ينظر الناس إلى التكنولوجيا وثورة الاتصالات والثورة العلمية التي شهدها العالم في الحقب الأخيرة على أنها مجرد آلات لتيسير حياة الإنسان، ولا أعلم حضارة من حضارات الإنسانية منذ بدء الخليقة وجدت مجردة من عالم الأفكار والرؤى، بل والاعتقادات أيضا، فالحضارة لها وجهان؛ وجه مادي، ووجه معنوي، وذلك الوجه المعنوي هو الذي يمثل العقيدة والفلسفة التي تعبر عنه تلك الحضارة، فميلاد الحضارات هو ميلاد لغلبة أفكار وعقائد، وهي انتصار لفكر على فكر، ولدين على دين، ولمعتقد على معتقد.

فكل آلة تخترع، تحمل في طياته معاني وأفكارا وفلسفة تغزو المستعمل لها بوعي أو بغير وعي، بشعور أو لا شعور، ولعل هذا ما يفسر لها انتشار موجة من الإلحاد في العالم كله، ليس في الشرق فقط، ولا في العالم الإسلامي، بل حتى في العالم الغربي، فالعالم الغربي اليوم ليس عالما مسيحيا، بل هو أقرب إلى الإلحاد واللادين، ومن ينظر إلى الكنائس اليوم في أوروبا يجدها خاوية على عروشها، ونسبة من يذهبون إلى الكنيسة نسبة قليلة جدا، مما اضطر البعض إلى بيع الكنائس وتحويلها إما إلى مكان عبادة أخرى، كالمساجد، أو إلى أشياء أخرى، إن الإلحاد قد غزا الغرب قبل الشرق.

الإلحاد غريب عن البشرية

وفكرة الإلحاد هي فكرة حديثة المنشأ، فقد ظهر الفكر الإلحادي في القرن الثامن عشر من الميلاد، وذلك في عصر التنوير كما يطلق عليه، وشهدت الثورة الفرنسية أول تيار ينحو نحو الإلحاد من خلال الدفاع عن سيادة العقل البشري، ويحاول أهل الإلحاد اليوم تزيين فكرتهم ويطلقون على أنفسهم: ( أهل التفكير الحر)، يعني الإلحاد.

على أنه حتى الآن ليست هناك مدرسة فلسفية ثابتة تعبر عن الإلحاد، كشأن كل المدارس الفكرية والفلسفية الأخرى، وبحسب بعض الإحصائيات فإن نسبة الإلحاد في العالم لا تتعدى 8%، ما يعني أن 92% من سكان العالم ما زال لهم اعتقاد في الألوهية، أيا كان ذلك الإله.

وتشير الدراسات إلى أن نسبة الإلحاد الأعلى في أوروبا وشرق آسيا، وتتراوح تلك النسب من دولة إلى أخرى، فهي: : 40% في فرنسا، و39% في بريطانيا، و34% في السويد، و29% في النرويج، و15% في ألمانيا، و25% في هولندا، و12% في النمسا.

وفي شرق آسيا 61% في الصين و47% في كوريا الجنوبية بينما تعد اليابان حالة معقدة إذ يتبنى الفرد الواحد أكثر من معتقد في وقت واحد. في أميركا الشمالية، 12% في الولايات المتحدة يعتبرون أنفسهم ملحدين و17% لا دينيين، و37% يؤمنون بوجود روح ما ولكنهم لا دينيين. و28% في كندا.

وفي منطقتنا العربية مازالت موجات الإلحاد قليلة، فهو في بعض البلاد بضع مئات، وبعضها بعض آلاف قليلة، وإن كانت الأفكار الإلحادية أكثر غزوا من اعتناق الإلحاد.

