رشحت مدينة ” ريسيفي ” لتستضيف مباريات التصفيات النهائية لكأس العالم 2014، و”ريسيفي” هي عاصمة ولاية “بيرنامبوكو” وتعتبر أقدم عاصمة في البرازيل، وتقع في شمال-شرق البرازيل حيث أسست المدينة عام 1573م ويقطنها ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف نسمة، وتأتي بالترتيب الخامس في قائمة الاقتصاد البرازيلي ونظراً لأهميتها الاقتصادية للمنطقة، تُدعى المدينة “عاصمة الشمال – الشرقي”.

نشأت ريسيفي- تعني “الشراع” في البرتغالية – في الأساس باعتبارها المرفأ الذي يربط قرية أوليندا والمحيط الأطلسي، وقد ساهم الهولنديون في بناء تلك المدينة، وأقاموا فيها الجسور الجميلة والمدن الرائعة مثل مدينة ” أوليندا ” التي أعلنت موقعاً للإرث العالمي من قبل الأونيسكو عام 1982، وتم إطلاق لقب “بندقية البرازيل”  على مدينة ريسيفي.

الحضور الإسلامي في المدينة

يعود الحضور الإسلامي في المدينة لوصول العبيد المسلمين الذين كانوا يستخدمون من قبل البرتغاليين في البناء والزراعة، وكانت لهم آثار واضحة ساهمت في النمو الاقتصادي والزراعي وبناء حضارة البرازيل في الملابس والأكل والزراعة والصناعة والعادات والتقاليد.

وقد ساهم مسلمو المدينة في الثورات الإسلامية المختلفة والتي كانت تهدف للتحرر من العبودية وإقامة حكم إسلامي في البرازيل، وكان آخر تلك الثورات عام 1835م والتي سميت ” ثورة الماليز ” أو ثورة العبيد والتي تعامل معها البرتغاليون بمنتهى القسوة وقاموا بإعدام المشايخ والعلماء ونفي الكثير منهم وإعادتهم مرة أخرى إلى إفريقيا، وتشتيت تواجد الأسر المسلمة بين الولايات البرازيلية المختلفة.

ساهم مسلمو المدينة في الثورات الإسلامية المختلفة والتي كانت تهدف للتحرر من العبودية وإقامة حكم إسلامي في البرازيل، وكان آخر تلك الثورات عام 1835م والتي سميت ” ثورة الماليز ” أو ثورة العبيد

عام 1867م زار المدينة الشيخ عبد الرحمن البغدادي [1] بدعوة من مسلمي تلك المدينة حيث كان هؤلاء المسلمون متمسكين بدينهم وكتب كتابا حولهم سماه “مسلية الغريب بكل أمر عجيب [2]” يقول فيه “ثم سافرت من أبائيه إلى مدينة (مارنميوكوا) لرغبة المسلمين الذين بها في وطلبهم إياي، وهي بلدة أشد حرا من البلاد الأخرى وعرضها ثمانية درجات من خط الاستواء والشمس لو طلعت دائما لأحرقت السكان، ولكن من حكم الواحد المنان دائما توجد الأمطار ولا يخلو يوم عن مطر وإذا لم تكن فالغيم يكون، وكنت في دار عالية مرتفعة لأجل الهوى ومع ذلك أغتسل كل يوم مراراً بالماء البارد. وفي هذه البلدة جسر من الحديد فوق خليج مديد طوله نحو ميل وعرضه نحو خمسة عشر ذراعاً وهو أعجوبة للرائي، وكافة الأهالي لا يتعاطون الأعمال في النهار، والذين يتعاطون المصالح السودان لأنهم لهم تحمل على شدة الحرارة والبيضان بخلاف ذلك، وجميع الأهالي تجار عظام وعندهم الفابريقات [3] ولهم معرفة شديدة بالصناعات وفي هذه البلدة عدة حصون وقلاع واستحكامات.

أحوال المسلمين فيها

يضيف الشيخ عبد الرحمن البغدادي “ورأيت المسلمين في مارنميوكوا أشد نباهة وفطانة من أهل البلاد الأول، ففرحت بذلك ويقتدون برجلين الواحد اسمه يوسف حديث السن ونبيه جدا والثاني اسمه سليمان بعكسه حتى ما صدق في رجوع رمضان الذي أعلنا به “روي جنيروا” ورددناه لوقته الصحيح ولم يزل يصوم شعبان وله قوم به يقتدون وعلى اتباعه يلازمون، وأحواله في الصلاة والصيام كأحوال الذين قبلهم ولهم ميل شديد لعلم الأوفاق وضرب الرمال أو “الزاير جاتو” بسبب ذلك تسترهم أقل من البلاد الأول لأن النصارى يعتقدون عليهم غاية الاعتقاد ويصدقونهم فيما يظهرونه من الإيراد ويعطونهم الأموال ويعدون خواطرهم في جميع الأحوال مع أنهم لا يعرفون مما يدعونه إلا الاسم، ولكن يصادف معهم بعض الأوقات القضاء والقدر فينسبوه لفعلهم ولما أحكموه من أمرهم وفي مدة ستة أشهر ظهر فيهم أهلية أحسن من الذين فارقوني في طوال مدتي”.

