يعرج البيان القرآني بالمعاني والأفهام فوق متوقع فهوم البشر من الكلام، فماهو زائد في بيانهم هو محكم دقيق في الاستعمال القرآني، لايمكن الاستغناء عنه بحال، فأمعن النظر وأنعم الفكر في قوله تعالى، واصفا حال المنافقين بزعمهم الإيمان (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِینَ)

إن البيان القرآني استعمل الباء في هذا المقام وليست زائدة بحال؛ إذ هناك فرق معنوي دقيق في قولنا (وماهم مؤمنين) وما استعمله القرآن (وماهم بمؤمنين).
ذلك أن التعبير الأول يحتمل نفي كمال الإيمان، وأما ما ورد في القرآن فقد اتجه إلى نفي أصل الإيمان ( وماهم بمؤمنين) لتسلط النفي على الباء؛ للدلالة على نفي لصوق أدنى شيء من الإيمان بهم، فهي أصيلة متمكنة في معناها، تعرج في مدارج البيان.