أبدى د. إبراهيم عوض، أستاذ الأدب العربي بجامعة عين شمس، أسفه لتراجع معدلات “القراءة” في العالم العربي، خاصة لدى الشباب، موضحا أننا نعيش أزمة ثقافية تمثل جزءًا من حالة عامة مأزومة. وأضاف، في ندوة بقصر ثقافة المطرية، بالقاهرة، حول تجربته الثقافية والأكاديمية، قائلا: تخيلتُ نفسي دخلت جماجم الناس في العالم الإسلامي، فإذ بي أمام رمال قاحلة، حر شديد، وظلام!، لا شيء بداخل العقول.. الكتب أصبحت مهجورة، والبعض يشتكي من حالة صداع تأتيه عندما يمسك بالكتاب!

 

الندوة أدارها الإذاعي القدير د. محمود خليل، بحضور نخبة من الأدباء والمثقفين، منهم ناصر صلاح، وحيد الدهشان، يوسف أبو القاسم، وليد كساب. وأكد د. إبراهيم عوض ضرورة الانفتاح في القراءة على مختلف المذاهب والأفكار، وأن هذا الانفتاح هو السبيل لتكوين عقلية ناقدة، تميِّز الخبيث من الطيب.

وبيَّن د. عوض، الحاصل على الدكتوراه من أكسفورد، بأنه تمتع بتكوين معرفي من الثقافة الإسلامية، حصَّنه من الانخداع أو الانسياق وراء مزاعم المستشرقين، وجعله يقف على أرضية صلبة من الاعتزاز بالذات الحضارية، ويُفرز ما يواجهه من أفكار.. مشيدًا بكتابات الأستاذ عباس محمود العقاد والشيخ محمود شلتوت، التي قرأها في مرحلة مبكرة جدًّا من حياته، وكان لها تأثير كبير في تكوينه المعرفي.

وذكر د. عوض أنه نشأ في بيئة ريفية، بمحافظة الغربية، وارتبط في بداياته بالمسجد؛ الذي كان قريبًا من بيته، ويذهب إليه بصحبة والده.. فحافظ على الصلاة منذ صغره، ونشأ محبًّا للإسلام.. وكان ذا نهم في القراءة، وفي مجالات متعددة؛ فيقرأ في الأدب والروايات، وفي الإسلاميات، وفي الكتب المترجمة.

وأوضح أستاذ الأدب العربي أنه لا يتبع منهجًا واحدًا في النقد الأدبي، وإنما يستفيد من كل المناهج في إضاءة النص؛ لأن كل منهج يمثل زاوية من الزوايا التي من المهم النظر للنص الأدبي من خلالها، حتى تكتمل الصورة.

وحذَّر د. عوض من الانسياق وراء كل صيحة غربية، ومن الانخداع بالمناهج الوافدة.. مشيرًا إلى أن البعض يغيِّر من قناعاته بدافعٍ من المادة أو الشهرة أو المنصب.

ولفت إلى أن القرآن الكريم، والمسلمين عمومًا، يواجهون حملة عصيبة، وَصَفها بـ”تسونامي”.. موضحًا أن ضعف المسلمين وتراجعهم يُغري بمزيد من الهجوم عليهم وعلى مقدساتهم؛ خاصة وأن المهاجمين بتسمون بالذكاء، ويتسلحون بالعلم، ولديهم إمكانات هائلة غير مسبوقة.

وأضاف: المسلمون حوَّلوا القرآن والإسلام إلى معوِّق حضاري؛ لأنهم أصبحوا يكرهون العقل، ويخشون البحث، ويركنون إلى الموروث.. دون تفكير ونقد وتمحيص.

وأكد أن القرآن الكريم ذو عطاء ممتد، وقادر على مخاطبة  الإنسان أينما كان، وسَبَق له أن خاطب الإنسان غير العربي، من الشعوب الفارسية والهندية والأندلسية وغيرها، وقدَّم لهم خطابًا مقنعًا يلبي حاجاتهم العقلية والروحية.

ورفض د. عوض لجوء البعض إلى إقحام المشاهد الجنسية في الأعمال الأدبية، بحثًا عن الشهرة، أو عن الجوائز الغربية.. موضحًا أن هذه الأعمال الأدبية لا تعكس الواقع الذي تُكتَب فيه، وإنما هي مقحمة ومفتعلة.

