لو تأملت في التوزيع الآيديولوجي والثقافي منذ القرن الماضي ،ستكتشف أن الجدران التي كانت تفصل بين الآيديولوجيات أو بين الثقافات إما منهارة أو أصابها التشقق.
الدول الراسمالية تستعين” ببعض” ميكانيزمات الاشتراكية وهو ما يتضح في عودة النزعة الكينزية للتدخل في الاقتصاد ، وظهور دولة الرفاه، وتزايد مشاركة العمال في مجالس الإدارة…بينما الدول الاشتراكية وأكبرها الصين يصل نصيب القطاع الخاص فيها إلى 37%، ودخلتها آليات الحافز الفردي، وتحرير التجارة الخارجية وفتح المجال للاستثمار الرأسمالي…الخ، وكأننا نقف على أعتاب المركب الهيجلي…
وعندما تنظر إلى الأحزاب الدينية-شرقا وغربا- فأغلبها بدأ يأخذ بميكانيزمات الديمقراطية كما هي مستخدمة في الدول الغربية أو قريب منها( التداول على السلطة، الانتخاب، الشريعة مصدر رئيسي او احد المصادر وليس الوحيد، وقضايا المرأة والدولة المدنية، والقبول بالفن بحذر أو على مضض…الخ)، بينما ترى العلمانيون اقل ثقة بالحداثة، بل ما بعد الحداثة لم تعد تقبل بالتنظير بمفهومه الحتمي..والجامعات تضخ نفس المنظومة المعرفية لكل طلاب العالم..
والموسيقى الغربية تنهل من بعض مقامات موسيقى السود أو موسيقى الشرق، والشرق تتسلل لإيقاعاته أنغام الغرب…والأزياء والشعر والأدب …كله يتثاقف ويتسلل لبيوت بعضه خلسة أو بالطرق على الأبواب… والحياة الحضرية تخنق بقفازها الناعم حياة الريف والبداوة ، فتسمع صراخ تلك الحياة ، وأحيانا تختنق بصمت…
لكن المسـالة ليست خطية، ولا سلمية،ومراوغة وفيها مكر من الجانبين أحيانا ، تراها متعجلة أحيانا وتتلكأ أحيانا أخرى، تنبت الفسائل على جذعها، لكنها لا تتوقف متواصلة بدأب شديد، وتتسارع بوتيرة لم تعرفها في مراحل التثاقف القديمة منذ شاندراغوبتا والاسكندر المقدوني… تدعمها عولمات اقتصادية ومالية وسياسية وتستطرق مضامينها من دورق لآخر…وليس مهما أن تقبلها أو ترفضها، وانظر حولك لتراها في كل ركن من بيتك وعلى جسدك…
إنني أعتقد أن ما يجري ينثر بذور ثقافة إنسانية ستلد – بعد فترة طويلة نسبيا- بطلق صناعي أو ولادة قيصرية أو ولادة طبيعية…لكنها ستلد،وتنمو ، وفيها نسب من كل الأعراق والثقافات… لكن التجانس لن يلغي الصراع…ألم يقتل قابيل هابيل؟