قام الإمام الآلوسي بتوجيه عدد لا بأس به من مسائل المتشابه اللفظي في القرآن، حوالي مائة وخمسين مسألة[1]، أطال التوجيه أحيانًا، واختصر التوجيه في أغلبها.
ومن خلال هذا المقال سأبين -بعون الله وتوفيقه- أهم الملامح والسمات التي تَمَيّزَ بها منهج الإمام الآلوسي في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم، وسنجعل كلامنا مقسومًا على قسمين؛ أحدهما لبيان بعض الأمور الوصفية العامة لطريقة الآلوسي في التعامل مع توجيه المتشابه اللفظي، والثاني لوصف الجانب التطبيقي عند الآلوسي في توجيه المتشابه.
القسم الأول: المسلك العام للإمام الآلوسي في توجيه المتشابه
أولًا: طريقة الإمام الآلوسي في عرض المتشابه
اختلف الإمام الآلوسي عن الإمام الرازي في طريقة عرض المتشابه؛ فقد ترك أسلوب الخطاب والمناقشة الذي اعتمده الإمام الرازي[2] وكذا الإسكافي في الدرّة، ومَن سار على دربه ممَّن صنّف في هذا العلم، وعمد مباشرةً إلى ذكر المتشابه اللفظي وبيان الفرق بين الموضعين كما يفعل الإمام الكرماني[3].
– مثال ذلك: قال الإمام الآلوسي عند تفسيره قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة: 2]: «وبعضٌ صحّح أن القرآن في نفسه هدى في كل شيء حتى معرفة الله تعالى لمن تأمل في أدلته العقلية وحججه اليقينية، كما يشعر به ظاهر قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ}[البقرة: 185]، ويكون الاقتصار على المتقين هنا بناء على تفسيرنا الهداية مدحًا لهم؛ ليبين سبحانه أنهم الذين اهتدوا وانتفعوا به، كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}[النازعات: 45]، مع عموم إنذاره -ﷺ- وأمّا غيرهم فلا؛ {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا}[الإسراء: 45]، {وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}[الإسراء: 82].
– مثال آخر: قال أيضًا عند تفسير قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}[الأنعام: 11]: «وذكر أن التحقيق أنه سبحانه قال هنا: {ثُمَّ انْظُرُوا} وفي غير ما موضع {فَانْظُرُوا}[آل عمران: 137، النحل: 36، النمل: 69، العنكبوت: 20، الروم: 42]؛ لأن المقام هنا يقتضي {ثُمَّ} دونه في هاتيك المواضع، وذلك لتقدُّم قوله تعالى فيما نحن فيه: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ}[الأنعام: 6]، مع قوله -سبحانه وتعالى-: {وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ}[الأنعام: 6]؛ والأوّل يدلّ على أن الهالكين طوائف كثيرة. والثاني يدلّ على أن الْمُنْشَأ بعدهم أيضًا كثيرون، فيكون أمرهم بالسير دعاءً لهم إلى العلم بذلك، فيكون المراد به استقراء البلاد ومنازل أهل الفساد على كثرتها؛ ليروا الآثار في ديار بعد ديار، وهذا مما يحتاج إلى زمان ومدة طويلة تمنع من التعقيب الذي تقتضيه الفاء، ولا كذلك في المواضع الأُخَر. اهـ، ولا يخلو عن دغدغة. واختار غير واحد أن السير متَّحِد هناك وهنا، ولكنه أمر ممتد يعطف النظر عليه بالفاء تارة نظرًا إلى آخره، وبثُمّ تارة أخرى نظرًا إلى أوّله، وكذا شأن كل ممتد»[4].
فيظهر من هذه الأمثلة أنّ الإمام الآلوسي يعرض المتشابه مباشرة ثم يذكر التوجيه دون أن يطرحه في صيغة سؤال وجواب.
ثانيًا: أسلوب الإمام الآلوسي في التوجيه
أ. أسلوب الإمام الآلوسي في التوجيه يشبه كثيرًا أسلوب الإمام الرازي؛ فيمتاز في أغلب المواضع بالإيجاز، والسهولة، والاختصار الذي لا يُشعِر القارئ بالملل.
ومن الأمثلة على الإيجاز والاختصار في التوجيه:
– قال الإمام الآلوسي عند تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[البقرة: 34]: «وغيّر -سبحانه- الأسلوب حيث قال أوّلًا: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ}[البقرة: 30]، وهنا: {وَإِذْ قُلْنَا} بضمير العظمة؛ لأن في الأول خَلْق آدم واستخلافه، فناسب ذكر الربوبية مضافًا إلى أحبّ خلفائه إليه، وهنا المقام مقام إيراد أمر يناسب العظمة، وأيضًا في السجود تعظيم، فلمّا أمَر بفعله لغيره أشار إلى كبريائه الغنية عن التعظيم»[5].
