بحكم انشغالي في الدراسات المستقبلية، استمتعت بقراء دراسة صادرة عن معهد موسكو الاقتصادي وتقع في مجلدين يضمان 1600 صفحة تقريبا، وفيهما جهد بحثي هائل،وعنوان الدراسة هو:

Civilization,Theory,History,Dialogue and Future

وقد قام بتأليف الدراسة الباحثان كوزيك وياكوفيتس.

ما توقفت عنده طويلا هو نظرية تشيجيفسكي(Chizhevsky) حول الربط بين الأحداث التاريخية الكبرى في التاريخ وبين نشاط النظام الشمسي، وهو استمرار لفكرة الدورة في التاريخ (التي طرحها باشكال ومضامين مختلفة كل من ابن خلدون ،وتوينبي، وكوندراتيف..الخ).

وتقوم نظرية تشيجيفسكي حول النظام الشمسي والتي أطلق عليها (Cliometric) على أساس تقسيم حوالي 2500 سنة لدورات كل منها مدتها 11 سنه، وكل دورة مقسمة إلى أربع مراحل، (وهذا يعني أن القرن فيه 9 دورات)، ثم قام بتحديد المراحل على أساس شدة النشاط الشمسي،وتبين له من مراجعة الالفين وخمسمائة سنة ما يلي:

  • 3 سنوات يكون النشاط متدني ويقع فيه 5% من الأحداث الإنسانية الكبرى (الثورات الكبرى، ظهور دين معين..الخ)
  • 2 سنة يبدأ النشاط بالتزايد التدريجي ويقع فيه 20% من الأحداث الكبرى
  • 3 سنوات يصل النشاط الشمسي ذروته وتقع فيه 60% من الأحداث الكبرى
  • 3 سنوات يبدأ الهبوط ويقع فيه 15% من الأحداث

وهكذا يكون مجموع السنوات 11 سنة ،ومجموع الأحداث 100% ومجموع المراحل 4

وعند تطبيق ذلك بأثر رجعي تبين أن الأحداث الكبرى في القرن الماضي تطابق توزيعها الزمني(الكساد الكبير،الحرب العالمية الأولى،الحرب العالمية الثانية..الخ) مع التقسيم الذي حدده تشيجيفسكي…كما تطابق التوزيع الزمني للاحداث الكبرى في القرون الاخرى مع شدة النشاط الشمسي في المراحل الاربع التي حددتها النظرية.

لقد اضاف لي هذا البحث تقنية من تقنيات التنبؤ ..لكن لم يخطر ببالي يوما أن هذه النظرية تأكيد جديد للمنهج الكلاني(Holism) الذي أزداد كل يوم قناعة بصحته…ما لم ينسفه القادمون من العلماء….إن جهلي لا يوصف.

ضوابط مصداقية الدراسات المستقبلية

في عام 2015 قام فيليب تيتلوك (Philip Tetlock) مع مجموعة من الباحثين بجمع 150000( مائة وخمسون الف تنبؤ) في قطاعات مختلفة سياسية وعلمية واقتصادية واجتماعية وبيئية…الخ، وكان عدد الباحثين الذين شاركوا في التنبؤات (خلال عشر سنوات ) هو 743 مشاركا، وغطت هذه التنبؤات 199 حدثا دوليا . بعد ذلك تم اصدار ثلاث اوراق بحثية للنتائج تغطي الاولى الباحثين الاكثر دقة في نتائجهم، والثانية تحدد نسبة الدقة في النتائج كلها، ثم تحديد التقنيات أو المنهجية التي نتج منها أدق النتائج.

أما ابرز النتائج فكانت على النحو التالي:

أ‌- أن خبراء الدراسات المستقبلية  قلصوا اخطاء التنبؤ بنسبة 50% قياسا لتنبؤات المتخصصين في فروع علمية( اجتماعية او تطبيقية) ولكن ليس لديهم خبرة في  الدراسات المستقبلية

ب‌-  ان نسبة التنبؤ تتحسن تدريجيا، فلم يكن هناك أي سنة  خلال العشر سنوات كان معدل التنبؤات الصحيحة فيها اقل من السنة التي سبقتها.

ت‌-  ان الباحثين يراقبون اخطاء تنبؤاتهم ثم يحاولون معرفة سبب الخطأ ليتداركوه في التنبؤات اللاحقة، وقد اعطت هذه المسالة نتائج ادت لتراجع الخطأ بنسبة حوالي 25%.( أي التعلم من الخطأ).

ث‌- التنبؤات التي يشارك فيها متخصصون من ميادين متعددة تجعل الدقة في التنبؤ أعلى من حيث تحديد زمن التنبؤ ومضمونه.

ج‌- انخراط الخبير في كل مرة مع مجموعة جديدة من الخبراء زاد من دقة تنبؤاته بنسبة 12%.

ح‌- كانت نسبة صحة النتائج اعلى في كل مرة للمنفتحين على كل الافكار( وهم من تسميهم الدراسات المستقبلية الثعالب)( Foxes) قياسا للمنغلقين على فكرة واحدة( تسميهم الدراسات المستقبلية القنافذ)( Hedgehogs ).

خ‌- التدرب على ” المنطقية الاحتمالية)( probabilistic reasoning) من خلال دراسات الظواهر التاريخية السابقة والمشابهة لنفس الظاهرة موضوع التنبؤ يعطي نتائج افضل كثيرا من الذي لا يتزود بهذه المعرفة ، لان دراسة عشر حالات تاريخية مماثلة يساعد على فهم ” آليات حدوث وتطور الظاهرة” حيث يتم ادراك لماذا حدثت الظاهرة هنا بشكل مختلف عن حدوثها هناك وفهم دور الفترة التاريخية ودور التغيرات بين فترة وأخرى.

د‌- السرعة في الاستنتاج مسؤولة عن نسبة هامة من الاخطاء في التنبؤ.

ذ‌- ان الدقة في اختيار التقنية الانسب من ناحية، وترتيب تطبيق التقنيات في كل ظاهرة من ناحية ثانية ( ايهما اسبق مثلا المصفوفة ام الدولاب أو هل تسبق تقنية التدرج تقنية الاسقاط…الخ، )  وثالثا ادخال تقنية السيجما(Segma) في كل سيناريو  شكلت قواعد ضابطة لرفع سوية الدقة في التنبؤ بنسبة 24%.