر”([11]).


([1]) شرح مشكل الحديث للقصري بتحقيقي، ص(34).

([2]) التعريفات للجرجاني، ص(216).

([3]) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي، ص(564).

([4]) إحياء علوم الدين للغزالي، (4/306).

([5]) السلسلة الضعيفة والموضوعة، (6/346).

([6]) الصفدية لابن تيمية، (2/337).

([7]) أخرجه أحمد في “المسند”، ح(5414)، وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على “المسند”: “إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات، رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم”.

([8]) تفسير القرطبي، (18/47).

([9]) أخرجه أحمد في “المسند”، ح(6677)، وقد حسّن إسناده شعيب الأرنؤوط في تعليقه على “المسند”.

([10]) أخرجه أحمد في “المسند”، ح(7376)، وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على “المسند”: “صحيح، وهذا إسناد حسن”.

([11]) الصفدية لابن تيمية، (2/338).