طرق وأساليب عدَّة يمكنك بها الحكم على الآخرين، وإبداء الرأي فيهم أو فيما يتعلق بهم ويرتبط. ومن المنطقي وقبل أن تحكم على الغير وتبدي رأياً، أن تكون مدركاً لما أنت مقبل عليه، فالحكم على الغير ليس بالأمر السهل أو اليسير الذي يمكن أن يتصوره البعض منا، بل إن ظن أحدكم عكس ذلك وأنه سهل يسير، فإن ظلماً كبيراً يقترفه صاحب الرأي بحق من يحكم عليهم قبل أن يكون ظلماً بحق نفسه.. وتلك نقطة أولى.

 أما النقطة الثانية التي تجب مراعاتها قبل الخوض في مسألة الحكم على الغير، أن تكون أنت الأفضل أو الأعلم أو الأقدر في المجال الذي أنت بصدد الحكم على الآخر فيه، فإن كنت تريد أن تحكم على غيرك في أخلاقه المتدنية مثلاً، فالمنطق يتطلب منك ها هنا أن تكون أنت أرقى أخلاقاً منه وأرفع.. وإن كنت تريد الحكم على علمه، سواء أكان علماً دنيوياً أم دينياً، فالمنطق نفسه يتكرر أيضاً.

 نقطة جوهرية ثالثة لا تقل أهمية عن أختيها السابقتين، هي أن تدرك جيداً جميع أبعاد وجوانب وظروف الشخص، فليس من المنطق في شيء أن تحكم على إنسان ما بأنه كسول وغير فعّال في عمله مثلاً، وأنت لا تدري ما الذي دفع به إلى التكاسل أو الخمول وعدم الإنتاجية..  فهناك الكثير من النماذج في الحياة لا يمكننا سردها ها هنا، نتسرع في الحكم عليها قبل أن نتفهم الأمر من كافة جوانبه، وتبعاً لذلك تحدث من المشكلات وسوء الفهم، الكثير الكثير.

 هذا الأمر يتسع ليشمل الشعوب والدول والحضارات، فإن جئت على سبيل المثال وأردت أن تحكم على دول أو أمم، وثقافاتهم وعلومهم وأخلاقياتهم، فالأمر نفسه أو المنطق ذاته المشار إليه قبل قليل سيتكرر فتجنب أن تحكم على شعب ما في أخلاقياته وأفعاله أو سلوكياته من قبل أن تعاشره وتتعرف على تفاصيل حياته ويومياته وظروفه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

 وخلاصة القول، أن أسلم طريقة للخروج من مأزق الحكم على الآخرين أو الأشياء ذات الارتباط بالبشر، فيما لو طلب أحد منك ذلك، ألا تتسرع وتدلي بالرأي. إذ كلما استطعت أن تأخذ وقتك في التفكير أو إن صح وجاز لنا التعبير، الهروب اللطيف أو الهروب الدبلوماسي من الموقف، لكان أفضل، ما لم يكن ذاك الهروب أو التهرب، فيه ضياع للحقوق ووقوع ظلم.

 إن في مثل تلكم المواقف، ما عليك سوى أن تتسلح بسلاح المنطق وتتوكل على ربك، وتدلي برأيك أو حكمك بحسب ما يمليه عليك ضميرك وأمانتك، وقبل ذلك دينك. كلي يقين بأنه موقف حياتي صعب، لا أظن أحداً يبحث عنه أو يتمناه، وإن كان هو في النهاية درساً من الدروس والتجارب في مدرسة الحياة.. وما أعظمها من مدرسة.