– وعند تفسيره لقوله تعالى: {وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[البقرة: 221]، قال: «وفُصِلَت الآية السابقة بـ:{تَتَفَكَّرُونَ}[البقرة: 219]؛ لأنها كانت لبيان الأحكام والمصالح والمنافع والرغبة فيها التي هي محل تصرف العقل والتبيين للمؤمنين فناسب التفكُّر، وهذه الآية بـ:{يَتَذَكَّرُونَ}؛ لأنها تذييل للإخبار بالدعوة إلى الجنة والنار التي لا سبيل إلى معرفتها إلا النقل والتبيين لجميع الناس فناسب التذكُّر»[6].
– أيضًا عند تفسيره لقول الله -عز وجل-: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ}[الأعراف: 107]، قال: «لا تَعارُض بين ما هنا وقوله سبحانه: {كَأَنَّهَا جَانٌّ}[النمل: 10]، بناء على أنّ الجان هي الحية الصغيرة لما قالوا: إن القصة غير واحدة، أو أن المقصود من ذلك تشبيهها في خفة الحركة بالجان لا بيان جثتها، أو لما قيل: إنها انقلبَت جانًّا وصارت ثعبانًا، فحُكِيَت الحالتان في آيتين»[7].
من خلال الأمثلة السابقة يتضح سهولة أسلوب الإمام الآلوسي في التوجيه وإيجازه، وهذا هو الغالب على أكثر توجيهاته.
ويلاحظ أن الآلوسي قام أحيانًا باختصار بعض المسائل في حين أنها تحتاج إلى بسط، وهذا مما يؤخذ عليه:
– عند تفسيره لقول الله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا}[البقرة: 35]، قال: «والمراد بها العموم لقرينة المقام وعدم المرجح، أيْ: أيّ مكانٍ من الجنةِ {شِئْتُمَا}، وأباح لهما الأكل كذلك إزاحةً للعذر في التناول مما حظر، ولم تجعل متعلقة بـ:{اسْكُنْ}؛ لأن عموم الأمكنة مستفاد من جعلِ {الْجَنَّةَ} مفعولًا به له، مع أن التكريم في الأكل من كل ما يريد منها لا في عدم تعيين السُّكنَى؛ ولأن قوله تعالى في آية أخرى: {فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا}[الأعراف: 19] يستدعي ما ذكرنا»[8].
– وفي الموضع الثاني (سورة الأعراف) عند تفسيره لقول الله -عز وجل-: {وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأعراف: 19]: «{فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا}؛ لتعميم التشريف، والإيذان بتساويهما في مباشرة المأمور به، فإن حواء أسوة له -عليه السلام- في حق الأكل بخلاف السُّكنَى فإنها تابعة له فيها، ولتعليق النهي الآتي بهما صريحًا، والمعنى: فكلا منها حيث شئتما، كما في البقرة، ولم يذكر: {رَغَدًا} هنا؛ ثقةً بما ذكر هناك»[9].
فالإمام الآلوسي لم يبين الفرق بين موضعي المتشابه: {وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا}[البقرة: 35]،{فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا}[الأعراف: 19]، عند تفسيره لموضعي المتشابه في سورتي البقرة والأعراف، مع أنّ المقام يحتاج إلى بسط.
ب. إطالة التوجيه أحيانًا، بل وذكر عدة أوجه لاختلاف الألفاظ من موضع لآخر، كما فعل عند توجيه تكرار قوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا}[البقرة: 38][10].
فقد ذكر عدة أوجه للتكرار؛ منها التأكيد حيث قال: «كرر للتأكيد، فالفصل لكمال الاتصال والفاء في: {فَتَلَقَّى}[البقرة: 2] للاعتراض؛ إذ لا يجوز تقدُّم المعطوف على التأكيد، وفائدته الإشارة إلى مزيد الاهتمام بشأن التوبة وأنه يجب المبادرة إليها، ولا يمهل فإنه ذنب آخر مع ما في ذلك من إظهار الرغبة بصلاح حاله -عليه السلام- وفراغ باله، وإزالة ما عسى يتشبث به الملائكة -عليهم السلام-، وقد فضل عليهم وأُمِروا بالسجود له، أو كرر ليتعلق عليه معنى آخر غير الأول، إذ ذكر إهباطهم؛ أوّلًا: للتعادي وعدم الخلود، والأمر فيه تكويني. وثانيًا: ليهتدي من يهتدي ويضل من يضل، والأمر فيه تكليفي. ويسمى هذا الأسلوب في البديع: الترديد، فالفصل حينئذٍ للانقطاع لتباين الغرضين».
ثم نقل رأيًا ثانيًا حيث قال: «وقيل: إنّ إنزال القصص للاعتبار بأحوال السابقين، ففي تكرير الأمر تنبيه على أن الخوف الحاصل من تصور إهباط آدم -عليه السلام- المقترن بأحد هذين الأمرين من التعادي والتكليف كافٍ لمن له حزم، وخلا عن عذر أنْ تعوقه عن مخالفة حكمه تعالى، فكيف المخالفة الحاصلة من تصور الإهباط المقترن بهما؟ فلو لم يُعِد الأمر لعطف {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ}[البقرة: 38] على الأول؛ فلا يُفهم إلّا إهباط مترتّب عليه جميع هذه الأمور».
