عن عمر بلغ 76 عامًا، توفي أمس، الأربعاء 14 مارس، عالم الفيزياء البريطاني الشهير «ستيفن هوكينج»، بعد حياة حافلة بالإنجازات العلمية المهمة، ومليئة أيضًا بالمعاناة الجسدية لمدة تجاوزت نصف القرن..

وُلد «هوكينج» في إنجلترا 8 يناير 1942م، وله أبحاث نظرية في علم الكون، وفي العلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، بجانب أبحاث ودراسات في التسلسل الزمني.

وبحسب «ويكيبيديا»، فقد أصيب هوكينج بالتصلب الجانبي ALS وهو في الحادية والعشرين من عمره (عام 1963)، وهو مرض مميت لا علاج له. وقد أعلن الأطباء أنه لن يعيش أكثر من سنتين، ومع ذلك جاهد المرض حتى تجاوز عمره الـ75 عامًا، وهو أمد أطول مما توقعه الأطباء.

وقد أتاح له هذا العمر المديد فرصة العطاء في مجال العلوم وبالتحديد علوم الفيزياء النظرية، إلا أن المرض جعله مُقعدًا تمامًا وغير قادر على الحركة، ولكنه مع ذلك استطاع أن يجاري بل وأن يتفوق على أقرانه من علماء الفيزياء، رغم أن أجسادهم كانت سليمة ويستطيعون أن يكتبوا المعادلات المعقدة ويجروا حساباتهم الطويلة على الورق، بينما كان «هوكينج» وبطريقة لا تصدق يجري كافة هذه الحسابات في ذهنه، ويفخر بأنه حظي بذات اللقب وكرسي الأستاذ الذي حظي به من قبل السير إسحاق نيوتن، وبذلك فهو يُعتبر رمزًا يُحتذى به في الإرادة وتحدي الإعاقة.

مع تطور مرضه، وبسبب إجرائه عملية للقصبة الهوائية لوجود التهاب في القصبة، أصبح «هوكينج» غير قادر على النطق أو تحريك ذراعه أو قدمه، أي أصبح غير قادر على الحركة تمامًا؛ فقامت شركة إنتل للمعالجات والنظم الرقمية بتطوير نظام حاسوب خاص متصل بكرسيه يستطيع «هوكينج» من خلاله التحكمَ بحركة كرسيه، والتخاطبَ باستخدام صوت مولد إلكتروني وإصدار الأوامر عن طريق حركة عينيه ورأسه؛ حيث يقوم بإخراج بيانات مخزنة مسبقًا في الجهاز تمثل كلمات وأوامر.

في عام 1965م نال «هوكينج» درجة الدكتوراه عن أطروحته «خصائص توسيع الكون»، ثم قدم  العديد من الآراء والنظريات العلمية المهمة، وأبرزها نظريته عن «الثقوب السوداء»؛ ففي عام 1971 أصدر بالتزامن مع عالم الرياضيات روجر بنروز نظريته التي تثبت رياضيًّا وعبر نظرية النسبية العامة لأينشتاين بأن الثقوب السوداء أو النجوم المنهارة بسبب الجاذبية هي حالة تفردية في الكون “أي أنها حدث له نقطة بداية في الزمن”. وفي 1974 أثبت نظريًّا أن الثقوب السوداء تصدر إشعاعًا، على عكس كل النظريات المطروحة آنذاك؛ وسُمي هذا الإشعاع باسمه “إشعاع هوكينج”، واستعان بنظريات ميكانيكا الكم وقوانين الديناميكا الحرارية.

ترك «هوكينج» عددًا من الكتب تهدف إلى تبسيط النظريات العلمية للقارئ العام، وأهمها كتابه الأشهر «تاريخ موجز للزمن» (1988م). ونال العديد من الجوائز والميداليات والأوسمة؛ منها وسام الحرية الرئاسي- وهو أعلى جائزة مدنية في الولايات المتحدة- عام 2009، من الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حفل بالبيت الأبيض. وفي عام 2002، احتل هوكينج المرتبة رقم 25 في استطلاع BBC لـ 100 بريطاني عظيم.

كانت قصة حياته موضوع فيلم “نظرية كل شيء” The Theory of Everything، الذي طُرح للعرض في عام 2014، ولعب فيه دور البطولة الممثل إيدي ريماين.

وقال أبناؤه لوسي وروبرت وتيم، بحسب ما نقله موقع BBC العربي: “نشعر بحزن عميق لأن والدنا الحبيب توفي اليوم”، وأضافوا في نعيهم: “لقد كان عالمًا عظيمًا ورجلاً غير عادي، سيعيش عمله وتراثه لسنوات عديدة”.

مسيرة حافلة بالدروس

ومن خلال حياة «هوكينج» الحافلة بالعطاء، والتي صارت رمزًا على مواجهة التحديات مهما بلغت شدتها وقسوتها.. يمكن لنا أن نقول إن «ستيفن هوكينج» يمثل «حالة» على مجموعة من المعاني المهمة، ينبغي أن ندركها:

– أن الإنسان بعقله أولاً، وليس بعضلاته؛ وإلا فكثير من الحيوانات أقوى منه..!

– أن الفكر أعلى مقامًا من المادة.. وليس كما يقول الماديون، من أن الفكر يأتي تاليًا للمادة، التي هي بزعمهم مدارُ الحياة والأحياء.

– أن تقدم مجتمعٍ ما، أو حضارة بعينها، إنما يقاس برعايته للشرائح الضعيفة، وليس تلك التي تملك البقاء والمقاومة بغناها الذاتي.. وللأسف، فلو وُجد «هوكينج» في مجتمع آخر- لا يجد فيه الإنسان المعافَى حاجته بيسر- لربما داسه قطار الحياة، وبالكاد وجد معاش العاجزين..!

– لا أنسى كلمات الأستاذ محمود أمين العالم (المفكر اليساري) في حفل تأبين الشيخ أحمد ياسين، بالقاهرة، بعد استشهاده.. تلك الكلمات التي كانت تفيض انبهارًا وإجلالاً لهذا المُقعَد الذي لم يَحُلْ جسده العاجز عن تحريك مجتمعه وتثوير قضيته.. وهكذا، فقدرات الإنسان بلا حدود، وتتجاوز قيود البدن..!

– إنه الإنسان.. وإنه عقل الإنسان.. الذي متى وُجد، فما بعده أيسر منه.. ولذا، فلن تفلح وفرة الماديات في أنْ تنهض بمجتمعٍ ما؛ إذا كان هذا المجتمع يهدر قيمة الإنسان، أو يزدري العقولَ المفكرة فيه..!

بقيت نقطة أخيرة، وهي أنه إذا كان عقل «ستيفن هوكينج» لم يَقُدْه إلى الإيمان بالله تعالى، وإلى التعرف على خالق السماوات والأرض ومُبدِعِ نظامهما؛ فإن الإسلام قد وفَّر علينا مشقة هذا النزاع بين العلم والإيمان؛ إذ جعلهما وجَهْين لحقيقة واحدة؛ فكان القرآنُ الكريم (كتابَ الله المسطور)، والكونُ (كتابَه المنظور)، وكلاهما صدر من (مشكاة واحدة)!

لكن، لا ينبغي- كما حدث من بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي- أن ننشغل بسؤال مصير «هوكينج» في الآخرة، عن كيفيةِ قراءة تجربته بما يفيدنا نحن، على مستوى الأفراد والمجتمع..  وكيفيةِ الإفادة من التجربة في بُعْدَيها الإنساني والحضاري..