وطالب الشبابَ بالقراءة، وبالقراءة المتنوعة، وبعدم التذرع بضعف الإمكانات المادية؛ فهي لا تَحول دون المعرفة والإبداع.. لافتًا إلى أن الكتب أصبحت متوافرة على “الإنترنت” وبالمجان، وبعضها كتب نادرة لا يمكن الحصول عليه.

وبيَّن د. إبراهيم عوض أن الهجوم على الإسلام والطعن فيه، له تاريخ قديم يتصل بتاريخ الإسلام نفسه، وبنشأته، منذ أيام الرسول صلى الله عليه وسلم.. مؤكدًا أن هذه الطعون لا تقف أمام المنهج العلمي السليم، والقراءة الفاحصة؛ لأنها طعون تستند إلى قوة الدعاية وإلحاحها، لا إلى الحقيقة العلمية.

وذكر أنه عندما يسمع عن أحد يهاجم الإسلام، فإنه لا يحاول أن يسفهه ابتداءً، وإنما يقرأ له باحترام وبدافع من البحث عن الحقيقة؛ لكنه يفاجأ بأن هذه الكتابات لا تستند إلى شيء، وإنما إلى فراغ، وبأنها مليئة بالتناقضات والافتراءات التي لا تقف أمام التمحيص.

وردًّا على سؤال حول معيار “إسلامية الأدب”، وهل يمكن أن يندرج في مفهوم “الأدب الإسلامي” ما ينتجه غير المسلمين إذا كان يدعو إلى قيم إنسانية.. أشار د. عوض إلى أنه يضع معيارًا واحدًا للأدب المقبول، والذي يمكن وصفه بأنه “أدب إسلامي”، وهو شرط ألا يعارض الإسلامَ أو يصطدم به.. رافضًا أن يوصف ما ينتجه غير المسلمين بأنه “أدب إسلامي”، حتى لو اتفقنا معه، من حيث الأهداف والقيم، لكن يوصف بأنه “أدب إنساني”.

وفي سؤال حول د. طه حسين، أشاد د. عوض بكتابات طه حسين في الأدب والنقد، موضحًا أنه يستمتع بأسلوبه استمتاعًا شديدًا، دون كتاباته الفكرية؛ التي بدا فيها متأثرًا بالغرب، وإن تخفَّف من ذلك في كتاباته الأخيرة.

وحول تقييمه لكتابات الأستاذ أنور الجندي، ثمنَّ د. عوض جهود “الجندي” في التأريخ للأدب ورَصْدِ معاركه، خاصة في كتبه الموسوعية الكبيرة.. ورأى أن جهوده في هذا الباب أفضل من جهوده كمفكر.. لافتًا إلى أن “الجندي” كان مثالاً في الزهد والمثابرة.

ود. إبراهيم عوض أديب وناقد ومفكر إسلامي مصري، وُلد عام 1948م في قرية “كتامة” بمركز بسيون بمحافظة الغربية، في أسرة تشتغل بالتجارة. ثم تخرَّج في كلية الآداب، وحصل على الدكتوراه في “النقد الأدبي” من جامعة “أكسفورد” سنة 1982م.

له أكثر من مائة كتاب، في مختلف مجالات الأدب والنقد والفكر والدفاع عن الإسلام؛ منها: “فصول في ثقافة العرب قبل الإسلام”، “فن الشعر العربي الحديث.. تحليل وتذوق”، “القرآن والحديث.. مقارنة أسلوبية”، “سورة المائدة.. دراسة أسلوبية فقهية مقارنة”، “لتحيا اللغة العربية.. يعيش سيبويه“، “لغة المتنبي.. دراسة تحليلية”، “مصدر القرآن.. دراسة لشبهات المستشرقين والمبشرين حول الوحي المحمدي”، “دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية.. أضاليل وأباطيل”، “اليسار الإسلامي وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة”، “افتراءات الكاتبة البنجلاديشية تسليمة نسرين على الإسلام والمسلمين”، “مع الجاحظ في الرد على النصارى“، “ماذا بعد إعلان سلمان رشدي توبته.. دراسة فنية وموضوعية للآيات الشيطانية”، “هتك الأستار عن خفايا كتاب: (فترة التكوين فى حياة الصادق الأمين)”.