واستبعد رأيًا ثالثًا حيث قال: «ويحتمل -على بُعدٍ- أن تكون فائدة التكرار التنبيه على أنه تعالى هو الذي أراد ذلك، ولولا إرادته لما كان ما كان؛ ولذلك أسند الإهباط إلى نفسه مجردًا عن التعليق بالسبب بعد إسناد إخراجهما إلى الشيطان، فهو قريب من قوله -عزّ شأنه-: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}[الأنفال: 17]».
ثم ضعّف رأي الجبائي حيث قال: «وقال الجبائي: إنّ الأول: من الجنة إلى السماء. والثاني: منها إلى الأرض، ويضعّفه ذِكرُ: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ}[البقرة: 36]، عقيب الأول، و{جَمِيعًا} حال من فاعل {اهْبِطُوا}؛ أي: مجتمعين، سواء كان في زمان واحد أو لا، وقد يفهم الاتحاد في الزمان من سياق الكلام، كما قيل به في: {فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}[الحجر: 30]، وأبعدَ ابنُ عطية فجعله تأكيدًا لمصدر محذوف، أي: هبوطًا جميعًا»[11][12].
* أيضًا قام بتوجيه آيات المتشابه اللفظي الخاصة بالحروف المقطّعة وأطال التوجيه ونقل الكثير من الآراء[13].
ج. طول النّفَس في توجيه جميع مسائل المتشابه اللفظي بين الآيات في بعض المواضع.
كما فعل في توجيه آيات المتشابه اللفظي الخاصة بالأمر بدخول القرية بين سورتي البقرة والأعراف، فقد قام بتوجيه جميع مسائل المتشابه اللفظي بين الآيات، وعرض رأي الإمام الرازي، وتعقبه، وردّ عليه، ورجح رأي الزمخشري وذكر توجيهات أخرى لمواضع المتشابه اللفظي بين الآيات[14].
حيث نقل رأي الرازي فقال: «وقد ذكر مولانا الإمام الرازي -رحمه الله تعالى- أن هذه الآية ذكرت في الأعراف مع مخالفة من وجوه لنكات؛
الأول: قال هنا: {وَإِذْ قُلْنَا}[البقرة: 58]، لما قدّم ذِكر النعم؛ فلا بد من ذِكر المنعم، وهناك: {وَإِذْ قِيْلَ}[الأعراف: 161]، إذ لا إبهام بعد تقديم التصريح به.
الثاني: قال هنا: {ادْخُلُوا} وهناك: {اسْكُنُوا}؛ لأن الدخول مقدَّم، ولذا قدّم وضعًا المقدّم طبعًا.
الثالث: قال هنا: {خَطَايَاكُمْ} بجمع الكثرة لما أضاف ذلك القول إلى نفسه، واللائق بجُوده غفران الذنوب الكثيرة، وهناك: {خَطِيئَاتِكُمْ} بجمع القلّة إذ لم يصرح بالفاعل.
الرابع: قال هنا: {رَغَدًا} دون هناك لإسناد الفعل إلى نفسه هنا، فناسب ذكر الإنعام الأعظم وعدم الإسناد هناك.
الخامس: قال هنا: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ}[البقرة: 58]، وهناك بالعكس؛ لأن الواو لمطلق الجمع، وأيضًا المخاطبون يحتمل أن يكون بعضُهم مذنبين، وبعضهم الآخر ما كانوا كذلك، فالمذنب لا بد وأن يكون اشتغاله بحطّ الذنب مقدّمًا على اشتغاله بالعبادة، فلا جرم كان تكليف هؤلاء أن يقولوا: (حِطَّةٌ) ثم يدخلوا، وأمّا الذي لا يكون مذنبًا، فالأَولى به أن يشتغل أولًا بالعبادة، ثم يذكر التوبة ثانيًا؛ للهضم وإزالة العجب فهؤلاء يجب أن يدخلوا ثم يقولوا، فلما احتمل كون أولئك المخاطبين منقسمين إلى ذين القسمين، لا جرم ذكر حكم كل واحد منهما في سورة أخرى.
السادس: قال هنا: {وَسَنَزِيدُ} بالواو وهناك بدونه، إذ جعل هنا المغفرة مع الزيادة جزاءً واحدًا لمجموع الفعلين، وأمّا هناك فالمغفرة جزاء قول: {حِطَّةٌ} والزيادة جزاء الدخول فترك (الواو) يفيد توزع كل من الجزاءَين على كل من الشرطين.
السابع: قال هناك: {الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}[الأعراف: 162]، وهنا لم يذكر {مِنْهُمْ}؛ لأنّ أوّل القصة هناك مبنيٌّ على التخصيص بـ{مِنْ}، حيث قال: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ}[الأعراف: 159]، فخص في آخر الكلام ليطابق أوله؛ ولمّا لم يذكر في الآيات التي قبل: {فَبَدَّلَ} هنا تمييزًا وتخصيصًا لم يذكر في آخر القصة ذلك.
