لقد راعى الإسلام -في مقاصده الشرعية في الإرث-  العدل لا المساواة. لذلك جاء التعبير القرآني دقيقا في مطلع البيان إذ قال : (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ )

فاستخدم فعل الإيصاء وقرنه بحرف الجر “في” (يوصيكم الله في)  وهو الموضع الوحيد في معجز التشريع والبيان قرن فعل الإيصاء فيه بفي، والمعتاد اقترانه بالباء!

كما في قوله تعالى :

(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا).

(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا) .

(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ)

إلا في آية ميراث الأولاد قرنه ب(في ) فقال: (يوصيكم الله في أولادكم)  ولم يقل: يوصيكم الله بأولادكم؛ وما ذلك إلا مبالغة في التأكيد والاهتمام، بأن جعل الأولاد ظرفا للوصية ومحلا لها؛ لسابق علم الله -عز وجل- أن هناك نفوسا مرضى ستعترض على هذا الحكم أو تحتال.

وفي جميع حالات التشريع الإسلامي المعجز في الإرث، لم ترث المرأة نصف الرجل إلا في أربع حالات فقط.

وفي حالات أضعاف ماسبق ترث فيها المرأة مثل الرجل تماما.

وفي حالات عشر أو تزيد ترث فيها أكثر من الرجل.

بل في حالات أخرى ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها الرجل!

وما ذلك إلا لأن تشريع الإسلام راعى في مقاصده- في كل حالات الإرث – العدل لا المساواة .

والمتأمل في دقائق التشريع الإسلامي ومقاصده السامية الحكيمة يدرك تماما أن التشريع الإلهي راعى العدل وناسب الخلق؛ لأن الذي خلقهم أعلم بما ينفعهم (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)

فاقترنت ربوبية الخلق بالعلم بكل ما دق ولطف وخفي من أحوال الخلق، فكان خبيرا بمايصلحهم وينفعهم، بموجب ربوبيته وعلمه؛ وذلك يقتضي تمام التسليم بلازم ألوهيته في الحكم والتدبير.

والإيمان المقترن بالتسليم والخضوع والتقوى يقود إلى العلم بأسرار دقائق الحكم والتشريع (وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

فإن مرد دقائق العلم ومقاصده راجع إلى اتساع علم الله وإحاطة علمه بكل شيء.

وهنا عند النظر في حالات إرث المرأة مع الرجل في التشريع الحكيم نجدها حسب ماسبق ذكره على أحوال متنوعة .

حالات ترث فيها نصف الرجل وهي لاتتجاوز أربع حالات في التشريع الإسلامي، لايتسع المقام للتفصيل وسرد العلل ومقاصد التشريع الحكيم في هذا المقام.

لكنه بالمقابل هناك حالات ترث فيها مثل الرجل تماما دون نقصان. وهي حالات كثيرة تفوق سابقتها من ذلك تساوي الإخوة لأم في الميراث فترث الأخت مثل أخيها تماما.

وحالات كثيرة أخرى ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، من ذلك لو توفيت امرأة عن زوج وأم، وأخ.

فإن الأم هنا تأخذ ثلث التركة ويبقى للأخ السدس؛ فأخذت أكثر منه. وفي حالات قد ترث المرأة ولايرث الرجل معها!

كما لو توفيت امرأة عن زوج وأخت شقيقة وأخ لأب. فإن الأخت الشقيقة هنا ترث نصف التركة ونصفه الآخر للزوج؛ ولايبقى للأخ شيء!

كل هذه الحالات عند النظر العميق والفكر الدقيق لها مقاصد تشريعية وأحكام يطول الحديث عنها والتفصيل فيها. تتضح لعلماء التشريع الراسخين، ويقصر عن ذكرها المقام. فالإسلام راعى في كل الحالات السابقة مقصد العدل لا التساوي المطلق الذي لا يحقق ذلك، وقصرت عن فهمه أشباه عقول تاهت في دروب الوهم والضلال.