ومن معايير الجودة – أيضا- في طرق التدريس ما يلي:

مشاركة الطلاب

من معايير الجودة في طرق التدريس أن يشارك المعلم طلابه، لا أن يتلقوا الدروس دون مشاركة، لأن المشاركة هي إحدى وسائل تثبيت العلم، وقد ذكر بعض الخبراء أن المعلومات التي تلقى مشافهة ويكون دور الطالب الاستمتاع لا يتذكر منها بعد فترة إلا نسبة (9%)، وإن استعمل المعلم بعض الوسائل التوضيحية فإن الطالب يتذكر بعد فترة (25%)، وإن شارك المعلم طلابه معه في الدرس، فإنه يتذكرون ما يزيد على (90%).

ومن هنا، أدرك العلماء قديما المشاركة، فأوجدوا وظيفة ( المعيد)، وذلك لتميزه، وحتى يدرب المعلم بعض طلابه النجباء فيعيد الدرس لزملائه، وسمي في بلاد تونس ” مدونا”، يقول الشيخ الطاهر ابن عاشور: ” وكان الأساتذة التونسيون بجامع الزيتونة يسمون التلميذ الذي يجلس مواجها للأستاذ في الحلقة مدونا، وهو الذي يسرد ما يرى الأستاذ سرده من الكتاب المقروء، وهو الذي يسرد الأحاديث النبوية في الدروس الرمضانية فيما أدركناه من دروس بعض شيوخنا، ثم فرطوا في ذلك فلم يبق به عمل”[1].

كما تكون المشاركة بطرح الأسئلة؛ فالسؤال مفتاح العلم، وقد بوب ابن عبد البر: باب طرح العالم المسألة على المتعلم، وترجم: باب حمد السؤال والإلحاح في طلب العلم وذم ما منع منه[2]

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شفاء العي السؤال»[3]

وعن معاذ بن جبل قال: ” كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «هل تدري يا معاذ ما حق الله على الناس؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، تدري يا معاذ ما حق الناس على الله إذا فعلوا ذلك؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن حق الناس على الله عز وجل أن لا يعذبهم» قال: قلت: يا رسول الله، ألا أبشر الناس؟ قال: «دعهم يعملون»[4]

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل الرجل المسلم حدثوني ما هي؟» قال عبد الله: فوقع الناس في شجر البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة قال: فاستحييت فقالوا: يا رسول الله، ما هي؟ قال: هي النخلة، قال عبد الله بن عمر: فحدثت عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالذي وقع في نفسي، قال عمر: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا “[5]

وعن النعمان بن مرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما ترون في الشارب والسارق والزاني» ، وذلك قبل أن ينزل فيهم، قالوا: الله ورسوله أعلم قال: «هن فواحش وفيهن عقوبة، وأسوأ السرقة الذي يسرق  صلاته» قالوا: يا رسول الله وكيف يسرق صلاته؟ قال: «لا يتم ركوعها ولا سجودها»[6]

وعن سعيد بن المسيب، أنه قال: ” ما صلاة يجلس في كل ركعة منها؟ ثم قال سعيد: هي المغرب إذا فاتتك منها ركعة قال: وكذلك سنة الصلاة كلها ” قال أبو عمر: يعني إذا فاتتك منها ركعة أن تجلس مع إمامك في ثانيته وهي لك أولى وهذه سنة الصلاة كلها إذا فاتتك منها ركعة [7].

وقالت عائشة رضي الله عنها: «رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن»[8]

وقالت أم سليم: «يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل. . . .» [9]؟

«واستحيا علي رضي الله عنه أن يسأل عن المذي لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابنته التي كانت عنده فأمر المقداد وعمارا فسألا له رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك» [10]

وقال عبد الله بن مسعود: «زيادة العلم الابتغاء، ودرك العلم السؤال فتعلم ما جهلت واعمل بما علمت»، وقال ابن شهاب: «العلم خزانة مفتاحها المسألة»[11].

وعن قتادة، عن عبد الله بن بريدة: ” أن معاوية بن أبي سفيان دعا دغفلا النسابة فسأله عن العربية، وسأله عن أنساب الناس، وسأله عن النجوم فإذا رجل عالم فقال: يا دغفل، من أين حفظت هذا؟ قال: «حفظت هذا بقلب عقول ولسان سئول»[12].

وقد جمع الإمام ابن القيم في كتابه ( إعلام الموقعين عن رب العالمين) الأسئلة التي وجهت للنبي صلى الله عليه وسلم وأجاب عنها، وعنون لها ” فصل من فتاوى إمام المتقين”[13]، ثم طبعت وحدها فيما بعد.