الثامن: قال هنا: {فَأَنْزَلْنَا}[البقرة: 59]، وهناك: {فَأَرْسَلْنَا}[الأعراف: 162]؛ لأن الإنزال يفيد حدوثه في أول الأمر، والإرسال يفيد تسليطه عليهم واستئصاله لهم، وذلك يكون بالآخرة.
التاسع: قال هنا: {فَكُلُوا}[البقرة: 58] بالفاء، وهناك بالواو لما مر في: {وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا}[البقرة: 35]، وهو أنّ كل فعل عطف عليه شيء وكان الفعل بمنزلة الشرط، وذلك الشيء بمنزلة الجزاء عطف الثاني على الأول بالفاء دون الواو فلمّا تعلق الأكل بالدخول قيل في سورة البقرة: {فَكُلُوا} ولما لم يتعلق الأكل بالسكون في الأعراف قيل: {وَكُلُوا}.
العاشر: قال هنا: {يَفْسُقُونَ}[البقرة: 59]، وهناك: {يَظْلِمُونَ}[الأعراف: 162]؛ لأنه لمّا بيّنَ هنا كون الفسق ظلمًا اكتفى بلفظ الظلم هناك. انتهى».
وتعقب آراء الرازي حيث قال: «ولا يخفى ما في هذه الأجوبة من النظر؛
أمّا في الأول والثاني والثامن والعاشر فلأنها إنما تصح إذا كانت سورة البقرة متقدمة على سورة الأعراف نزولًا كما أنها متقدمة عليها ترتيبًا وليس كذلك، فإن سورة البقرة كلها مدنية وسورة الأعراف كلها مكية إلّا ثمان آيات، من قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ}[الأعراف: 163]، إلى قوله تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ}[الأعراف: 171]، وقوله تعالى: {اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ}[الأعراف: 161] داخل في الآيات المكية، فحينئذ لا تصح الأجوبة المذكورة.
وأمّا ما ذكر في التاسع فيرد عليه منع عدم تعلُّق الأكل بالسكون؛ لأنهم إذا سكنوا القرية تتسبب سكناهم للأكل منها كما ذكر الزمخشري، فقد جمعوا في الوجود بين سكناها والأكل منها، فحينئذ لا فرق بين: {وَكُلُوا} و{فَكُلُوا} فلا يتم الجواب. وأمّا الثالث فلأنّه تعالى وإنْ قال في الأعراف: {وَإِذْ قِيلَ}[الأعراف: 161]، لكنه قال في السورتين: {نَغْفِرْ لَكُمْ}[البقرة: 58 = الأعراف: 161]، وأضاف الغفران إلى نفسه، فبحكم تلك اللياقة ينبغي أن يذكر في السورتين جمع الكثرة، بل لا شك أن رعاية: {نَغْفِرْ لَكُمْ} أولى من رعاية: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ}؛ لتعلق الغفران بالخطايا كما لا يخفى على العارف بالمزايا.
وأمّا الرابع فلأنّه تعالى وإن لم يسند الفعل إلى نفسه تعالى لكنه مسند إليه في نفس الأمر، فينبغي أن يذكر الإنعام الأعظم في السورتين.
وأمّا الخامس فلأنّ القصة واحدة، وكون بعضهم مذنبين وبعضهم غير مذنبين محقق، فعَلى مقتضى ما ذكر ينبغي أن يذكر: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} مقدمًا في السورتين. وأمّا السادس فلأنّ القصة واحدة، وأن الواو لمطلق الجمع، وقوله تعالى: {نَغْفِرْ} في مقابلة: {وَقُولُوا} سواء قدّم أو أخّر، وقوله تعالى: {وَسَنَزِيدُ} في مقابلة: {وَادْخُلُوا} سواء ذكر الواو أو ترك. وأمّا السابع فلأنّه تعالى قد ذكَر هنا قبل {فَبَدَّلَ} مَا يدلُّ على التخصيص والتمييز، حيث قال سبحانه: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُم}[البقرة: 57] إلخ، بكافات الخطاب وصيغته، فاللائق حينئذ أن يذكر لفظ {مِنْهُمْ} أيضًا».