المدة القصيرة التي أقامها الشيخ عبد الرحمن البغدادي بين أهل ريسيفي مكنتهم من المحافظة على عقيدتهم، ولكن سرعان ما لبث الشيخ أن غادر البرازيل على وعد أن يعود إليها مرة أخرى، وهو الأمر الذي لم يحدث لأسباب غير معروفة تحتاج لمزيد من الدراسة، ولم تلبث تلك الجالية كثيرا حتى ذابت في المجتمع البرازيلي وفقدنا هؤلاء المسلمين.

في بداية الثمانينات بدأ بعض المسلمين في التوافد على تلك المدينة من البلاد العربية والإسلامية بغرض التجارة، وفي بداية التسعينات توجه وفد ضم الحاج حسين محمد الزغبي رئيس اتحاد المؤسسات الإسلامية والشيخ محمد بن ناصر العبودي الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي وفضيلة الشيخ مبروك الصاوي والذي تعاقد مع رابطة العالم الإسلامي في تلك الفترة لزيارة مدينة “ريسيفي” لدعم وجود المسلمين فيها.

وتم تأسيس المركز الإسلامي في ريسيفي والتقى الوفد مع رئيس البلدية والذي منح الجالية المسلمة قطعة أرض في أفضل قلب مدينة “ريسيفي” بمساحة تقدر بـ “ثلاثة عشر ألف مترا مربعا”، لإقامة المركز الإسلامي عليها، غير أن المسلمين لم يستغلوا تلك الفرصة وفقدوا حق الانتفاع بقطعة الأرض لوجود مدة محددة للبناء، لقد كان الفضل الأكبر للحاج حسين محمد الزغبي رحمه الله والذي كان سببا في التمكين لنشر الدعوة الإسلامية في مدينة “ريسفي” حسب تصريح الشيخ مبروك الصاوي.

على إثر ذلك قام المسلمون بشراء بيت ليكون مقرا للمركز الإسلامي، ويتواجد المقر في منطقة غير آمنة مما يكون سببا في إغلاقه يوميا مع حلول الثالثة عصرا، ويقوم المركز مع ضعف إمكاناته المادية للتعريف بالإسلام واستقبال الكثير من المدارس والجامعات والدارسين الذين يعشقون التعرف على الدين الإسلامي الحنيف، ويذكر أن المركز عضو عامل باتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل.

ولإمام المركز الشيخ مبروك الصاوي مبعوث رابطة العالم الإسلامي جهد مبارك، حيث أسلم على يديه الكثير من البرازيليين، ويقوم بتوعيتهم وتربيهم على المبادئ الإسلامية، وقام بتأليف الكتب الإسلامية بأسلوب يتناسب مع الواقع البرازيلي باللغة البرتغالية، وبلغت مؤلفاته ثمانية كتب تناولت جوانب الشريعة الإسلامية المختلفة.

رئيس المركز الأستاذ سعيد حسين أعرب عن أمنياته أن يكون للمسلمين مركزا حضاريا يليق بوضعهم التاريخي في تلك المدينة، ويكون منارا لنشر الثقافة الإسلامية وسط المجتمع البرازيلي وخصوصا أن هناك طلبات متزايدة لزيارة المركز الإسلامي والتعرف عن قرب على دين الإسلام.

وأغلب المسلمين في المدينة ممن اعتنقوا الإسلام حديثا من البرازيليين وهم بحاجة لدعم المؤسسات الإسلامية داخل البرازيل وخارجها، فالمركز بحاجة ماسة لأن ينتقل إلى مكان آخر يكون رمزا للإسلام وحافزا للبرازيليين للتعرف على شعائر هذا الدين، ويكون لائقا لاستقبال المسلمين من البلاد العربية والإسلامية الذين سيشاركون في مونديال 2014م.

إنني أستنهض همم أهل الخير ومحبي الدعوة إلى الله الحرص على المساهمة في تقوية ظهر المسلمين في تلك المدينة، وأن لانتركهم عرضة للذوبان مرة أخرى كما حدث معهم فيما سبق، وأن نعمل على تثبيت العقيدة الإسلامية في نفوسهم فهذا حقهم علينا.

حوار مع فضيلة الشيخ مبروك الصاوي، إمام المسلمين بمدينة ” ريسيفي “

——-

 [1] عبد الرحمن بن عبد الله البغدادي الدمشقي، ولد في مدينة بغداد ثم انتقل إلى مدينة دمشق، ومنها إلى عاصمة الخلافة العثمانية حيث عين إماما للبحرية العثمانية من قبل أمير البحر في ذلك العهد محمد صالح آتيش باشا

 [2] مخطوطة للشيخ عبد الرحمن البغدادي سماها مسلية الغريب بكل أمر عجيبكتبها عام 1867م يروي فيها رحلته من استنبول وصولا إلى البرازيل، ومدة الثلاث سنوات التي قضاها هناك بين المسلمين، وعودته إلى مكة ثم الشام ونهاية باستنبول مرة أخرين والمخطوطة موجودة في مكتبة برلين وتعد من أدب الرحلات.

[3] كلمة برتغالية تعني المصانع.