من خلال النظر إلى ما جاء في مقررات مؤتمرات المرأة والسكان العالمية، نلاحظ بدون عناء دوافع الحملة المسعورة التي تتبناها مؤتمرات المرأة والسكان العالمية، والتي تلح فيها على دول العالم الثالث بقطع نسله وتقليل سكانه، وأهم هذه الدوافع هو خوف الدول الغربية التي تقف خلف هذه المؤتمرات من استمرار اتساع الفجوة في القوة البشرية بينها وبين الدول النامية ذات معدلات المواليد المرتفعة، فإن شبح الانقراض والانكماش هو الهاجس المخيف الذي أصبح يسيطر على العديد من دول الغرب.

هذا الأمر دفع هذه الدول إلى اللجوء إلى استيراد القوى البشرية لتعويض تراجع تعداد سكانها وانخفاض معدلات الإنجاب بها؛ بسبب الانحلال الأخلاقي المستشري فيها، وعدم قبول فكرة الزواج والالتزام بالنظام الأسري الطبيعي.

مقررات مؤتمرات المرأة والسكان التي تدعو إلى تحديد النسل

جاء في الفقرة الأولى من الفصل السادس من مقررات مؤتمر السكان والتنمية الذي عقد في القاهرة سنة 1994م ما يشير إلى التخوف من الزيادة السكانية، والترهيب من زيادة معدلاتها في المستقبل القريب، كتمهيد لقبول تنفيذ السياسات والتوصيات الواردة في برنامج مقررات هذه المؤتمرات التي تدعو إلى خفض معدلات النمو السكاني في الدول النامية، فكان مما ورد فيها:

ما جاء في البند ( 6-1 ) ( وصل نمو سكان العالم إلى مستوى أعلى مما كان عليه في أي وقت مضى بالأرقام المطلقة، حيث تتجاوز الزيادات الحالية 90 مليون نسمة سنوياً، واستناداً إلى إسقاطات الأمم المتحدة، يرجح أن تبقى الزيادات السكانية السنوية فوق 90 مليون إلى غاية 2015م، وبينما استغرق تزايد سكان العالم من بليون إلى بليونين 123 سنة، استغرقت زيادة السكان بليون نسمة أخرى فيما بعد 33 سنة و14 سنة و13 سنة على التوالي.

ويتوقع ألا يستغرق الانتقال الجاري حالياً من البليون الخامس إلى البليون السادس سوى 11 سنة، وأن يكتمل بحلول عام 1998م، وزاد سكان العالم بمعدل 1,7% في السنة خلال الفترة 1985م-1990م، غير أن من المتوقع أن ينخفض خلال العقود التالية ليصل إلى 1% في السنة بحلول الفترة 2020م– 2025م، ومع ذلك فإن تحقيق استقرار في نمو السكان خلال القرن الحادي والعشرين سيتطلب تنفيذ جميع السياسات والتوصيات الواردة في برنامج العمل هذا ).

ثم تكشف البنود التالية ما أشرنا إليه من أن الهدف الحقيقي من وراء الدعوة إلى خفض معدلات السكان في البلدان ذات معدلات المواليد المرتفعة، هو التخوف من بطء النمو السكاني في الدول الغربية المتقدمة أمام سرعته في الدول النامية، فقد جاء في الفِقرة الثانية من الفصل السادس من وثيقة مؤتمر السكان بالقاهرة:

البند (6-2) ( تلتقي غالبية البلدان في العالم في نمط من المعدلات المنخفضة للمواليد والوفيـات، ولكن نظراً لأنها تسير بمعدلات سرعة مختلفة، فإن الصورة الناشئة هي صورة عالم يواجه حالات ديموغرافية متنوعة تنوعاً متزايداً. ومن حيث المعدلات الوطنية، تراوحت الخصوبة خلال الفترة 1985م-1990م بين 8,5 أطفال لكل امرأة..

وخلال الفترة 1985م-1990م كان 44% من سكان العالم يعيشون في 114 بلداً تجاوزت معدلات النمو فيها 2% سنوياً، وتشمل هذه تقريباً جميع البلدان في أفريقيا التي يبلغ متوسط فترة تضاعف سكانها حوالي 24 سنة. وثلثي بلدان آسيا وثلث بلدان أمريكا اللاتينية، ومن جهة أخرى، قلت معدلات النمو عن 1% سنوياً في 66 بلداً يمثل 23%من سكان العالم ( معظمها في أوروبا )، وسيستغرق سكان أوروبا ما يزيد على 380 سنة لمضاعفة عددهم بالمعدلات الحالية.