ورجح آراء الزمخشري حيث قال: «والجواب الصحيح عن جميع هذه السؤالات وما حكاها ما ذكره الزمخشري من أنه لا بأس باختلاف العبارتين إذا لم يكن هناك تناقض، ولا تناقض بين قوله تعالى: {اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ}[الأعراف: 161]، وقوله: {وَكُلُواْ}؛ لأنهم إذا سكنوا القرية فتسبب سكناهم للأكل منها، فقد جمعوا في الوجود بين سكناها والأكل منها، وسواء قدّموا (الحِطَّة) على دخول الباب أو أخّروها، فهم جامعون في الإيجاد بينهما، وتَرْك ذِكر الرغد لا يناقض إثباته، وقوله تعالى: {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف: 161]، موعد بشيئين: بالغفران والزيادة، وطرح الواو لا يخلّ لأنه استئناف مرتّب على تقدير قول القائل: ماذا بعد الغفران؟ فقيل له: {سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}، وكذلك زيادة: {مِنْهُمْ} زيادة بيان، و{فَأَرْسَلْنَا}، و{فَأَنْزَلْنَا}، و{يَظْلِمُونَ}، و{يَفْسُقُونَ} من دار واحد. انتهى».
وحمل المتشابه على التفنن حيث قال: «وبالجملة التفنن في التعبير لم يزل دأب البلغاء، وفيه من الدلالة على رفعة شأن المتكلم ما لا يخفى، والقرآن الكريم مملوء من ذلك، ومَن رامَ بيانَ سرٍّ لكل ما وقع فيه منه فقد رام ما لا سبيل إليه إلا بالكشف الصحيح والعلم اللدني، والله يؤتي فضله من يشاء، وسبحان من لا يحيط بأسرار كتابه إلا هو»[15].
ثالثًا: ذكر توجيه المتشابه في الموضع الأول
1. يذكر الإمام الآلوسي غالبًا توجيه المتشابه اللفظي في الآية الأولى (الموضع الأول).
– مثال ذلك: عند تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة: 2]، قال: «وبعضٌ صحّح أن القرآن في نفسه هدًى في كل شيء حتى معرفة الله تعالى لمَن تأمل في أدلته العقلية وحججه اليقينية، كما يُشعِر به ظاهر قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ}[البقرة: 185]، ويكون الاقتصار على المتقين هنا بناء على تفسيرنا الهداية مدحًا لهم ليبين سبحانه أنهم الذين اهتدوا وانتفعوا به، كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}[النازعات: 45]، مع عموم إنذاره -ﷺ-، وأمّا غيرهم فلا؛ {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا}[الإسراء: 45]، {وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}[الإسراء: 82]، وأمّا القول بأن التقدير: (هدى للمتقين والكافرين) فحذف لدلالة المتقين، على حد: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}[النحل: 81]، فممّا لا يلتفت إليه»[16].
2. لكنه أحيانًا لا يأتي بتوجيه المتشابه في الآية المتقدمة ويأتي به في الآية المتأخرة.
– مثال ذلك: عند تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}[البقرة: 123]، قال: «وقد تفنن في التعبير فجاءت الشفاعة أولًا بلفظ القبول متقدمة على العدل، وهنا النفع متأخرة عنه، ولعله -كما قيل- إشارة إلى انتفاء أصل الشيء وانتفاء ما يترتب عليه، وأعطى المقدّم وجودًا تقدّمه ذكرًا، والمتأخر وجودًا تأخره ذكرًا، وقيل: إن ما سبق كان للأمر بالقيام بحقوق النعم السابقة، وما هنا لتذكير نعمة بها فضّلهم على العالمين وهي نعمة الإيمان بنبيّ زمانهم، وانقيادهم لأحكامه ليغتنموها ويؤمنوا ويكونوا من الفاضلين لا المفضولين، وليتقوا بمتابعته عن أهوال القيامة وخوفها كما اتقوا بمتابعة موسى -عليه السلام-»[17].
3. إلا أنه أحيانًا يذكر بعض التوجيه في الآية الأولى (الموضع الأول)، ولكنه يفصّله أكثر في الآية الثانية (الموضع الثاني).
– مثال ذلك: عند تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[البقرة: 29]، قال: «بقي هاهنا: بيان النكتة في تغيير الأسلوب، حيث قدّم -في الظاهر هاهنا وفي {حم} السجدة- خَلْق الأرض وما فيها على خلقِ السماوات، وعكس في النازعات؛ ولعل ذلك لأن المقام في الأولَين مقام الامتنان فمقتضاه تقديم ما هو نعمة نظرًا إلى المخاطبين، فكأنه قال سبحانه وتعالى: هو الذي دبّر أمركم قبل خلق السماء ثم خلق السماء، والمقام في الثالثة مقام بيان كمال القدرة فمقتضاه تقديم ما هو أدلّ على كمالها. هذا، والذي يُفهَم من بعض عبارات القوم -قدّس الله تعالى أسرارهم- أنّ المحددَ -ويقال له سماء أيضًا- مخلوقٌ قبل الأرض وما فيها، وأن الأرض نفسها خلقت بعدُ، ثم بعد خلقها خلقت السماوات السبع، ثم بعد السبع خلق ما في الأرض من معادن ونبات، ثم ظهر عالم الحيوان، ثم عالم الإنسان، فمعنى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ} حينئذ قدّره أو أراد إيجاده أو أوجد مواده، ومعنى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ}[فصلت: 10] إلخ في الآية الأخرى على نحو هذا، وخلق الأرض فيها على ظاهره ولا يأباه قوله سبحانه: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا}[فصلت: 11] إلخ؛ لجواز حمله على معنى (ائتيا) بما خلقتُ فيكما من التأثير والتأثر وإبراز ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة؛ أو إتيان السماء حدوثها، وإتيان الأرض أن تصير مدحوّة، أو ليأتِ كل منكما الأخرى في حدوث ما أريد توليده منكما، وبعد هذا كله لا يخلو البحث من صعوبة، وما زال الناس يستصعبونه من عهد الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- إلى الآن، ولنا فيه إن شاء الله تعالى عودة بعد عودة، ونسأل الله تعالى التوفيق»[18].
