في ظل تصاعد الأزمات واستفحالها ، تسعى العديد من الدول إلى حماية الشركات الناشئة عبر مجموعة من السياسات والاستراتيجيات التي تهدف إلى بقاء هذه الشركات حيوية ونشطة وقادرة على تقديم خدماتها، وتكمن أهمية الشركات الناشئة في اسهامها في الدورة الاقتصادية عبر الانتاج والابتكار الذي ينهض بالاقتصاد، لذلك كانت حماية هذه الشركات إحدى أولويات العديد من الدول.

بغياب الشركات الناشئة مثل: (Zoom- WhatsApp- Slack ) وغيرها من الشركات كان العالم سيبدو أقل إنتاجية ، و أقل قدرة على تحمل التعطل الذي أصاب المؤسسات والشركات والمصانع حول العالم. فمن خلال التكنولوجيا التي ابتكرتها الشركات الناشئة استطاع العالم أن يخفف من حدة تأثير الإغلاق الاقتصادي من خلال التواصل عبر الخدمات التى توفرها هذه الشركات، لذلك فإن الشركات الناشئة التي توفر الابتكارات التكنلوجية والتى تسهم في تنشيط اقتصاداتنا – يجب أن تتخذ إجراءات واستراتيجيات لحمايتها من الانهيار في ظل الأزمات.

وضعت جائحة كورونا قطاع الشركات الناشئة أمام تحد كبير يحتاج سيسات عاجلة للتغلب عليه وذلك لأهمية هذه الشركات حيث تشير التقارير إلى أن قيمة قطاع الشركات الناشئة في العالم يقارب 2.8 تريليون دولار خلال العام 2019 ، تسلط هذه المقالة الضوء على الاستراتيجات المتبعة لحماية هذه الشركات.

سياسة القروض بدون فوائد

يعتبر توفير السيولة للشركات الناشئة هو الهاجس الأكبر في ظل استمرار الأزمة الناجمة عن تفشي فيروس كورونا ، فالمنح النقدية الحكومية ستكون أفضل السبل التى تحتاجها هذه الشركات للتخفيف من الأزمة التى تعيشها والتى تهدد بانهيار العديد منها، وتشير الاحصائيات التي نشرها موقع ” Startup Genome” المتخصص في تقريره السنوي لــــــ 2020  إلى أن 29% من هذه الشركات تحتاج منح نقدية حكومية بشكل عاجل، بينما 12% من هذه الشركات تحتاج إلى قروض حكومية للتغلب على المصاعب التى تواجهها ، كما تشير إحصائيات التقرير أن 41% من الشركات الناشئة لم تعد تمتلك من السيولة ما يغطي فترة ثلاثة أشهر وهو ما يجعل هذه الشركات في “المنطقة الحمراء” حسب التقرير.

العديد من الدول تداعت إلى استراتيجيات عاجلة لإنقاذ قطاع الشركات الناشئة من شبح الإفلاس ، ففي اليابان ، أطلقت الحكومة استراتيجية القروض غير المضمونة بدون فائدة بهدف دعم الشركات الناشئة التي فقدت أكثر من نصف مبيعاتها السنوية نتيجة تداعيات جائحة كورونا ، وفي إستراليا أطلق صندوق دعم الأعمال الذي تبلغ قيمته 500 مليون دولار منحًا بقيمة 10000 دولار أمريكي لأصحاب الشركات الناشئة.

سياسات ومبادرات أخرى أطلقتها دول عديدة من بينها الولايات المتحدة بهدف تقليل النفقات العامة والتساهل مع الشركات فيما يتعلق بالضرائب، حيث منحت السلطات الأمريكية تمديدًا لمدة ثلاثة أشهر على مدفوعات الضرائب لأصحاب الشركات، بينما اتبعت كوريا الجنوبية سياسة خفض الضرائب على دخل الشركات بنسبة تصل إلى 60% ، تسهم هذه الأجراءات في التخفيف من الضغط على الشركات الناشئة التى تواجه صعوبات كبيرة تهدد وجودها ، وتسعى الدول لانقاذ هذه الشركات من خلال الدعم المادي أو الاعفاء الضريبي أو المنح المالية وكلها وسائل تسهم في التخفيف من حدة الأزمة على هذه الشركات.

تسهيل الوصول للاستثمارات

من ضمن التحديات الكبيرة التى تواجه العالم في ظل أزمة كورونا انخفاض نشاط رأس المال الاستثماري ، وتشكل أزمة انخفاض النشاط الاستثماري معضلة للشركات الناشئة  حيث أن  18 % من  هذه الشركات تحتاج إلى الوصول إلى أدوات التمويل لتعزيز امكانياتها والرفع من انتاجيتها. تواجه الشركات الناشئة عقبات حادة منها تراجع المستثمرين عن الصفقات، حيث يشير تقرير     Startup Genome – 2020  أن ما يقرب من 20 % من الشركات الناشئة التي كانت لديها عقود استثمار قبل الوباء قد سحبت من قبل المستثمر نتيجة لارتفاع هامش الخطر بسبب تفاقم الأزمة.

وفي الوقت نفسه ، تواجه 53٪ من الشركات الناشئة عملية بطئ شديدة في تجميع  مستحقاتها وحتى الدخول في نزاع مع مستثمرين رئيسيين يماطلون في التسديد. وبالرغم من هذه التحديات فلا يزال يحافظ أقل من ثلث الشركات الناشئة 28% على أعماله بشكل طبيعي.

من أجل المحافظة على أداء هذه الشركات في الاقتصاد الوطني  ، يجب على الحكومات ضخ رأس المال الاستثماري عبر القنوات المعهودة لذلك والتي من بينها السوق الخاصة. العديد من الدول قامت بتسهيل الحصول على الاستثمار للشركات الناشئة من ضمن هذه الدول تايوان حيث أطلقت الحكومة استراتيجية تمويل يبدأ من ستة إلى 12 شهرًا مقابل الأسهم المفضلة المعروضة في السوق الاستثمارية ، ثم ماليزيا ، حيث قامت مؤسسة الاقتصاد الرقمي الماليزية (MDEC) بالتعاون مع منصة التواصل الرقمي وشركة رأس المال الاستثماري بإطلاق  برنامج خاص يجمع الشركات الماليزية الناشئة مع المستثمرين الراغبين في الاستثمار في هذه الشركات ، وقد اجتذب البرنامج ، الذي أغلق الطلبات في أبريل ، أكثر من 50 مستثمرًا.

بهذه السياسات والاستراتيجيات تمنح الحكومات فرصة للشركات الناشئة في الوصول إلى الاستثمارات وتحقيق أهدافها التشغيلية والانتاجية لتسهم في الدورة الاقتصادية ، ويكون تدخل الحكومات لتسهيل الاستثمارات لهذه الشركات أكثرا إلحاحا في زمن الأزمات.

إن اقتصاد الشركات الناشئة ، الذي سجلت قيمته عالميا 2.8 تريليون دولار في عام 2019 ، والذي ينمو بأكثر من 10 % كل عام قبل ظهور وباء كورونا ، أي ينمو بحوالي ثلاث إلى أربع مرات مقارنة ببقية القطاعات الاقتصادية، يحتاج إلى سياسات واستراتيجيات فعالة، فإنقاذ  قطاع بهذه الأهمية وهذا الحجم هو إنقاذ للاقتصاد.