يأتي رمضان 2021 هذه السنة حافلا بطابع خاص، ينعكس على أسلوب الحياة اليومية والعادات والسلوكيات التي يمارسها الإنسان. وأمر كهذا لا يمكننا أن نستبعد منه عادة وفعل القراءة، والتي يمكن أن يكون هذا الشهر فرصة جيدة لممارستها بطريقة فعالة تتوازى مع روحانية رمضان، ولا تنفصل عن قيمه في المثابرة والاجتهاد والتعلم.

يهل علينا شهر رمضان الكريم هذه السنة في أوقات خاصة جدا، تتميز بانتشار فيروس كورونا. ولأن هذا الوباء أرغم الناس على المكوث في المنازل، فإن هذه تشكل فرصة لا تعوض. المؤمن الحصيف هو من يستغل أوقاته بكل جد ونشاط متنقلا من عبادة إلى أخرى، مستشعرا لحظات الشهر الفضيل. فمن صيام إلى قيام إلى تلاوة إلى صدقة ..، ولكي لا يذهب بعيدا عن مائدة رمضان “القرآن الكريم” ندعوه إلى التجول قراءةً في عرصات الكتب المختلفة وحدائق الذكر الحكيم.

يقول سبحانه عن هذا الشهر العظيم: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ”.فإذا كان القرآن قد نزل في رمضان، وكان أوّل ما أنزل منه قوله سبحانه (إقرأ)، فإنّ علينا أن نحفز الناس على القراءة في رمضان، لا أن نطالبهم بهجرها.

فرصة لا تعوض

وبالنسبة لأولئك الذين يرفضون حتّى اليوم إنشاء علاقة ود بينهم وبين الكتاب، فرمضان 2021 فرصة للبداية.

فرصة لكيّ يمنّ الله عليكم بفضله وكرمه، وهناك فوائم طويلة من الكتب ما يسهل قراءته على من أراد أن يخطو خطوته الأولى في عالم القراءة (العالم الأجمل)، فليكن رمضان بابًا تعبرون من خلاله إلى عالم الكتاب، فليكن كوّة النور نحو عالم المعرفة.

فما معنى فعل القراءة؟ ما أهمية القراءة؟ ماذا أقرأ وكيف أقرأ في رمضان؟

ق-ر-أ: قرأت الكتاب واقترأته وأقرأته غيري وهو من قرأت الكتاب. وفلان قاريء وقرّاء‏:‏ ناسك عابد وهو من القرّاء‏.‏ وقال جرير‏:‏ يا أيها القارئ المرخي عمامته هذا زمانك إني قد مضى زمني. وقد تقرّأ فلان‏:‏ تنسّك‏.‏ واقرأ سلامي على فلان.

ولا يقال‏:‏ أقرئه منّي السلام‏.‏ وأقرأت المرأة‏:‏ حاضت وامرأة مقرئ، واعتدّت بثلاثة قروء وأقراء وأقرء‏.‏ وما قرأت هذه الناقة سلاً قط‏:‏ ما ضمت أي ما حملت ولداً‏‏. وقَرَأْتُ الشيءَ قُرْآناً: جَمَعْتُه وضَمَمْتُ بعضَه إِلى بعض.

وكلمة “اقرأ”هي إيذان بمحو الأمية وبداية عصر العلم. اقرأ، كانت الكلمة الأولى في الخطاب الإلهي الأخير الموجه إلى الإنسان، بها بدأت الرسالة وبها ختمت النبوة. أي كلمة سحرية هذه التي بها انقطعت الصلة بين السماء والأرض؟.

وقد استهوت القراءة الكثير وأغرم بها العديد من العلماء. حتى صار الكتاب أنيسهم ومحدثهم في خلوات الليل وجلوات النهار، في السفر والترحال، قربهم وبجنبهم. لا زينة على الرفوف، وهو الزاد إذ لم تكن المؤونة أكثر من ماء وتمر.

مقترحات من أجل قراءة مثمرة

لكن في كل عام حين يطلّ هلال شهر رمضان ضيفا عزيزا. تخرج علينا أصواتٌ كثيرةٌ، تطالب النّاس بهجر القراءة والتفرّغ فقط لتلاوة القرآن، ويبدأ الناس بعدّ الختمات ويتبارون في ذلك. وتُهجر الكتب فيفقد المرء فرصة فتوحات هذا الشهر وكرم المولى فيه.