فالإمام الآلوسي عند تفسيره لسورة البقرة (الموضع الأول للمتشابه) ذكر التوجيه مختصرًا، وعند تفسيره لسورة فُصّلت أعاد التوجيه مرة أخرى وأطال جدًّا وذكر الكثير من الآراء[19].
4. وأحيانًا يذكر توجيه المتشابه في الموضع الذي يذكره ولا يبين توجيه الموضع الآخر، وهذا مما يؤخذ عليه.
– مثال ذلك: عند تفسير قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء: 95]، قال: «وإنما قدّم -سبحانه وتعالى- هنا ذِكر الأموال على الأنفس وعكس في قوله -عز شأنه-: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة: 111]؛ لأن النفس أشرف من المال فقدّم المشتري النفس تنبيهًا على أن الرغبة فيها أشد، وأخّر البائع تنبيهًا على أن المماكسة فيها أشد فلا يرضى ببذلها إلا في فائدة»[20].
5. وأحيانًا يذكر التوجيه مرة أخرى ولكن مختصرًا في الموضع الثاني:
– مثال ذلك: عند تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[آل عمران: 164]، قال: «بقي أمر تقديم التعليم على التزكية في آية البقرة، ولعله كان إيذانًا بشرافة التحلية كما أشرنا إليه هناك؛ فتأمل»[21].
فقد قام الإمام الآلوسي بتوجيه المتشابه في الموضع الأول (سورة البقرة)[22]، وحين أتي للموضع الثاني اختصر التوجيه، وأشار إلى ذكره سابقًا.
6. وأحيانًا يأتي بتوجيهٍ مختلف للمتشابه في الموضع الثاني عنه في الموضع الأول:
– مثال: عند تفسير الإمام الآلوسي لآيتي دخول القرية في سورتي البقرة والأعراف؛ في الموضع الأول (سورة البقرة) تعقب آراء الإمام الرازي، ورجّح آراء الزمخشري، ولكنه عند تفسير سورة الأعراف (الموضع الثاني) ذكر توجيهات أخرى للمتشابه، ونقل بعضها من الإمام الرازي[23]. (الإمام الرازي أيضًا ذكر توجيهات للمتشابه بين الآيتين في سورة الأعراف مختلفة عنها في سورة البقرة).
رابعًا: في بعض الأحيان يأتي بالمتشابه ولا يوجهه، ويردّ العلم إلى الله
– مثال ذلك: عند تفسير قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف: 12]، قال: «وفي حكاية التوبيخ هاهنا بهذه العبارة وفي سورة الحجر بقوله تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ}[الحجر: 32]، وفي سورة ص بقوله سبحانه: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص: 75]؛ إشارة إلى أن اللعين أدمج في معصية واحدة غير واحدة، وقد وبخ على كل من ذلك، لكن اقتصر عند الحكاية في كل موطن على ما ذكر فيه؛ اكتفاءً بما ذكر في موطن آخر، وإشعارًا بأن كل واحدة من هاتيك المعاصي كافية في التوبيخ و[إظهار] بطلان ما ارتكبه، وقد تركت حكاية التوبيخ رأسًا في سورة البقرة وسورة بني إسرائيل وسورة الكهف وسورة طه، والله تعالى أعلم بحكمة كلٍّ»[24].
القسم الثاني: ملامح الاشتغال التطبيقي عند الآلوسي في توجيه المتشابه اللفظي:
أولًا: ما اعتمد عليه الإمام الآلوسي في التوجيه
إنّ توجيه المتشابه عملٌ ليس باليسير، ولكي يتمكّن العالم من بيان الفروق الدقيقة بين المواضع فإنه يحتاج ليس فقط لعُدّة تفسيرية متكاملة؛ كاللغة والحديث والقراءات، وإنما كذلك يلزمه توظيف معطيات فنون أخرى؛ كالبلاغة والسياق والفقه. والناظر في توجيه المتشابه عند الآلوسي يجد بروز هذه التكاملية في الأدوات، وهو ما مكّنه من توجيه المتشابه على نحو مدقّق بارع.
فقد اعتمد على اللغة والمعاني، والتوجيه النحوي، وعلم القراءات، والسياق، وظهرت بلاغة المتشابه اللفظي (من تقديم وتأخير، وذكر وحذف، وتعريف وتنكير، وغير ذلك) واضحة في توجيهه للمتشابه اللفظي وحمل توجيه المتشابه على التفنن في التعبير في بعض المسائل، وكذلك مراعاة الفواصل.