التدريب والمهارات

غالبا العلوم النظرية قائمة على التثقيف، لكنها لا تملِّك الطلاب أدوات العلم، ولا تحقق المخرجات التي يجب أن يستفيد منها المجتمع، فغالب الكليات الشرعية التي تخرج أئمة وخطباء لا نجدهم  يتدربون على الإمامة والخطابة، ولا يعرفون كيفيتها، وإنما يمكثون سنوات حتى يأخذوا الدربة من كثرة العمل، وكذلك خريجو كلية اللغة العربية، فهم لا يتدربون على التدريس ولا على التصحيح اللغوي ولا غيرهما من الوظائف التي يقومون بها بعد التخرج، وهكذا بقية الكليات الشرعية واللغوية، وكان يمكن توفير سنوات بعد التخرج التي يقضيها الخريجون في التدرب، وأن يكون ذلك خلال سنوات التعلم، وأن يقوم البناء التعليمي على شقي: المعرفةوالتدريب، وأن يقل الحشو النظري في مقابل تحويل العلوم إلى مهارات. وقد ترجم ابن عبد البر:” باب فتوى الصغير بين يدي الكبير بإذنه[14]، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل أصحابه يفتون وهو معهم حتى يدربهم على الفتيا.

التطبيق العملي

تعد هذه المرحلة امتدادا لمرحلة التدريب، فالتدريب يعني امتلاك المهارات، ثم تأتي مرحلة التطبيق لتعمق امتلاك تلك المهارات، وهي هنا ليست مرحلة تعلم بقدر ما هي مرحلة ممارسة، لأن الطالب – بلا شك- يتعلم بكثرة التطبيق، فقد يتعلم الطالب مهارات التخريج، أو مهارات البحث، لكنه كلما خرّج أو كتب بحوثا كلما علت قدرته وكفاءته الإنتاجية، وكذلك الخطيب والإمام كلما مارس المهنة كلما اكتسب خبرات أكثر، فيتعلم من خلال الواقع المهني كما تعلم من خلال التنظير والتقعيد مع تطبيقاته خلال المرحلة الدراسية.

 

الجمع بين الطريقة التقليدية والطريقة الأكاديمية

لقد أثبتت الطريقة التقليدية في تعليم علوم الشريعة ، أو ما كان يعرف بـ” شيخ العمود” كفاءتها في التحصيل والاستظهار، وهذا ما لا نجده في الطريقة الأكاديمية، وأثبتت الطريقة الأكاديمية  قدرتها على تحرير العقل من التقليد، وعدم الوقوف عند درس الشيخ فحسب، بل ملكته مهارات البحث والتنقيب العلمي، مما يساهم في تكوين ملكة الاجتهاد الجزئي، وهذا يعني أننا بحاجة إلى طريقة تجمع بين الطريقتين، أو أن يكون بجوار الطريقة الأكاديمية منهج مصاحب على الطريقة التقليدية، حتى يجمع الطالب بين ملكة الاستظهار ومعرفة العلوم، وبين ملكة البحث والاجتهاد.

وهذه الطريقة تحتاج إلى مزيد عناية في صياغة المناهج، وطرق التدريس، وتدريب الطلاب عليها، حتى نصوغ عقلا يجمع بين الأصالة والمعاصرة، مستوعبا القديم النافع، مستعملا للجديد الصالح.

استعمال تقنية المعلومات

إن استعمال الأدوات المعاصرة في التعليم لها أثر كبير في استثارة اهتمام الطالب وإشباع حاجته للتعلم، وتشرك هذه الوسائل جميع حواس المتعلم، مما يؤدي إلى ترسيخ المعلومة وحسن ترتيب واستمرار أفكار التلميذ، وكذلك تنمي قدرة المتعلم على التأمل ودقة الملاحظة واتباع التفكير العلمي…”[15]

كما أن تنوع الوسائل المعاصرة يساهم في مخاطبة جميع الطلاب، فيما يعرف بأنماط الشخصية: السمعي، البصري، الحسي.

والحق أن حظ علوم الشريعة من الاستفادة من التقنيات المعاصرة أنها أقل العلوم استفادة منه، إن العلوم التي يتحصلها الإنسان من خلال بعض الأفلام الوثائقية مثلا ربما تكون ضعف كثير من الكتب التدريسية، وإن استعمال تلك التقنيات الحديثة وطرق العرض من خلال الشرائح أو من خلال مشاهد الفيديو أو غيرها مما يساعد كثيرا في فهم تلك العلوم وجعلها أكثر جاذبية لدى الطلاب، لأنها أضحت جزءا من لغة العصر.

ولقد سبق النبي صلى الله عليه وسلم في طريقته في التعليم إلى استعمال أدوات متنوعة، دون أن ينحصر التعليم في المشافهة، فقد استعمل الإشارة بالأصابع، والإشارة باليد الواحدة، والإشارة باليدين، واستعمال الحصى، واستخدام العصا، والرسم على الأرض، واستعمال المجسمات أو الدمى، واستعمال الأدوات الحقيقية وغير ذلك[16].

