ما يسمى بعقد الإيجار المنتهي بالتمليك أو الإيجارَ معَ الوَعْد بالبيع أو الهبة يعتبر من العقود الجديدة التي استحدثتها الصيرفة الإسلامية لما فيه من مرونة، وليكون بديلا عن الربا، وكذلك لإثراء العقود المتوائمة مع الشريعة الإسلامية التي تجريها مؤسسات التمويل الإسلامية ، كالاستصناع وبيع المرابحة للآمر بالشراء وبيع التورق العادي وبيع السلم والسلم الموازي والشركة المتناقصة وغيرها من المعاملات التي توفرها البنوك الإسلامية لزبنائها وتعتبر بديلا ومخرجا عن الوقوع في الربا والمعاملات المحرمة.

وقولنا بأن عقد الإيجار المنتهي بالتمليك مما استحدثته الصيرفة الإسلامية لا يعني أنها هي أول من أنشأ التعامل به، بل كان هذا العقد معروفا في القوانين الغربيَّة بأسماء كثيرة، ك(الإيجار السّلبيّ)، و(البيع بالتَّقسيط، مع الاحتفاظ بالملكيَّة حتى سداد الثَّمن)، و(الإيجار السَّاتر للبيع)، وغير ذلك.

ولكن الصيرفة الإسلامية لما صبغته بالصبغة الشرعية بما أُدخلته عليه من التَّعديلات؛ وأحاطته به الضوابط التي تلائم الشرع وسمته بـعقد (التَّأجير المنتهي بالتَّمليك)، سوغ ذلك أن يذكر كون هذا العقد  مما استحدثته الصيرفة الإسلامية. باعتبار كونها أدخلته إلى منظومة معاملاتها المصرفية بصيغة جديدة. إذ جعلته عقد إيجار حقيقي مع وجود وعد بهبة العين، أو بيعها بثمن بخس عند انتهاء عقد الإيجار.

ومما دعا مؤسسات التمويل الإسلامية وزبنائها إلى اختيار عقد الإيجار المنتهي بالتمليك بدل البيع بالتقسيط هوما فيه من مرونة وضمان لحق طرفي العقد معا، وذلك  أن بعض الزبناء قد يتعذرعليه توفير رهن أوضمان مع حاجته إلى اقتناء السيارة أو العقار ونحوه، فيدخل في عقد إيجار منته بالتمليك لأنه في هذا العقد لا يَحْتاج إلى ضَمان، أو كَفالة، أو رهْن؛ لأن العين باقية على ملك المؤجر فيغني ذلك عن معاملة البيع بالتَّقسيط.

وإذا  ماطل المستأجر أو تعذر عليه سداد أقساط الأجرة فللمؤجر استرداد العين لأنَّها لا تزال على مِلْكه.

لكن يشترط لصحة هذا العقد أن يكون عقد الإيجار حقيقيا تترتب عليه أحكامه وآثاره لا أن يكون صوريا ساترا للبيع كما هو شأنه في القانون الغربي  إذ يسمونه ” الإيجار الساتر للبيع” فإن كان كذلك كان مجرد حيلة محرمة لإسقاط أحكام البيع، وهذا مع الأسف هو واقع كثير من عقود الإيجار المنتهي بالتمليك لدى مؤسسات التمويل الإسلامية، فلا تتحرى الضوابط الشرعية لصحة هذا العقد.

فتجري المؤسسة عقدين مختلفين عقد الإيجار وعقد البيع معا، في وقت واحد على عين واحدة في زمن واحد. فتنقلب الإجارة بيعا تلقائيا في نهاية المدة. وهذه حيلة محرمة لا تجوز لإخلالها بصحة العقد وضوابطه الشرعية.

ومن الحيل المحرمة في هذا العقد تملك المستأجر للعين مقابل ما دفعه من أجرة خلال المدة المحددة دون إبرام عقد جديد.

وعليه فلا بد أن تراعي مؤسسات التمويل الإسلامية هذه الضوابط الشرعية وهي لا تكلفها جهدا أو مؤونة ولا تخسر بسببها ربحا.

وقد جاء بيان الضوابط الشرعية لصحة عقد الإيجار المنتهي بالتمليك في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية عشرة رقم: 110(4/12) وهي:

“أولاً: ضابط الصور الجائزة والممنوعة ما يلي:

أ- ضابط المنع: أن يرد عقدان مختلفان في وقت واحد على عين واحدة في زمن واحد.

ب- ضابط الجواز:

1- وجود عقدين منفصلين يستقل كل منهما عن الآخر زماناً، بحيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد الإجارة، أو وجود وعد بالتمليك في نهاية مدة الإجارة، والخيار يوازي الوعد في الأحكام.