لكن الأخطر في هذا هو تلك الآلات المخترعة التي غزت كل البيوت، حتى غرف النوم، إن تلك الآلات، رغم أنه يمكن الاستفادة منها في وجوه الخير والمصالح والمنافع، إلا أنها تحمل في طياتها أفكارا إلحادية من حيث اللاشعور، فغالب تلك البرامج والآلات والأجهزة يودي إلى الانحلال والتفسخ، والذي بدوره يمهد الطريق إلى التشكيك في الدين، مما يعني قبول الأفكار الإلحاد على أدنى تقديرا، فضلا من اعتناق البعض للفكر الإلحادي الذي هو غريب عن الفكر الإنساني الذي ظل حتى قبل القرن الثامن عشر صوت الإلحاد فيه خافت، إن لم يكن شبه منعدم أو منعدم.

السينما الأمريكية في خدمة الإلحاد

فمن الملاحظ أن جزءا من السينما الأمريكية والغربية تساهم في نشر الإلحاد في العالم، فهي تستلهم ” روح الدراما المسرحية اليونانية القديمة”، والتي تقوم على الصراع بين الإنسان والإله!! و بين الإرادة الإنسانية والقدر، بين العلوم الإنسانية والدين، بين الحقيقة والوهم، بل لم تقف تلك الأفكار على الكبار فحسب، بل وجهت أفلام إلى أطفال تعالج فكرة الإلحاد وتنشرها وتساندها، ومثال ذلك، فيلم: (The Wizard of Oz – 1939)، ونفس الفيلم يعاد إخراجه اليوم بتقنيات متطورة.

ومن أبرز الأفلام التي تعالج فكرة الإلحاد، الفيلم الكوميدي: (Truman Show – 1998)) ورغم كثرة المضامين الإلحادية في هذا الفيلم، إلا أنه مازال يعرض على شاشات السينما العربية، ولا يصنف ضمن الأفلام الإلحادية. وكذلك الحال مع فيلم الأطفال: (Horton) الذي يسعى إلى نشر الفكر الإلحاد في عقول الأطفال الصغار.

والأغرب أن عالم الصغار مستهدف جدا لنشر فكرة الإلحاد من خلال بعض الألعاب الالكترونية، التي لا يشعر الطفل معها بشيء، إلا أنه بعد فترة سيجد أن أفكارا إلحادية تسللت إلى عقلية، مما حدا ببعض المسلمين إلى الوقاية من الإلحاد عند الأطفال على نفس الطريقة، من خلال لعبة الكترونية، تساهم في حمايتهم من الأفكار الإلحادية، ومن ذلك لعبة: ” بعد المباراة” أو: (after match)، وهي عبارة عن لعبة الكترونية فيها أسئلة موجهة لكنها على هيئة لعبة الكترونية، وهي تسعى إلى نشر القيم التي يجب أن يحافظ عليها الأطفال في سنهم الصغيرة؛ وقاية وحماية لهم من الفكر الإلحادي، ورغم أن اللعبة كانت موجهة للأطفال السوريين المقيمين بألمانيا، إلا أنها لاقت استحسانا في الدول العربية أيضا.

توظيف التكنولوجيا لخدمة العقيدة

إن من الحكمة أن يدرك أنه وراء كل تكنولوجيا عقيدة معينة، فالألعاب الالكترونية والبرامج المنتشرة على وسائل التواصل والهواتف الذكية والمحمولة، إن لم تحمل فلسفة الإسلام وعقيدته، فإنها ستحمل فلسفة كفر أو إلحاد، مما يوجب على المسلمين أن لا يولوا ظهورهم لتلك الآلات الحديثة، بل يجب عليهم أن يستعلموا نفس الآلة والأداة في نشر الفضيلة والحفاظ على القيم، والثبات على العقيدة والدين، وقد قرر الفقهاء في قواعدهم:” للوسائل حكم المقاصد”، وما أعظم الوسائل التي تحافظ على عقيدة التوحيد في حياة المسلمين، خاصة الصغار، وأنه يجب الانتباه إلى أن الألعاب العالمية والبرامج المنتشرة ليست مجرد آلات محضة أو برامج محضة، بل كل تكنولوجيا لها عقيدة.