تحفيز الطالب على التفكير والبحث العلمي

بعد أن يتلقى الطالب الدرس ويحفظه استيعابا وفهما، نخطو نحو تدريبه ملكة السؤال والاستفسار، ليتعمق الفهم بالنقاش وضرب الأمثلة. فلو بقيت المعلومات دون تحليلها أو استنطاقها لتحولت إلى جثة هامدة لا تغني من يحملها في شيء سوى إرهاقه بحملها واسترجاعها، أما التفكير الناقد فإنه يحول هذه المعلومات إلى طاقة خلاقة تسهم في تكوين العقلية العلمية المستنيرة التي يستطيع صاحبها أن يتعامل مع مفردات الواقع ومتطلبات الحياة بمرونة واضحة وبقدرة على التحليل و الاستنتاج و الفهم والاستيعاب تساعده على الحياة الراقية و السلوك المتطور[17]

وهو الأمر المرجو والمقصود من التعليم والتربية عموما، “ولا شك أن الهدف المتوخى من العملية التدريسية؛ لا يتمثل في حشو أذهان الطلبة بالمعلومات، وإن كانت مفيدة، فليس المتوخى أن يتخرج طلاب الفقه أوعية للمعلومات… غير أن الهدف الأهم الذي يجب أن تتجه إليه العملية التدريسية في الفقه، إنما هو بناء الشخصية الفقهية للطالب، وتنمية ملكات الاستنباط والبحث الفقهي عنده، وإكسابه القدرة على التفكير العلمي السليم، المبني على منهجية فقهية واضحة،  قادرة على المحاورة والمناظرة”[18]

ومن ذلك الابتكار بالاستثارة”، بحيث تكون مهمة المدرس استثارة الطلاب عن طريق طرح بعض التعليقات القصيرة المثيرة، وذلك من أجل استدعاء الآراء والأفكار الجديدة[19].

اقتراح لأقسام علوم الشريعة والعربية

مما يلحق بالتدريب والتطبيق العملي أنه يمكن إعادة تقسيم الكليات الشرعية إلى أقسام حسب الوظائف والمخرجات للمجتمع، ففي كليات اللغة العربية تكون هناك أقسام: التصحيح والتحرير اللغوي، وقسم: التدريس، وقسم: الإعداد العلمي في علوم العربية وغير ذلك من الأقسام.

وفي الكليات الشرعية تكون هناك أقسام، مثل: قسم الإمامة والخطابة، وقسم: البحث الشرعي، وقسم: التدقيق الشرعي الخاص بالمؤسسات المالية، وقسم: الصحافة الشرعية، وقسم: الإعلام الديني، وقسم: التدريس الشرعي، وقسم: المحاماة، وقسم: التحقيق الجنائي،  وغير ذلك من الوظائف التي يقوم بها خريجو الكليات الشرعية.


[1] – أليس الصبح بقريب، ص:54.

[2] – جامع بيان العلم وفضله (1/ 373)

[3] –  أخرجه أبو داود رقم (336) في كتاب الطهارة، باب في المجروح يتيمم

[4] – مسند أحمد ط الرسالة (36/ 320)، وهو في “مصنف” عبد الرزاق (20546) ، ومن طريقه أخرجه الطبراني في “الكبير” 20/ (254) ، والبغوي في “شرح السنة” (48) .

[5] – صحيح البخاري، باب قول المحدث حدثنا وأخبرنا وأنبأنا، وباب طرح الإمام المسألة على أصحابه، وباب الحياء في العلم، وباب مالا يستحيا من الحق للتفقه في الدين، وفي صحيح مسلم، باب مثل المؤمن مثل النخلة.

[6] – أخرجه مالك في الموطأ، 1 / 167 في قصر الصلاة في السفر، باب العمل في جامع الصلاة، وهو مرسل صحيح

[7] – جامع بيان العلم وفضله (1/ 484)

[8] – جامع بيان العلم وفضله (1/ 373)

[9] – صحيح البخاري، باب الحياء في العلم، وباب إذا احتلمت المرأة، وباب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته، وصحيح مسلم، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها

[10] – جامع بيان العلم وفضله (1/ 374)

[11] – جامع بيان العلم وفضله (1/ 374)

[12] – جامع بيان العلم وفضله (1/ 378)

[13] – إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 205-314)، دار الكتب العلمية، بيروت.

[14] – جامع بيان العلم وفضله (1/ 485)

[15] – توظيف تقنية المعلومات في تدريس العلوم الشرعية، د/ أحمد محمد زكي، ص3.، ندوة” نحو صياغة حديث لمقررات الدراسة الشرعية”، جامعة ملايا، 7-8/2/2004،

[16] – راجع: استخدام الرسول صلى الله عليه وسلم الوسائل التعليمية، حسن بن علي البشاري، ضمن كتاب الأمة، العدد:77

[17] – التفكير الناقد  ودوره في التعلم الفعال ،محمد إسماعيل محمد اللباني،   ، ص22.

[18] –  المفاهيم الإسلامية وأساليب تدريسها، د/ ماجد الجلاد، ص 424.، بحث مقدم للمؤتمر الثاني لكلية الشريعة، جامعة الزرقا الأهلية، الأردن، 18-19 ربيع الثاني 1420هـ/ 31/7-1/8/ 1999م،

[19] –  تنمية مهارات التفكير، د/محمود محمد علي ، ص104.، ط1/ 2002م، جدة: دار المجتمع للنشر والتوزيع،