سرطان المؤسسات الذي نحاول أن نشخصه في سلسلة من المقالات مثل سرطان الأجسام. فكما أن سرطان الأجسام يتمثل في نمو غير طبيعي للخلايا والأنسجة فإن سرطان المؤسسات يتمثل في نمو غير معقول للإدارات والوحدات أو للمشاريع والمبادرات. ومع أن النمو في الأصل هو علامة حياة للكائن الحي إلا أنه حينما يتجاوز الحد الطبيعي أو يخرج عن السيطرة والتحكم يُشخص بأنه نمو سرطاني.

والمؤسسة كالجسم كيان حي ونموها كنموه علامة حياته فإن كان النمو غير معقول أو خارجاً عن السيطرة والتحكم أصبح شبيهاً بالنمو السرطاني. وليس المقصود بالخروج عن السيطرة والتحكم هو استقلالية الإدارات والوحدات المرتكزة على مبدأ التفويض الإداري ومن ثم المساءلة والمحاسبة على النتائج، فتلك علامة صحة مؤسسية، وإنما المقصود تضخم المؤسسة تضخماً يعجزها عن تحقيق الفاعلية في أدائها كما يعجزها عن ضمان الجودة في مخرجاتها. وكما أن الخلايا السرطانية في الجسم قد تتضخم وتخترق أنسجة وخلايا سليمة وتخلخل وظائفها مما يمكن أن يؤدي إلى هزال الجسم كله أو موته؛ فإن التضخم السرطاني في المؤسسة قد يفسد الوحدات السليمة فيها ويشل المؤسسة بأسرها ويفقدها الفاعلية.

وكما أن سرطان الأجسام متعدد الأنواع فإن سرطان المؤسسات متعدد الصور. ومن أبرز صور سرطان المؤسسات – على سبيل المثال – تبني المؤسسة لمبادرات كثيرة في آن واحد من غير مراعاة لـ “قانون الإجهاد المبادراتي” (The Law of Initiative Fatigue) كما يسمى في أدبيات القيادة.

ويمكن تلخيص هذا القانون كالآتي: حينما تزداد أعداد المبادرات وتتراكم بعضها فوق بعض – مهما كانت مقاصدها حسنة – فإن المؤسسة تفقد القدرة على التركيز والموازنة بين الأولويات والرصد والمتابعة المنتظمة والحماس للإنجاز والتطوير النوعي المستمر، وانعدام هذه الأمور الحيوية في أي مؤسسة يفقدها الفاعلية بلا شك.

وكما أن التأخر في اكتشاف سرطان الأجسام يؤدي إلى استفحاله استفحالاً يصعب السيطرة عليه فضلاً عن معالجته، فإن عدم الاكتشاف المبكر لسرطان المؤسسات يؤدي إلى نفس النتيجة الكارثية بل أشد وقعاً وأكبر تأثيراً؛ ذلك أن استفحال سرطان الأجسام قد يودي بحياة أفراد قدراً أما انتشار سرطان المؤسسات فإنه قد ينجم عنه سقوط دول وضياع مجتمعات بما كسبت أيديها. والأدهى والأمر من التأخر في تشخيص سرطانات المؤسسات هو الاحتفاء بها على أنها إنجاز!!!