قال تعالى:

– (تلكمُ الجنّةُ أُورثتموها بما كنتم تعملون) الأعراف 43، وقريب منها في الزخرف 72.

– (تلك الجنّةُ التي نُورث مِن عبادنا مَن كان تقيًا) مريم 63. نُورث: نورثها.

– (واجعلْني مِن ورَثة جنّةِ النعيم) الشعراء 85.

لماذا ذُكر الإرث في مسألة الجنّة؟

لأن الجنّة لا يدخلها المؤمن بعمله فقط، بل يدخلها من باب أولى بثواب مضاعَف من الله على هذا العمل، ولولا الثواب الكبير المضاعَف ما دخل الجنّة أحدٌ. ألا إنّ سلعة الله غالية، لا يستطيع أن يدفع ثمنها أحد! لولا إعانة الله!

إذن يدخل المؤمن الجنّة بعملٍ أو تعبٍ قليلٍ. وهكذا الإرث يحصل عليه الوارث بلا تعب أو بتعب قليل، وكلما كان مبلغه كبيرًا كان ذلك أوضح.

وهذا الذي يقوله المفسّرون هنا لا يذكره الكاتبون في الميراث هناك في كتاباتهم! إلا ما فعل العبد الفقير في كتابه.

في الميراث قد يرث وارثٌ قريبٌ، كالابن والبنت، وقد لا يكون له من عمل في تكوين ثروة الأب إلا العمل القليل، وربما لا يكون له أدنى عمل، كالجنين في بطن أمّه، أو كالولد الذي لا يساعد أباه أبدًا.

وفي حالة الوارث البعيد، كالأخ والعمّ، وذوي الأرحام، فإنّ المسألة تكون أوضح، حيث يُفاجأ الوارث بالإرث من حيث لا يَحتسب! مِن مكانٍ بعيدٍ!

قد يقال: لماذا يرث هؤلاء ولا تعب لهم ولا عمل؟

لعل الجواب يكمن في أن الإنسان مفطور على حبّ الجوائز في اليانصيب وغير اليانصيب. ولهذا ترى إقبال الناس على اليانصيب، ولو دفعوا ثمن ورقة اليانصيب. ودفعُ الثمن مؤكّد، والربح مشكوك جدًا!

الميراث في الإسلام يلبّي هذه الفطرة عند الإنسان، من دون أن يدفع ثمن أيّ ورقة، وإلا صار من القِمار.

وفي كتابي عن الميراث انفردتُ عن غيري من المؤلفين بالكتابة عن الحظّ، وربما صُدم به بعض المشايخ، ورأوه عيبًا، والأمر بخلاف ذلك تمامًا! فالعلم والبحث والمنهج كل ذلك يقضي بضرورة التعرّض لهذا الموضوع، لا سيما وأن الحظ قد جاء ذكره في آيات الميراث، وهو لا يعني الحصّة فقط، بل يعني: البخت، أيضًا.

(للذكر مثلُ حظّ الأنثيين) سورة النساء 11 و176.

يقول الراغب الأصفهاني (-508هـ): “المال يحصل من وجهين:

أحدهما: بسبب منسوب إلى الجَدّ (الحظّ) المحض والبخت الصرف، مِن غير اكتساب مِِن صاحبه، كمَن وَرِث مالاً، أو وجد كنزًا، أو قبض من أولاده شيئًا.

والثاني: أن يكتسب الإنسان، كمن يشتغل بتجارة أو صناعة”. انظر: (الذريعة إلى مكارم الشريعة).

ويقول الغزالي (-505هـ)، الذي رَوى أنه كان يصطحب معه كتاب الذريعة:

الدخل إما بالاكتساب وإما بالبخت. أما البخت فميراثٌ، أو وجودُ كنز، أو حصولُ عطيّةٍ مِن غير سؤال. وأما الكسب فجهاتُه معلومةٌ”. انظر: (ميزان العمل).

ويقول ابن القيم (-751هـ): “العَصَبة تارة تحوز المال (كلّه)، وتارة تحوز أكثره، وتارة تحوز أقلّه، وتارة تخيب”. (إعلام الموقعين).

هذا والله أعلم بالصواب.