أ. اللغة والمعاني:
من الأمثلة على اعتماد الإمام الآلوسي على المعاني في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم قوله في تفسير قوله تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام: 43]: «من الكفر والمعاصي فلم يُخطِروا ببالهم أنّ ما اعتراهم من البأساء والضراء ما اعتراهم إلّا لأجله. والتزيين له معان؛ أحدها: إيجاد الشيء حسنًا مزينًا في نفس الأمر كقوله تعالى: {زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا}[الصافات: 6]. والثاني: جعله مزينًا من غير إيجاد كتزيين الماشطة العروس. والثالث: جعله محبوبًا للنفس مشتهًى للطبع وإن لم يكن في نفسه كذلك، وهذا إمّا بمعنى خلق المَيل في النفس والطبع، وإمّا بمعنى تزويقه وترويجه بالقول وما يشبهه كالوسوسة والإغراء، وعلى هذا يبنى أمر إسناده؛ فإنه جاء في النظم الكريم تارة مسندًا إلى الشيطان كما في هذه الآية، وتارة إلى الله سبحانه كما في قوله تعالى: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ}[الأنعام: 108]، وتارة إلى البشر كقوله -عز وجل-: {زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ}[الأنعام: 137]، فإن كان بالمعنى الأول فإسناده إلى الله تعالى حقيقة، وكذلك إذا كان بالمعنى الثالث بناء على المراد منه أولًا، وإن كان بالمعنى الثاني أو الثالث بناء على المراد منه ثانيًا فإسناده إلى الشيطان أو البشر حقيقة، ولا يمكن إسناد ما يكون بالإغواء والوسوسة إليه سبحانه كذلك. وجاء أيضًا غير مذكور الفاعل كقوله سبحانه: {زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ}[يونس: 12]، وحينئذ يقدّر في كل مكان ما يليق به»[25].
ب. علم النحو:
من الأمثلة على استشهاده بعلم النحو في التوجيه، قال في تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الأنعام: 39]: «وقوله سبحانه: {فِي الظُّلُمَاتِ} أي: في ظلمات الكفر وأنواعه، أو في ظلمة الجهل وظلمة العناد وظلمة التقليد في الباطل؛ =إمّا خبر بعد خبر للموصول على أنه واقع موقع (عُمْيٌ) كما في قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ}[البقرة: 18]، ووجهُ ترك العطف فيه دون ما تقدّمه الإيماءُ إلى أنّه وحده كافٍ في الذمّ والإعراض عن الحق، واختير العطف فيما تقدم للتلازم، وقد يترك رعاية لنكتة أخرى، =وإمّا متعلق بمحذوف وقع حالًا من المستكن في الخبر، كأنه قيل: ضالون خابطين أو كائنين في الظلمات. ورجحت الحالية بأنها أبلغ إذ يُفهم حينئذ أنّ صممهم وبكمهم مقيد بحال كونهم في ظلمات الكفر أو الجهل وأخويه حتى لو أخرجوا منها لسمعوا ونطقوا، وعليها لا يحتاج إلى بيان وجه ترك العطف. وجوّز أبو البقاء أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: هم في الظلمات، وأن يكون صفة لـ(بُكْمٌ) أو ظرفًا له أو لـ(صُمٌّ) أو لِما ينوب عنهما من الفعل»[26].
ج. علم القراءات:
ومن الأمثلة على ذلك: قال في تفسير قوله تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[الفتح: 6]: «{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ}، أي: ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: {دَائِرَةُ السُّوءِ} بالضم[27]، والفرق بينه وبين {السَّوء} بالفتح؛ على ما في الصحاح أنّ المفتوح مصدر، والمضموم اسم مصدر بمعنى المساءة.
وقال غير واحد: هما لغتان بمعنى؛ كالكُرْه والكَرْه عند الكسائي، وكلاهما في الأصل مصدر، غير أن المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمّه، والمضموم جرى مجرى الشر. ولمّا كانت الدائرة هنا محمودة وأُضيفت إلى المفتوح في قراءة الأكثر؛ تعيّن على هذا أن يقال: إنّ ذاك على تأويل أنها مذمومة بالنسبة إلى مَن دارت عليه من المنافقين والمشركين، واستعمالها في المكروه أكثر، وهي مصدر بزنة اسم الفاعل أو اسم فاعل، وإضافتها على ما قال الطيبي من إضافة الموصوف إلى الصفة للبيان على المبالغة، وفي الكشف الإضافة بمعنى (مِن)، على نحو: دائرة ذهبٍ؛ فتدبّر»[28].
د. السياق:
ومن الأمثلة على اعتماده على السياق: قال في الفرق بين التقديم والتأخير في قوله تعالى: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ}[النحل: 14]، وقوله تعالى: {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ}[فاطر: 12].
