الإسلام دين شامل؛ يتضمن النواحي الروحية والمادية. خُلق الإنسان من الطين (الجسد) فهو يُرى بالبصر، ونفخ فيه الله تعالى من روحه (الروح) فهي تُرى بالبصيرة. وينظر الإسلام للإنسان نظرة متوازنة، فالإنسان له احتياجات مادية جسدية، واحتياجات روحية معنوية. والإسلام دين الوسطية؛ يوازن بين الاحتياجات المادية والمعنوية للإنسان.

إن الإدارة عملية اجتماعية مستمرة تعمل على الاستخدام الأمثل للموارد لتحقيق أهداف محددة. والعنصر البشري هو أهم الموارد (بجانب الموارد المالية والمعرفية..)، وهو أساس العملية الإدارية ككل.

ووظائف العملية الإدارية في الإسلام من تخطيط وتنظيم وتوجيه (او قيادة) ورقابة؛ تتوقف أساساً على الأفراد الصالحين، وفي نفس الوقت تتجه إلى تحقيق مصالح واحتياجات الفرد أو الجماعة، فهي بالإنسان وللإنسان.

ويقاس الأداء التنظيمي بمقاييس؛ أهمها الكفاءة والفاعلية. ومعنى قياس الأداء أي قياس مدى تحقق الأهداف باستخدام أقل الموارد.

تعريف الكفاءة Efficiency: أن تكون عمليات التشغيل بأقل الموارد، أي بدون إهدار الموارد. ويعني ذلك تحقيق الهدف بأقل تكلفة (مالية – زمنية – جهد).

تعريف الفاعلية Effectiveness: هي عمل الشيء الصحيح بالطريقة الصحيحة في الوقت الصحيح، فهي تقيس درجة تحقيق الهدف.

ومن التعريفين السابقين للكفاءة والفاعلية كمقياسين لتقييم الأداء؛ تتضح بعض العناصر، وهي كالآتي:

– لابد أن يُستخدما معاً؛ فلا يمكن استخدام مقياس دون الآخر. فلا يمكن تحقيق الهدف، وفي نفس الوقت تُهدر الموارد. أو استخدام أقل الموارد دون تحقيق الهدف المحدد.

– هي مقاييس مادية بحتة؛ تهتم أساساً بالجانب المادي؛ ولا تنظر للإنسان النظرة الشاملة.  فهي تهمل الجانب الإنساني بمعناه الشامل (المعنوي والمادي معاً).

ولذلك هناك شبه اتفاق بين العلماء الغربيين أنفسهم بأن هناك نقص يعتري المقاييس المستخدمة في تقويم الأداء الإداري، فهي مقاييس مادية تهتم أساساً بالجانب المادي وتهمل الجانب الإنساني بمعناه الشامل.

قياس الأداء عن طريق الفلاح التنظيمي:

من هنا لابد أن يكون العنصر البشري هو نفسه مقياس الأداء. ولأن المنهج الإسلامي يوازن بين احتياجات الإنسان التي فطر الله تعالى الناس عليها (الاحتياجات المادية والمعنوية)، فإن الفلاح هو مقياس الأداء في الإسلام.  وهو أشمل من الكفاءة والفاعلية.

وأهم الأسباب المؤدية إلى الفلاح؛ الآتي :

1 -أسباب إيمانية عقيدية

2 – الأخذ بالأسباب عن طريق الأعمال الصالحة

3 – أسباب تتعلق بالجانب الأخلاقي

إن تحقق الإيمان بالله تعالى واشباع الحاجات الروحية للإنسان؛ هي أساس الفلاح. فالإنسان قد يحقق تقدماً مادياً دون إشباع حاجاته الروحية. وبالتالي تتحقق الأهداف باستخدام مقياسي الكفاءة والفاعلية دون تحقيق الفلاح. أيضاً لا يمكن تحقيق التقدم الشامل بالإيمان وحده دون الأخلاق، وضعف الخُلق دليل ضعف الإيمان. كما أن العمل هو الذي يدلل على الإيمان الحقيقي.

إن تحقيق الفلاح يكون بالإيمان الحقيقي والأخلاق الأساسية من صدق وأمانة ووفاء بالعهد وإخلاص وقوة وعلم وأدب الحديث وسلامة الصدر من الحقد والصبر والطاعة للقيادة والعفاف والنظافة والحياء والإيثار والتعاون.. إلى غيرها من الأخلاق الحسنة التي هي أساس التقدم.

