يعرج بنا البيان القرآني ، ويسمو بعقولنا فوق مستويات البيان البشري وقدراته؛ ليتضح لنا البون الشاسع بينهما.
إن البيان الإلهي يحلق بنا في سماوات الفهم، ومقاماته العالية الراقية، ويسبح بنا في أفلاك البيان ومدارج الكمال، ويسبر أغوار النفس البشرية وأعماقها؛ ليقف بنا أمام البلاغة في أرقى صورها وأدق مقاماتها.
(قَالَ مَوۡعِدُكُمۡ یَوۡمُ ٱلزِّینَةِ وَأَن یُحۡشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحى * فَتَوَلَّىٰ فِرۡعَوۡنُ فَجَمَعَ كَیۡدَهُۥ ثُمَّ أَتَىٰ)
إن القدرات البشرية في العروج البياني تقف أمام هذا البيان، عاجزة الفهم، خائرة القوى؛ تصيبها الدهشة البيانية؛ للخروج عن ظاهر المتوقع من سياق البيان؛ إذ المتوقع أن يكون الإتيان لمقابلة موسى أسهل من الجمع والحشد في استغراق الزمان، فيقتضي ظاهر النظم أن يكون ( فتولى فرعون ثم جمع كيده فأتى ) فيستعمل (ثم) مع الجمع، و(الفاء) مع الإتيان.
لكنه العروج البياني بطاقات الفهم؛ لسبر أغوار النفس، وكشف خور فرعون وهزيمته النفسية عن ملاقاة الكليم، فتيسر له الجمع بجبروت الملك، وتردد في الملاقاة؛ فكان هذا النظم المعجز الدقيق المحكم في البيان ( فَجَمَعَ كَیۡدَهُۥ ثُمَّ أَتَىٰ ) .