الربا نوعان: ربا نسيئة (ربا قروض) وربا بيوع. وربا البيوع نوعان: ربا فضل وربا نَساء. يقول محمد أبو زهرة: ربا النَّساء ليس هو ربا النسيئة (بحوث في الربا ص 79).

ويقول أيضًا: يسمّي الفقهاء الزيادة عند وجوب المماثلة ربا الفضل، ويسمّون التأجيل عند وجوب القبض ربا النَّساء، ويسمّون ربا الديون الذي حرمه القرآن ربا النسيئة، وهو الزيادة في الدَّين نظير الأجل (بحوث في الربا ص 32). كذلك يقول محمد زكي عبد البر: يجب عدم الخلط بين ربا النسيئة المحرم بالقرآن وربا النَّساء المحرم بالسنّة (بحوث في الربا ص 77).

يمكن أن نستخدم هنا، في أول سطر من سطور هذا المبحث، عبارة “ربا قروض” أو “ربا ديون”، لأن الديون تأخذ حكم القروض بعد ثبوتها في الذمة، ولأن الديون تشمل القروض والبيوع، فالبيوع الآجلة نوع من الديون. فكل بيع تأجل أحد بدليه فهو دَين. ففي بيع يتأجل فيه الثمن يكون الثمن فيه هو الدَّين، وفي بيع يتأجل فيه المبيع (بيع السَّلم) يكون المبيع فيه هو الدَّين. فإذا تأجل البدلان صار دَينًا بدَين، أو كالئًا بكالئ.

ربا الفضل: 100 غرام ذهب معجلة بـ : 101 غرام ذهب معجلة،  فيها ربا فضل بمقدار: غرام واحد. وهذا المصطلح قد ورد في السنّة بقوله : الدينار بالدينار لا فضل بينهما والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما (صحيح مسلم، باب المساقاة 4/100). يفهم من هذا أن الفضل ربا. وفي كتب الحنفية، كالمبسوط  للسرخسي وغيره، ذُكرت روايات لحديث الأصناف الستة، جاء فيها هذه العبارة: والفضل ربا.

ويمكن القول بأنه لو كانت المبادلة 100 غرام ذهب معجلة بـ : 101 غرام ذهب مؤجلة ، لكان فيها ربا فضل بمقدار الفرق بين الوزنين، وربا نَساء بمقدار الفرق بين الزمنين. والفضل في هذه المبادلة في مقابل النَّساء فيها، أي زيد في القدر لأجل النَّساء.

واجتماع ربا الفضل وربا النَّساء هو ما يشكل ربا النسيئة، كما سيأتي. الغرض من هذه الأسطر الأربعة الأخيرة أن ربا الفضل يمكن أن يطلق أيضًا على مبادلة بين متجانسَيْن، أحدهما معجل والآخر مؤجل. وبهذا المعنى يزول الإشكال عند من استشكل معنى ربا الفضل وحرمته.

ربا النَّساء: 100 غرام ذهب معجلة ب: 100 غرام ذهب مؤجلة ، فيها ربا نَساء. فالذي قبض المائة المعجلة أربى على الذي قبض المائة المؤجلة، لأن المعجل خير من المؤجل. فربا النَّساء: هو فضل التعجيل على التأجيل، أو فضل الحلول على التأخير، أو فضل العين على الدَّين.

وفي بعض الكتب الفقهية يسمى هذا النوع “ربا النقد”. وكلا المصطلحين مقبول، فإذا قلنا ربا نقد كان المعنى أن من حصل على النقد (الكاش) أربى على من حصل على المؤخر أو المؤجل. وإذا قلنا ربا نَساء كان المعنى أن من حصل على المعجل أربى على من حصل على المؤجل، والسبب في ذلك هو “النَّساء”، أي تأخير بدله عن بدل صاحبه.

وربا النَّساء ممنوع في البيع، جائز في القرض. ف: 100 غرام ذهب معجلة ب: 100 غرام ذهب مؤخرة، ممنوعة بيعًا وجائزة قرضًا، لأن البيع قائم على العدل، والقرض قائم على الإحسان. فإذا كان ربا النَّساء لصالح المقترض فإن هذا لا يتنافى مع مقصود عقد القرض، وهو الإحسان. أما إذا كان ربا النَّساء لصالح أحد المتبايعين فإن هذا يتنافى مع مقصود عقد البيع، وهو العدل بين المتبايعين.

ويمكن القول بأنه لو كانت المبادلة 100 غرام ذهب معجلة ب: 101 غرام ذهب مؤجلة، لكان فيها ربا فضل بمقدار الفرق بين الوزنين، وربا نَساء بمقدار الفرق بين الزمنين. والفضل في هذه المبادلة في مقابل النَّساء فيها،  أي زيد في القدر لأجل النَّساء.

واجتماع ربا الفضل و ربا النَّساء هو ما يشكل ربا النسيئة. والغرض  أن ربا النَّساء يمكن أن يطلق على مبادلة بين متجانسَيْن (ذهب بذهب)، أو متقاربَيْن (ذهب بفضة)، أحدهما معجل والآخر مؤجل، والمؤجل فيها أكبر من المعجل، وذلك كما ذكرنا لدى الكلام عن ربا الفضل.

ربا النسيئة: 100 غرام ذهب معجلة ب: 101 غرام ذهب مؤجلة (قرضًا)، فيها ربا نسيئة بمقدار غرام واحد لقاء التأجيل.

ربا النسيئة = ربا فضل + ربا نَساء.

يرى بعض العلماء بأن منع ربا الفضل وربا النَّساء (وهما معًا ربا البيوع) جاء سدِّا للذريعة: ذريعة التوصل بالبيع إلى القرض الربوي. فمن مُنع من ربا القرض أمكنه أن يتحايل ويلجأ إلى البيع، أي بأن يُخرج القرض مخرج البيع، ويقول: أبيعك معجلة ب: مؤجلة، فالفرق بين البدلين في المقدار هو ربا فضل، والفرق بينهما في الزمن هو ربا نَساء. فعن طريق الجمع بين الفضل والنَّساء في البيع أمكنه الوصول إلى ربا القرض المحرم. ولهذا مَنع الشارع القرض الربوي، ومَنع كذلك البيع الموصل إليه، وعدَّه بيعًا ربويًا.

واذا استخدمنا مصطلح “ربا النَّساء” في شرح ربا البيوع المحرم بالسنّة النبوية، كنا بحاجة إلى مصطلح آخر يجمع بين ربا النَّساء وربا الفضل، وهذا المصطلح هو ربا النسيئة. فلا بد إذن من النسيئة والنَّساء معًا، ولا بد من التمييز بينهما في الاصطلاح.

يمكن أن نقول بعبارة أخرى ميسّرة إن ربا الفضل:  زيادة بلا زمن، وربا النَّساء: زمن بلا زيادة، وربا النسيئة:  زيادة وزمن.

والمقصود بالزيادة : الفرق الكمي بين البدلين، والمقصود بالزمن:  الفرق الزمني بين البدلين.


*مختصر من دراسة “النَّسيئة والنَّساء هل هما بمعنى واحد ؟” تأليف د. رفيق يونس المصري.