وأهم لوازم أسباب الفلاح؛ الآتي:

– الإيمان بالله تعالى له لوازم أهمها: تقوى الله عز وجل، والإذعان الكامل لله والاحتكام إليه سبحانه وتعالى، والاعتصام بالله وذكر الله كثيراً، والتوكل الكامل عليه مع الأخذ بالأسباب كاملة، وحب الله ورسوله والحب في الله والبغض في الله والإعطاء في الله والمنع في الله؛ والاعتقاد بأن المال مال الله تعالى والرزق من عنده سبحانه وتعالى… وغيرها من شروط الإيمان المتكامل. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ، فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الإيمَانَ» (رواه أبو داوود، وصححه الألباني).

– الأخلاق هي العنصر الرئيس في كل الأعمال: ودائرة الأخلاق تشمل الجميع، ويجب أن يتصف المسلم بالأخلاق الفاضلة مع المسلم وغيره.

– والعمل الصالح، يقول الله تعالى: “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ” (التوبة: 105). ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “(إنَّ اللهَ يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ) (رواه البيهقي).

وعلى قدر ما يتوفر في الإنسان من قيم وأخلاق تزداد قدرته على صنع حضارة وتحقيق القدرة على التميز والتمكين في الأرض، بشرط قيامه بالأعمال التنفيذية الموافقة للإيمان الحقيقي.

إن ثقافة المنظمة؛ وهي اللغة التي يتعامل بها أعضاء المنظمة؛ والعادات التنظيمية الخاصة بها؛ والقانون الذي ينظم التعاملات؛ ونظام القيم السائد المنظم للقواعد والسلوك المقبول اجتماعياً؛ تنعكس في الهيكل التنظيمي، والنمط الإداري السائد، ونظام الاتصال والمعلومات، وطريقة تعلم الأفراد، وتناولهم للمشاكل وكيفية مواجهتها، واتخاذ القرارات، وتقييم الأداء. لذلك يجب أن تكون مرتبطة بالإيمان وبالأخلاق الفاضلة وبالقيم وبهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون فصل بينهم.

موانع الفلاح

 وعكس الفلاح الخسران. يقول الله تبارك وتعالى: “وَالْعَصْرِ ﴿١﴾ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿٢﴾ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴿٣﴾”. (سورة العصر).

إن موانع الفلاح كثيرة، وهي عدم تحقيق أي من أسباب الفلاح السابقة.  وأهم هذه الموانع : الكفر، والظلم، والإجرام، والسحر، والبخل، والتعامل بالربا، والنفاق، والتنازع، والفرقة.. إلخ

ومن الآيات الدالة على موانع الفلاح، الآتي:

– الكفر، يقول الله تعالى: “إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ” (المؤمنون: 117)

– الظلم، يقول الله تعالى: “إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ´” (يوسف: 23، القصص: 37) وغيرهما.

– الإجرام، قال الله تعالى” “إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ” (يونس: 17)

– السحر، يقول الله تعالى “وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ” (يونس: 77)

– الشح، يقول الله تعالى: “وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُون” (الحشر: 9)

– التعامل بالربا، يقول الله تعالى: “لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” (آل عمران: 130).

– بالإضافة إلى موانع أخرى مثل: موالاة من حاد الله ورسوله، يقول الله تعالى: “لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ “´(المجادلة: 22).

ويُعرف الفلاح بأنه الفوز بنعيم الدنيا والآخرة، مادياً ومعنوياً. ومع الأخذ بأسباب الفلاح، من الإيمان المتكامل، والأخلاق الفاضلة، والعمل الصالح والأخذ بالأسباب. ومع انتفاء موانع الفلاح، يتحقق الفلاح في المنظمة.

إن مقياس تقويم الأداء الإداري متمثلاً في كلمة الفلاح، هو الأكثر شمولية وينظر للإنسان النظرة الشاملة باحتياجاته المختلفة.

إن تطبيق المنهج الإسلامي هو الذي يحقق الفلاح. فهو يوازن بين احتياجات الإنسان جميعها؛ لأن الإسلام دين الفطرة. وهو منهج عالمي، ينفع لجميع البشر.

من هنا كان مقياس تقويم الأداء الإداري متمثلاً في كلمة الفلاح، هو الأكثر شمولية وينظر للإنسان النظرة الشاملة باحتياجاته المختلفة.

 

الخلاصة: أن الفلاح يبدأ بالاستجابة لله والإيمان بالله جل جلاله عن طريق دعوة الرسل والأنبياء والمنذرين، ثم عمل الصالحات، والتخلق بالأخلاق الأساسية، ومع انتفاء موانع الفلاح، يتحقق الفلاح والأمن والسلام النفسي والتمكين في الأرض، ومع الشكر والاستمرار يستمر الفلاح.