2- أن تكون الإجارة فعلية وليست ساترة للبيع.

3- أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك لا على المستأجر، وبذلك يتحمل المؤجر ما يلحق العين من غير ناشيء من تعد المستأجر، أو تفريطه، ولا يلزم المستأجر بشيء إذا فاتت المنفعة.

4- إذا اشتمل العقد على تأمين العين المؤجرة فيجب أن يكون التأمين تعاونيا إسلامياً لا تجارياً، ويتحمله المالك المؤجر وليس المستأجر.

5- يجب أن تطبق على عقد الإجارة المنتهية بالتمليك أحكام الإجارة طوال مدة الإجارة ، وأحكام البيع عند تملك العين.

6- تكون نفقات الصيانة غير التشغيلية على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة.

ثانياً: من صور العقد الممنوعة:

1- عقد إجارة ينتهي بتملك العين المؤجرة مقابل ما دفعه المستأجر من أجرة خلال المدة المحددة، دون إبرام عقد جديد، بحيث تنقلب الإجارة في نهاية المدة بيعاً تلقائياً.

2- إجارة عين لشخص بأجرة معلومة ولمدة معلومة مع عقد بيع له معلق على سداد جميع الأجرة المتفق عليها خلال المدة المعلومة، أو مضاف إلى وقت في المستقبل.

3- عقد إجارة حقيقي، واقترن به بيع بخيار الشرط لصالح المؤجر، ويكون مؤجلاً إلى أجل محدد (هو آخر مدة عقد الإيجار). وهذا ما تضمنته الفتاوى والقرارات الصادرة من هيئات علمية ومنها: هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.

ثالثاً: من صور العقد الجائزة:

1- عقد إجارة يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة، واقترن به عقد هبة العين للمستأجر معلقا على سداد كامل الأجرة، وذلك بعقد مستقل، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة (وذلك وفق ما جاء في قرار المجمع بالنسبة للهبة رقم (13/1/3) في دورته الثالثة.

2- عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة (وذلك وفق قرار المجمع رقم 44(6/5) في دورته الخامسة.

3- عقد إجارة يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة مقابل أجرة معلومة، في مدة معلومة واقترن به وعد ببيع العين المؤجرة للمستأجر بعد سداد كامل الأجرة بثمن يتفق عليه الطرفان.

4- عقد إجارة يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة مقابل أجرة معلومة، في مدة معلومة، ويعطي المؤجر للمستأجر حق الخيار في تملك العين المؤجرة في أي وقت يشاء على أن يتم البيع في وقته بعقد جديد بسعر السوق (وذلك وفق قرار المجمع السابق رقم 44/6(5)) أو حسب الاتفاق في وقته… ” انتهى

ومن هذا يتبين أن عقد الإيجار المنتهي بالتمليك صيغة مقبولة من صيغ التمويل الإسلامي إن روعيت فيه الضوابط الشرعية واجتنبت الحيل التي تفقده معناه وتجعل الإجارة ساترة للبيع فحسب ؛ لأن تنافر اللوازم يؤدي إلى تنافر الملزومات ، فالبيع يلزم منه انتقال العين بمنافعها إلى ملك المشتري ، فضمانها عليه ومنافعها له ، والإيجار يلزم منه أن تبقى العين في ملك صاحبها وينتفع المستأجر بالمنافع فقط ، ولا تَصرّف له في العين .

كما  أن القسط المحدد الذي يسميه البنك قسط إيجار لا يتناسب في الواقع مع إيجار مثل العين موضع العقد ، بل الغالب فيه أن يكون ضعف إيجار المثل أو أكثر أو أقل ، لأنه نظر إليه في الواقع على أنه قسط من الثمن ، فلو أعسر المشتري ببعض هذه الأقساط سحبت منه العين ، وربما يكون قد دفع أقساطاً تساوي في الواقع أكثر قيمة العين ، إن لم يكن قد دفع قيمتها الفعلية وهذا من أكل أموال الناس بالباطل. فينبغي مراعاة ذلك أيضا . نسأل المولى سبحانه أن يغنينا بحلاله عن حرامة وبطاعته عن معصيته إنه سميع مجيب.


مراجع هذا المقال

1-  الإيجار المنتهي بالتمليك للدكتورد. سعود بن عبدالله الفنيسان المنشور: بمجلة البحوث الفقهيّة المعاصرة: العدد 48.

2 – قرار مجمع الفقه الإسلامي حول عقد الإيجار المنتهي بالتمليك المنشور بمجلة مجمع الفقه الإسلامي 12/1996 .