و قد يقول أحدهم، ولكن الناس لا يهجرون القراءة في رمضان ليتفرّغوا لأعمال اللهو وإنما لتلاوة القرآن. فنقول له: إن لكل إنسان طاقة محدودة، وعدد ساعات قد لا يستطيع الزيادة عنها في تلاوة القرآن. مثلًا لنفرض أنك ستتلو من القرآن في رمضان (ثلاث ساعات) كل يوم، فما الذي ستفعله بقيّة يومك؟  النوم والاسترخاء ومتابعة مواقع التواصل ومشاهدة التلفاز.

للقراءة في رمضان لذة خاصة، وجمال لا يدركه إلا من تعرّف عليه. في رمضان يفتح الله عليك بمعانٍ لم تدركها من قبل. فرمضان شهر الخيرات والبركات والرحمات، شهر “القرآن” وشهر “إقرأ”، وشهر كهذا، لا تُهجر القراءة فيه، ولا تُقتصر على تلاوة القرآن.

ولقراءة ناجحة في رمضان اختر الكتاب الذي يمكن قراءته بتركيز وسهولة، رغم الانشغالات المعتادة والعادات المرتبطة بالشهر الكريم. رمضان محطة للتغيير فاستثمرها في تكوين وترسيخ عادة القراءة في كل يوم.

وبالإضافة إلى قراءة القرآن الكريم في رمضان يمكن قراءة كتب بسيطة تتعلق بتفسير القرآن أو قصصه وبيانه. كما يمكن ايضا قراءى كتب مختلفة المجالات في رمضان مثل باقي الشهور فيمكن للقارئ إضافة كتب في الأدب والرواية والتاريخ وغيرها .

وحتى ينحاز الجميع إلى القراءة في رمضان (شهر القراءة) – وفي كل وقت – فقد ذهب بعض الكتاب والمدربين إلى اقتراح قائمة كتب رمضانية، قد تناسب البعض وقد يجد البعض الآخر روحه تهفو لغيرها.

لكن ما يميّز هذه الكتب هو بساطة أسلوبها نسبيًا فهي ليست بالكتب الفكرية المعقدة العبارة، المتشابكة الأفكار، والتي تحتاج إلى تركيز يفتقد الكثيرون – للأسف – جزءا منه في رمضان.

القرآن سيد الكتب

لا شك أن القرآن الكريم هو سيد الكتب في كل زمان ومكان، ورمضان هو سيد الأشهر. فقد نزل القرآن الكريم على النبي محمد صلى الله عليه و سلم في شهر رمضان، يقول الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ).

وكان صلى الله عليه وسلم يتدارس فيه القرآن مع الملك الأمين جبريل عليه السلام مرة كل رمضان. لذلك كان عليه مدار قراءة المؤمن في رمضان. ونشير إلى أن أول ما نزل من القرآن كلمة “اقرأ”، وهو فعل أمر يفيد الإلزام. وللعلماء وقفات مع كتاب الله في رمضان أمثال الإمام الشافعي والإمام البخاري وغيرهم كثير.

وهناك كتب التفسير، وذلك بغية الوقوف على معاني الآيات والسور ومعرفة أسباب النزول تيسيرا للفهم والتدبر، خصوصا التفاسير المعتمدة كتفسير ابن كثير: و هو كتاب جامع لا يستغني عنه قارئ. وهناك كتب أحكام القرآن: القرطبي وهو كتاب للأحكام ضروري لمعرفة أحكام الصيام وغيرها من العبادات.

وهناك كتب المفردات، وهي كتب تسعى إلى الوقوف على المستشكل من المفردات، وتصنف كلمات القرآن حسب المعاني والحقول الدلالية لجعلها سهلة الفهم وقريبة من الأذهان.

وهناك كتب أدب القرآن، وهي كتب تعتمد البحث عن الصور البيانية والبلاغية في القرآن الكريم. وهناك كتب الإعجاز القرآني، وهي كتب تبحث عن مختلف أنواع الإعجاز في القرآن الكريم. والقرآن الكريم معجز من وجوه متعددة من حيث فصاحته وبلاغته ونظمه وتراكيبه وأساليبه.

