تلعب مراكز البحوث العلمية دورا هاما في السياسات الاستراتيجية للدول ، وذلك لما تقدمه هذه المراكز من بحوث ودراسات حول قضايا التنمية والسياسة و ما تنظمه من مؤتمرات وندوات تعالج التحديات التى تواجه الدول وسبل حلها ، تشير الإحصاءات الحديثة الصادرة عن البنك الدول 2018 و الخاصة بحجم الإنفاق على البحث العلمي ، تشير هذه التقارير إلى أن دول العالم تنفق 1.7 تريليون دولار على البحث العلمي ،وتسيطر  10 دول فقط على 80% من هذا الإنفاق.

 

تحاول تركيا تطوير منظومتها البحثية من خلال تقديم مزيد من الدعم المالي واللوجستي ومن خلال استراتيجيات دعم حكومية تهدف إلى تطوير البحث العلمي في تركيا. بلغت مصروفات تركيا على البحث العلمي لعام 2017، والذي يمثل العنصر الأساسي في خلق الابتكار والتطوير واستقطاب العقول الأجنبية، 3.8 مليار ليرة (1.08 مليار دولار)، وقد حازت تركيا على المرتبة الثانية بعد الصين من حيث حجم نمو إنفاقها على البحوث العلمية. تعالج هذه المقالة واقع البحث العلمي في تركيا وكيف شكلت مراكز البحث والتطوير العلمي قاطرة لنهضة تركيا الحديثة.

زيادة الانفاق و تحفيزات جديدة

تبعت تركيا استراتيجية زيادة الانفاق على البحث العلمي وذلك من خلال دعم مراكز البحث والتطوير ماديا ولوجستيا ، كما شمل هذا الدعم برامج البحث والتطوير في الجامعات والمعاهد ، وتسعى تركيا من خلال هذا الدعم إلى تحقيق أهدافها التنموية في مجال الصناعة والتكنلوجيا والابتكارات العلمية. في أطار تحقيق هذه الأهداف رفعت تركيا حجم انفاقها على البحث العلمي من 1% من الناتج المحلي إلى 3% ، تهدف هذه الزيادة إلى دعم البحث العلمي في القطاع العام والخاص وذلك لزيادة عدد الباحثين من 115 الف باحث 2015 إلى 300 ألف باحث.

هذه الزيادة في عدد الباحثين والتقنيين يعتبر أساس استراتيجي تسعى من خلاله تركيا إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الخبراء والباحثين وذلك لتغطية مجالات مختلفة في قطاع التصنيع والتكنلوجيا والطاقة. لم تقتصر استراتيجية دعم البحث العلمي في تركيا على زيادة الإنفاق فحسب بل شملت تقديم حوافز جديدة للباحثين وللمؤسسات البحثية ، شملت هذه التحفيزات اعفاءات ضريبية إضافة إلى دعم حكومي للشركات العاملة في البحث والتطوير يتمثل في تحمل تكاليف 50% من ثمن الآلات والمعدات التى تحتاجها هذه المشاريع البحثية، كذلك اعفاء من ضريبة الدخل للأكاديميين العاملين في مجال مراكز البحوث الصناعة والجامعات. ساهمت هذه الحوافز في تطوير وتحسين واقع البحث العلمي في تركيا وقد انعكس هذا التطور في مكانة تركيا في مؤشرات البحث العلمي على المستوى الإقليمي والعالمي.

تزايد أعداد مراكز البحث والتطوير

تهدف استراتيجية الحكومة التركية إلى زيادة ودعم مراكز البحث والتطوير ودعمها بشكل مباشر في القطاعين العام والخاص وقد انعكست هذه الاستراتيجية في زيادة عدد هذه المراكز وتنوعها لتشمل مختلف القطاعات والمجالات ، وتشير الإحصائيات التي أعلن عنها وزير العلوم والصناعة والتكنلوجيا إلى أن عدد مراكز البحث والتطوير في تركيا إلى 900 مركزا  وتشير هذه الإحصائيات إلى أن هذه المراكز توظف اليوم نحو 48 ألف شخص، وتعمل على أكثر من 11 ألف مشروع ، قُدرت براءات الاختراع التي يعود منشؤها إلى تركيا بخمسة آلاف برائة اختراع، وبذلك أحرزت تركيا خلال عام 2016 المرتبة الأولى أوروبا والدرجة الخامسة عشر عالميا، من حيث عدد براءات الاختراع.

آخر هذه المراكز أنشأته شركة “Vektor Technology” مؤخراً في مدينة إسطنبول يوظف قرابة 17 شخصاً، ويعمل المركز على تطوير مشاريع خاصة بتقنيات التنقل، مثل أنظمة تعقل المركبات، وأنظمة الإبلاغ المبكّر، وتستضيف مدينة إسطنبول الضخمة العدد الأكبر من مراكز البحث والتطوير في تركيا، إذ تضم أكثر من 310 مركزا، تليها ولاية كوجايلي ب 102 مركزا، ثم ولاية بورصة ب 94 مركزاً.  يُذكر أن تركيا أنفقت أكثر من 13.5 مليار دولار على مشاريع البحث والتطوير خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 2005 – 2015م. وحققت بعض مراكز البحث التركية نجاحا كبيرا على المستوى العالمي حيث تم اختيار مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية المعروف اختصارا ب (EDAM)، ضمن 20 مركزا الأكثر تأثيرا في العالم حسب مؤشر Global Think Tank Report 2018 .

تشكل مراكز البحث العلمي ومراكز التطوير ركيزة من ركائز النهضة التركية الحديثة ، وذلك لما تقوم به هذه المراكز من دور ريادي في مجال البحث العلمي ، حيث ساهمت هذه المنظومة في تطوير السياسات الصناعية التركية من خلال مجموعة من الابتكارات في مختلف المجالات التصنيع كالالكترونيات و ميكانيكا السيارات والطائرات ، ولا يقتصر دور هذه المراكز على المجال الصناعي فحسب بل قدمت المراكز المختصة في المجال السياسي والاقتصادي بدورها الكثير من الدراسات الاستراتيجية التى أسهمت في بلورة المواقف السياسية والرؤى الاقتصادية عبر إصدارات الدراسات والبحوث وتنظيم المؤتمرات التي تستقطب الخبراء وصناع القرار حول العالم.

تجدر الاشارة إلى أن تاريخ مراكز البحث في تركيا يعود إلى ستينيات القرن الماضي حيث ساهمت هذه المراكز بقوة في صناعة الوعي السياسي والثقافي عبر مراحل مختلفة ، وكان للتجربة التراكمية لهذه المراكز دورا هاما في النجاح والتوسع.