ولهذه المستويات والفوارق المتفاوتة آثار على الحجم النهائي والتوزيع الإقليمي لسكان العالم واحتمالات التنمية المستدامة: ففي الفترة بين عام 1995م وعام 2015م يتوقع أن يتزايد سكان المناطق الأكثر نمواً بما يقرب 120 مليون نسمة، بينما سيتزايد سكان المناطق الأقل نمواً بما قدره 1,727 مليون نسمة ).

ويتضح الأمر أكثر من خلال النظر فيما ورد ضمن بنود وثيقة مؤتمر المرأة العالمي ببكين، حيث جاء فيها:

البند (40) ( وتقل أعمار نصف سكان العالم عن 25 سنة، ويعيش معظم شباب العالم – أكثر من 85% – في البلدان النامية، ويجب أن يقر واضعوا السياسات بالآثار المترتبة على هذه العوامل الديمغرافية ).

وتشير بنود وثيقة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية إلى أن حملات تنظيم الأسرة التي دعت إليها الأمم المتحدة قد آتت أُكلها، حيث انخفضت معدلات الخصوبة بالفعل، وأن هذا الانخفاض الحاصل كان انخفاض في معدلات النمو البشري في الدول النامية وليس الدول الغربية، وهذا هو المطلوب .

ففي البند (7-11) ( وقد أسهمت برامج تنظيم الأسرة بصورة كبيرة في انخفاض المعدلات المتوسطة للخصوبة في البلدان النامية من حوالي ستة إلى سبعة أطفال لكل أسرة في الستينيات إلى حوالي ثلاثة إلى أربعة أطفال في الوقت الحاضر ).

ومع هذا التقدم والنتائج الملموسة التي تسعى إليها هذه المؤتمرات، تدعوا الوثيقة إلى المزيد والمزيد من التوسع في برامجها التي تهدف إلى خفض نسبة الخصوبة والإنجاب في هذه الدول، فقد ورد في نفس البند: (7-11) ( وخلال عقد التسعينيات، سيزيد عدد الأزواج الذين في سن الإنجاب بحوالي 18 مليون زوج في السنة، ولتلبية احتياجاتهم وسد الثغرات الكبيرة القائمة في مجال الخدمات، سوف يلزم توسيع تنظيم الأسرة وإمدادات وسائل منع الحمل بصورة كبيرة خلال السنوات المقبلة ).

المؤتمرات الدولية تقصد خفض معدلات الخصوبة وتحديد النسل لا تنظيمه

فرغم أن مقررات هذه المؤتمرات تستخدم لفظ ” تنظيم الأسرة ” عندما تتحدث عن رغبتها في خفض عدد السكان، إلا أنه بتأمل تلك النصوص جيداً نرى أنها تقصد تحديد النسل وليس تنظيمه، ونلاحظ هذا من خلال استخدامها للعبارات ( تحديد عدد أطفالهم )، ( حجم الأسرة المفضل )، ( عدد أطفالهم )، ( بلوغ حجم الأسرة المرغوب فيه )..

فمما جاء في مؤتمر السكان والتنمية بالقاهرة على سبيل المثال: في (المبدأ 7) ( .. إتاحة الفرصة الشاملة للحصول على خدمات الرعاية الصحية، بما في ذلك الخدمات المتصلة برعاية الصحة الجنسية والتناسلية وتنظيم الأسرة. ويتمتع جميع الأزواج بحق أساسي في القيام بكل حرية ومسؤولية بتحديد عدد أطفالهم والمباعدة بينهم، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل اللازمة للقيام بذلك).

وفي البند (7-10) ( يجب أن يكون هدف برامج تنظيم الأسرة تمكين الأزواج والأفراد من أن يقرروا بحرية وبروح من المسئولية عدد أطفالهم.. وتوجد في كل مجتمع عوامل حافزة وأخرى مثبطة اجتماعية واقتصادية، تؤثر في قرارات الأفراد بشأن حمل الأطفال وحجم الأسرة. وطوال القرن الماضي، لجأت حكومات كثيرة إلى تجارب تتعلق ببرامج من هذا القبيل بما في ذلك توفير حوافز ومثبطات محددة، من أجل خفض معدل الخصوبة ).