أنواع قراءة القرآن في رمضان

ولقراءة القرآن غايات عديدة، تختلف باختلاف نوع القراءة التي يتّبعها القارئ، وفيما يأتي بيان لأنواع تلك القراءات بشكل مُفصَّل:

قراءة الثواب والختم: وتكون غاية القارئ منها تحصيل أكبر قدر يتمكّن منه المسلم، وتكرار الختم قدر الإمكان؛ لغاية تحصيل الأجر الأكبر بقراءة كلّ حرف من كتاب الله؛ لمضاعفة الأجر.

كما قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): (مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللَّهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ).

قراءة التدبُّر والتأمُّل: وتهدف هذه القراءة إلى التفكُّر في كلام الله تعالى، وكلّ ما جاء به القرآن من المأمورات، والمَنهيّات، والإرشادات، وهي من أفضل أنواع القراءات. علماً أنّها واردة في قوله -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).

قراءة الحفظ والمراجعة: ويتمّ اتّباعها من قِبل الذين يحفظون القرآن غيباً؛ وغايتهم فيها إلى جانب الأجر، تثبيت القرآن في صدروهم؛ من خلال تكرار الحفظ، وترديد الآيات. وهي مسؤولية كبيرة تقع على عاتق حُفّاظ القرآن الكريم.

وهذا النوع يفيد كتّاب المصاحف من تمكين الكتابة بمراجعة الحفّاظ، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (تَعاهَدُوا هذا القُرْآنَ، فَوالذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ لَهو أشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإبِلِ في عُقُلِها).

سورة للتأمل

وهناك من ينصح بقراءة خاصة للقرآن الكريم، فيقول اختر سورة من القرآن واجعل دراستها هدفًا لك. تدبرّ المعاني وتفيأ في الظلال، اقرأ ما كتبه عنها المفسّرون. اقرأ الكون من حولك أثناء تلاوتها ستجد فيه تفسيرًا عظيمًا، أفلِت لعقلك وقلبك العنان، انفذ إلى الآيات بنور البصيرة قبل البصر.

كان الشيخ محمد الغزالي رحمه الله يقول :”يجب أن أغوص في أعماق الآية لأدرك رباطها بما قبلها وما بعدها، وأن أتعرّف على السورة كلها متماسكة متساوقة”. عِش مع سورة من سور القرآن في رمضان، واجعل معايشتك لها نقطة دخولك إلى عالم القرآن العظيم، إلى العالم الذي يريدنا الله أن نكون عليه.

حاول أن تخرج من رمضان بسورة تدبّرتها كأجمل ما يكون، ستجد لذةً تستدرجك لتداوم على التدبّر من بعدها، فمن ذاق عرف ومن عرف غرف.

يقول الدكتور أحمد خيري العمري في كتابه (الذين لم يولدوا من بعد) عن القرآن في رمضان:« والقرآن…أقول لك منذ الآن، لا تتعامل معه كالمرابي اليهودي، لا تقف منذ أول يوم في رمضان وتقول: جزء كل يوم، والختمة المعتادة في نهاية الشهر.

لو كان ذلك ينفع، لنفع! أقول لك: لا تضع حدودًا ولا حواجز ولا عوائق أمامك..

إنما وضعت التقسيمات – إلى أجزاء وإلى أحزاب – لتسهل الانطلاق (في الحفظ) لا لتعيقه.. اقرأه بلهفة من استطاع أن يطلع على الغيب ويريد أن يعرف ماذا سيحصل له.. ليكن شخصيا جدا، ولتكن أسباب نزوله، أسباب صعودك.

وللروايات نصيب

إذا كان البعض يفضل مطالعة الكتب الدينية والصوفية، لما لها من فائدة تعود على الشخص. إلا أن آخرين يعتبرون القراءة خلال شهر الصيام مضيعة للوقت ومن الأجدى توفير الوقت في العبادة وقراءة القرآن. ويمكن تأجيل القراءة لوقت لاحق، إلا أن العديد من المثقفين يرون أن القراءة مفيدة، وأنها في حد ذاتها نوع من التعبد.

حيث يفضل الكثير من الناس قراءة نوعية كتب ما بين الروايات والأشعار والقصص البوليسية والفكاهية بالإضافة طبعا إلى الكتب الدينية والقرآن. ويرى البعض أنه لا يوجد فرق بين رمضان وأي شهر آخر، عادة القراءة يمكن أن تسود طيلة اشهر السنة.