ماذا يعني مفهوم “السُنة” في الجملة الآتية؟
“من سنة الله في الكون حرية الاختيار، وأنا اخترت أن أكون مسلما من أهل السنة، وأحب قراءة الكتاب والسنة، وأسأل الله المواظبة على السنن والفرائض. وأحب الإبداع والابتكار وسنّ المناهج النافعة. وإن الالتزام بمصادر الشريعة من القرآن والحديث والاجتهاد والإجماع من هدي النبي عليه السلام وطريقته الذي بين به الدين ووصى أتباعه به في قوله عليكم بسنتي، وإن اتخاذ الختم لم يكن من سنة العرب”.
السنة تأتي على سبعة معاني:
- القانون والناموس: وهذا إطلاق لغوي، وعلى هذا معاني لفظ “السنة” في القرآن الكريم. ودليله قوله تعالى: “سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا” وهذا ما عبّر الكاتب به بــ ” من سنة الله في الكون حرية الاختيار”.
- الجماعة مقابل الأقلية: وهذا في مجال الفرق والنِحل. وتعني رأي أغلبية المسلمين، والسواد الأعظم. وتتجلى في التيار العام المقابل للفرق القليلة الأخرى. وغالبا ما تُسبق بكلمة “أهل” لتصبح “أهل السنة”. يقول ابن حزم: ” فرق المــُقرين بملة الإسلام خمسة وهم أهل السنة، والمعتزلة والمرجئة والشيعة والخوارج ثم افترقت كل فرقة من هذه على فرق..”، فأهل السنة مدارس وليست مدرسة واحدة كما يعرف كل مطلع. يقول الإمام النووي: “وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك. ويقول أيضا: ” مذهب أهل السنة بأجمعهم من السلف الصالح وأهل الحديث والفقهاء والمتكلمين على مذهبهم من الأشعريين أن أهل الذنوب فى مشيئة الله تعالى..خلافا للخوارج والمعتزلة.”. وهذا ما عبّر الكاتب به بــ ” وأنا اخترت أن أكون مسلما من أهل السنة“.
- الحديث: وهذا في مجال علم الحديث والسيرة. ويدل عليه حديث معاذ المشهور لما بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن “قال كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال أقضي بما في كتاب الله. قال فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم. قال فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ قال أجتهد رأيي لا آلو!..” ويدل عليه أيضا ما جاء في تحفة الأحوذي: ” وقال الشافعي العمرة سنة أي واجبة ثابتة بالسنة.. الشافعي لا يريد به أنها ليست بواجبة، بدليل قوله: لا نعلم أحدا رخص في تركها، لأن السنة التي يراد بها خلاف الواجب يرخص تركها قطعا” ومنه أيضا: ما أخرج أبو داود « فَإِنْ كَانُوا فِى الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِى السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً ». صححه الشيخ الألباني. وعلى هذا كتب الأحاديث المعروفة بالسنن، وكذا ” الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله ﷺوسننه وأيامه” وهذا ما عبّر الكاتب به بــ “أحب قراءة الكتاب والسنة.
- النافلة: وهذا في مجال الفقه، مقابل الأحكام التكليفية الأربعة المتبقية. ويدل عليه عبارة المباركفوري هذا: ” وقد ذهب الجمهور إلى أن الوتر غير واجب بل سنة وخالفهم أبو حنيفة“، ومنه سنة تحية المسجد، وركعتي الفجر، وصيام الاثنين والخميس وعرفة.. إلخ. وهذا ما عبّر الكاتب به بــ ” وأسأل الله المواظبة على السنن والفرائض”.
- الإبداع والابتكار: ومجاله المعاملات وما يمس الحياة اليومية، ومجمل المباحات عامة. ولا يستثنى منه إلا العبادات المحضة بمعنى التشريعات، ودليله “من سنّ في الإسلام سنة” أي من ابتكر شيئا، مثل توسيع المسجد وزخرفته، ومثل ابتكار مكبر الصوت، ومثل جمع القرآن، وتأليف الموطأ والأم. وهذا ما عبّر الكاتب به بــ ” وأحب الإبداع والابتكار وسنّ المناهج النافعة”.
- المنهج والهدي النبوي “الدين”: ويدل عليه “فمن رغب عن سنتي فليس مني”. متفق عليه، واللفظ لمسلم. يقول الإمام النووي: “معناه من رغب عنها اعراضا عنها غير معتقد على ما هي.. أما من ترك النكاح على الصفة التى يستحب له تركه كما سبق أو ترك النوم على الفراش لعجزه عنه أو لاشتغاله بعبادة مأذون فيها أو نحو ذلك فلا يتناوله هذا الذم والنهي”. فمهوم السنة هنا هدي النبي، وهو الدين الإسلامي ككل. وكل ما ليس من هدي النبي فهو بدعة وضلالة بهذا المعنى، دون المعاني الأخرى للسنة. ويدل عليه ما نصّ عليه الإمام ابن حجر: ” فمن رغب عن سنتي فليس مني، المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض. والرغبة عن الشيء الأعراض عنه إلى غيره. والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية..، وطريقة النبي صلى الله عليه و سلم الحنيفية السمحة“. ويدل عليه أيضا: ما جاء في تحفة الأحوذي: ” إذا وضع الميت في لحده، قال مرة بسم الله، وعلى ملة رسول الله، أي على طريقته ودينه. وقال مرة بسم الله وبالله وعلى سنة رسول الله، أي على طريقته وشريعته والمراد بملة رسول الله وسنته واحد”. وهذا ما عبّر الكاتب به بــ ” وإن الالتزام بمصادر الشريعة مما وصى أتباعه به في قوله عليكم بسنتي“.
- العرف والثقافة: وهذا في كل عادة مباح، وضابطه العرف الثابت زمن رسول الله ولم يأخذ حكما شرعيا آخر بدليل خارجي ثابت. ودليله ما أخرجه البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: “.. وَكَانَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا”. ودليله أيضا: ” وكان الذي دار بين مروان وعبد الرحمن في ذلك أن مروان لما تكلم في البيعة ليزيد بن معاوية قال سنة أبي بكر وعمر فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر بل سنة هرقل“. وهذا المعنى قريب من المعنى الأول. وهذا ما عبّر الكاتب به بــ “، وإن اتخاذ الختم لم يكن من سنة العرب”.
أخيرا لا جرم أن تعميم السنة على معنى واحد، أو إعطائها معنى لآخر دون مراعاة السياق مزعزع للفقه والفهم الصحيح، ناهيك على أن الحكم بأن “السنة” في هذا السياق وفي هذا النص هو كذا دون غيره بحاجة إلى دقة فقه.