وفي البند (11-15) (د) ( زيادة مقدرة الأزواج والأفراد على ممارسة حقهم الأساسي في البت بحرية وبإحساس من المسئولية في عدد أطفالهم والمباعدة بين المواليد، وفي أن تتاح لهم المعلومات والتثقيف والوسائل اللازمة للقيام بذلك ) .

وفي البند (7-21) ( وفي السنوات المقبلة، يجب أن تُبذل في جميع برامج تنظيم الأسرة جهود كبيرة لتحسين نوعية الرعاية، وينبغي للبرامج أن تحقق ما يلي في جملة تدابير أخرى: (أ) ( الإقرار بأن الطرق المناسبة للأزواج والأفراد تتباين حسب الأعمال، وعدد المواليد، وحجم الأسرة المفضل ).

وفي البند (13-13) ( واستناداً إلى الطلبات الحالية الكثيرة غير الملبَّاة على خدمات الصحة التناسلية بما فيها تنظيم الأسرة، والنمو المتوقع في عدد النساء والرجال ممن هم في سن الإنجاب، فإن الطلب على هذه الخدمات سيزداد زيادة سريعة جداً خلال العقدين المقبلين، وسيتسارع هذا الطلب نتيجة للاهتمام المتزايد في تأخير الإنجاب، وتحسين فترة المباعدة بين الأطفال، وبلوغ حجم الأسرة المرغوب فيه في وقت مبكر).

ويستمر التأكيد على هذا من خلال بنود التقرير الخاص باللجنة المُخَصَّصَة للدورة الاستثنائية الثالثة والعشرين للجمعية العامة المنعقدة بنيويورك سنة 2000م لمتابعة تنفيذ مقررات مؤتمر بكين، فمما جاء فيه:

البند (72) (ي) ( وتشمل الحقوق الإنجابية بعض حقوق الإنسان المعترف بها فعلاً في القوانين الوطنية والوثائق الدولية لحقوق الإنسان وغيرها من الوثائق التي تظهر توافقاً دولياً في الآراء، وتستند هذه الحقوق إلى الاعتراف بالحق الأساسي لجميع الأزواج والأفراد في أن يقرروا بحرية ومسؤولية عدد أولادهم وفترة التباعد فيما بينهم ).

مقررات المؤتمرات تدعو الدول لإقرار تشريعات لتحديد النسل

وجاء ضمن مقررات هذه المؤتمرات ما يدعو إلى حث الزعماء السياسيين وقادة المجتمعات إلى ( شرعنة ) تنظيم النسل وحث الناس عليه، كما تدعو إلى تسخير الإعلام لخدمة هذا الهدف، وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن مدى شرعية أن تكون حملات تنظيم النسل جماعية تتبناها الحكومات وتدفع الناس إليها ؟ – وهذا ما سنتناوله لاحقاً بإذنه تعالى عند تناول موضوع تحديد النسل من الناحية الشرعية – فمما جاء في وثيقة مؤتمر السكان والتنمية بالقاهرة على سبيل المثال:

في البند (7-19) ( ويُحث جميع الزعماء السياسيين وقادة المجتمعات على القيام بدور قوي ومتواصل وشديد الوضوح في تشجيع توفير واستخدام خدمات تنظيم الأسرة والخدمات الصحية التناسلية، وإضفاء الشرعية عليها.. وعلى القادة والمشرعين على جميع المستويات أن يترجموا تأييدهم العام والصحة التناسلية، بما في ذلك تنظيم الأسرة، إلى مخصصات كافية في مواد الميزانية والموارد البشرية والإدارية للمساعدة على تلبية احتياجات جميع من لا يستطيعون دفع التكلفة الكاملة لهذه الخدمات ).

وفي البند (11-19) ( ومن الأهمية بصفة خاصة أن تُربط استراتيجيات الإعلام والتثقيف والاتصال بالسياسات والاستراتيجيات السكانية والإنمائية الوطنية وبمجموعة كاملة من الخدمات في مجال الصحة الجنسية والتناسلية وتنظيم الأسرة ).

هكذا جاءت بنود مؤتمرات المرأة والسكان العالمية تصرح بتخوفها من زيادة سكان الدول النامية أمام انخفاض معدلات النمو السكاني بالدول الغربية المتقدمة، وهكذا جاءت بمطلب تحديد النسل وخفض معدلات الخصوبة.