يعد الاستثمار أحد أهم وسائل التنمية الاقتصادية على مستوى الأفراد والشعوب والحكومات، ومن أهم الأخطار التي تجتاح العالم من الناحية الاقتصادية، غلبة التمويل على غيره من الصيغ الاقتصادية، حتى إن غالب النشاط الاقتصادي للبنوك الإسلامية تحول إلى (التمويل)، الذي يعد المقابل للربا، لكنه يسير معه في نفس الاتجاه، وكأن غالب النشاط في البنوك الإسلامية انقلب إلى ما يمكن أن نطلق عليه (الربا الحلال).
وابتعدت المؤسسات المالية الإسلامية – وعلى رأسها البنوك الإسلامية من مقاصد وأهداف إنشائها، من إيجاد تنمية حقيقية من خلال استثمار المال، وليس من خلال تمويله فسحب.
والناظر إلى الفقه الإسلامي يجد أنه أوجد أنواعا من الاستثمار كثيرة ومتنوعة، ويمكن أن تنتظم أدوات الاستثمار المالي في أربعة محاور رئيسة:
المحور الأول التجارة : ويعرف الفقهاء التجارة بأنها تقليب المال ، بالبيع والشراء لغرض الحصول على الربح. والتجارة تدل في الأصل على المهنة التي يحترفها الإنسان.
ويقصد بها المبادلات بين المتابعين والتي تنتهي بتمليك العين أو السلعة، فهي نقل ملكية العين أو المنفعة من خلال العقود، مثل: بيع الأجل، وبيع المرابحة، وبيع السلم، وبيع الاستصناع.
وقد وردت التجارة في ست آيات من القرآن الكريم، أربع مرات بالمعنى الاقتصادي، ومرتين كناية عن العمل الصالح.
فمن المعنى الأول، قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].
ومن المعنى الثاني قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصف: 10 – 12].
وقد ورد في فضلها ما ورد أن النبي ﷺ: سئل أي الكسب أطيب ؟ فقال عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور . رواه الحاكم وصححه.
وجاء في حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب 2/ 3 ط مصطفى الحلبي
قوله: (قوله وكل بيع الخ) إشارة إلى التجارة وتأخيرها عن الصناعة يستفاد منه فضلها عليها
المحور الثاني الإجارة : والتي يتم فيها تبادل الانتفاع واستغلال الأعيان لمدة محددة، دون أن تنتقل ملكية الأعيان للغير، بل تبقى لأصحابها، مع السماح بالانتفاع بها، مقابل أجرة.
ومن أمثلتها: الإجارة التشغيلية، والإجارة التمليكية.
والإجارة نوعان: إجارة على المنافع كالأرض والدور ووسائل النقل، وإجارة على الأعمال، كالخدم والعمال وأصحاب الحرف والمهن.
وأركانها أربعة عند الجمهور، هي: العاقدان (المؤجر والمستأجر)، والصيغة (من الإيجاب والقبول)، والأجرة، والمنفعة.
شروط الإجارة: هناك شروط تتعلق بالعاقدين، بأن يكون كل منهما عاقلا مميزا، وشروط نفاذ؛ بأن يكون المؤجر مالكا لما يؤجر، وشروط صحة؛ وأهمها: رضا المتعاقدين، وأن يكون المعقود عليه معلوم، وأن يكون مقدور التسليم، وأن يكون مباحا شرعا لا محرما، وأن تكون الأجرة مالا متقوما ومعلوما، وخلو العقد من الشروط الفاسدة.
وهناك شروط لزوم الإجارة، ومن أهمها: سلامة العين المؤجرة من العيب والخلل، وأن لا يلحق أحد المتعاقدين عذر يمنعه من تمام العقد.
ويفسخ عقد الإجارة بموت أحد المتعاقدين – على خلاف بين الفقهاء-، وبتلف العين المؤجرة، وانتهاء المدة.
المحور الثالث المشاركة : بحيث يشترك بعض الأفراد بالمال معا، أو بالمال والعمل، ، أو بالعمل دون المال، أو غيرها من وجوه المشاركة.
ويجب في المشاركة تحديد حصة كل شخص من المتشاركين في رأس المال، ولا يشترط فيها التساوي، فقد تكون متفاوتة حسب قدرة ورغبة كل مشارك في النسبة التي يريد المشاركة بها، كما يجب أن يكون رأس المال موجودا في مكان معين، عند توقيع عقد المشاركة بين المتشاركين، وتجوز الوكالة في عقد المشاركة، سواء قام الشركاء بتوكيل أحدهم أو بعضهم، أو توكيل شخص أو أشخاص خارجا عنهم، كما يجب أن تقوم أشكال المشاركات من غير الأموال السائلة بعملة واحدة؛ رفعا للتنازع، كما يجوز أ، تكون المشاركة بين أشخاص حقيقيين، أو جهات اعتبارية، وبالنسبة لتوزيع الأرباح فيجوز فيها التفاوت، لكن الخسارة يجب أن تكون حسب حصص رأس المال، كما لا يجوز لأحد الشركاء تخصيص ربح معين أو مبلغ محدد، ويتم الاتفاق على مدة معينة لعقد المشاركة سواء كان طويلا أو متوسطا أو قصيرا. ومن أمثلتها: المشاركة الدائمة، والمشاركة المتناقصة وغيرهما.
المحور الرابع المرابحة : وهو كل عقد يقصد به الطرفان الربح دون غيره، فيقدم أحدهما المال والآخر العمل، قاصدين بذلك الحصول ما يخرج من هذا العمل من ربح، ومن أهم نماذجها: المضاربة والمزارعة.
شروط صحة المضاربة : واشترط الفقهاء لصحة عقد المضاربة شروطا، بعضها يتعلق برأس المال، وبعضها خاص بالربح، وبعضها خاص بالعمل.
فمن شروط رأس المال؛ أن يكون نقدا، وأن يكون معلوما، وأن يكون عينا لا دينا، وتسليم رأس المال إلى المضارب.
ومن شروط الربح فيه أن يكون نصيب كل واحد منهما معلوما عند التعاقد، وأن يكون الربح مشتركا بينهما لا يختص أحدهما به دون الآخر، وأن يكون الربح حصة شائعة لكل منهما، ولا يجوز تحديد مبلغ معين. وفي حالة الخسارة يخسر صاحب المال ما خسر من المال، ويخسر المضارب عمله ووقته.
وأما في العمل، فهو من اختصاص المضارب، واختلف الفقهاء في عمل صاحب رأس المال، فمنعه الجمهور، وأجازه الحنابلة، ومن شروط العمل: أن لا يضيق رب المال على المضارب في العمل، لأن طبيعة العقد قائمة على ثقة صاحب رأس المال في خبرة المضارب.
شروط صحة المزارعة :ويشترط في صحة المزارعة بيان نوع ما يزرع في الأرض، وتحديد من عليه البذر، وقابلية الأرض للزراعة، وتحديدها تحديدا دقيقا، وتمكين العامل من الأرض المراد الزراعة فيها، وأن تكون حصة كل من المتعاقدين شائعة دون تحديد مقدار معين، وأن يكون الناتج مشتركا بينهما، وأن يقوم العامل على الخدمة منذ البداية حتى حصول المحصول، ويجب أن تكون المدة الزمنية محددة، وأن لا تكون المدة طويلة، يتعذر معها بقاء المتعاقدين أو أحدهما على قيد الحياة.