قال الإمام الآلوسي عند تفسيره موضع سورة فاطر: «وجاء في سورة النحل: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ} بتقديم {مَوَاخِرَ} وتأخير {فِيهِ} وعكَس هاهنا، فقيل في وجهٍ؛ لأنه علّق {فِيهِ} هنا بـ{تَرَى} وثمَّت بـ{مَوَاخِرَ}، ولا يحسم مادة السؤال. والذي يظهر لي في ذلك أن آية النحل سيقت لتعداد النعم، كما يؤذِن بذاك سوابقها ولواحقها وتعقيب الآيات بقوله سبحانه: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا}[النحل: 18]، فكان الأهمّ هناك تقديم ما هو نعمة وهو مَخْرُ الفلك للماء، بخلاف ما هنا فإنه إنما سيق استطرادًا أو تتمةً للتمثيل كما علمت آنفًا، فقدم فيه {فِيهِ} إيذانًا بأنه ليس المقصود بالذات ذلك»[29].
ثانيًا: بلاغة المتشابه اللفظي في تفسير الآلوسي
ظهرت بلاغة المتشابه اللفظي (من تقديم وتأخير، وذكر وحذف، وتعريف وتنكير…إلخ) واضحة في توجيهه للمتشابه اللفظي.
– وأيضًا الإمام الآلوسي حمل بعض توجيهاته للمتشابه اللفظي في القرآن الكريم على (التفنّن في التعبير)[30].
مثال ذلك: بعد تناوُلِ الإمام الآلوسي للفروق بين آيتي الأمر بدخول القرية في سورتي البقرة والأعراف، وتعقُّبِ آراء الإمام الرازي، وترجيحِ آراء الزمخشري؛ قال في آخر التوجيه: «وبالجملة التفنن في التعبير لم يزل دأب البلغاء، وفيه من الدلالة على رفعة شأن المتكلم ما لا يخفى، والقرآن الكريم مملوء من ذلك، ومَن رامَ بيانَ سرٍّ لكل ما وقع فيه منه فقد رام ما لا سبيل إليه إلّا بالكشف الصحيح والعلم اللدني، والله يؤتي فضله من يشاء، وسبحان من لا يحيط بأسرار كتابه إلّا هو»[31].
ففي هذا المثال يتضح أن الإمام الآلوسي ذكر التفنن في التعبير في آخر التوجيه بعد ذِكر توجيهات أخرى ولم يجعله عمدة في التوجيه، إلّا أنه جعل التفنن في التعبير عمدة في التوجيه في بعض المواضع؛ ومثال ذلك: عند تفسيره لقول الله -عز وجل-: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[الجاثية: 5]، فقال: «والمغايرة بين ما هنا وما في سورة البقرة أعني: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ}[البقرة: 164] الآية؛ للتفنن، والكلام المعجز مملوء منه، وذكر الإمام في ذلك ما لا يهش له السامع فتأمل»[32].
وقد ذكر الإمام الآلوسي التفنن في التعبير في توجيه حوالي خمس وعشرين مسألة من مسائل المتشابه اللفظي التي تناولها[33]؛ ذكر التفنن في آخر التوجيه بعد ذكر أسباب أخرى أحيانًا، وجعل التفنن في التعبير عمدة في التوجيه في بعضها.
وقد قام د/ ياسر محمد بابطين بتتبع الأساليب التي حملها الإمام الآلوسي على التفنن فيمكنك الرجوع إليها للمزيد[34].
-حمل الإمام الآلوسي أيضًا توجيه المتشابه على مراعاة الفواصل[35] في ثلاث مسائل من مسائل المتشابه اللفظي التي وجهها:
المسألة الأولى: عند تفسيره لقول الله -عز وجل-: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}[الأعراف: 121، 122]، قال: «ولذا قدّم هارون في محلٍّ آخر؛ لأنّه أَدخَلُ في دفع التوهُّم أو لأجل الفاصلة أو لأنه أكبر سنًّا منه، وقدّم موسى هنا لشرفه أو للفاصلة، وأمّا كون الفواصل في كلام الله تعالى لا في كلامهم فقد قيل: إنه لا يضر»[36].
المسألة الثانية: عند تفسيره لقول الله -عز وجل-: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[النحل: 109]، قال: «ووقع في آية أخرى: {الْأَخْسَرُونَ}[هود: 22]، وذلك لاقتضاء المقام على ما لا يخفى على الناظر فيه، أو لأنّه وقع في الفواصل هنا اعتماد الألِف؛ كالكافرين والغافلين، فعبّر به لرعاية ذلك، وهو أمرٌ سهل»[37].
المسألة الثالثة: عند تفسيره لقول الله -عز وجل-: {فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا}[الأحزاب: 26]، قال: «وقدّم مفعول {تَقْتُلُونَ}؛ لأنّ القتل وقع على الرجال وكانوا مشهورين وكان الاعتناء بحالهم أهمّ، ولم يكن في المأسورين هذا الاعتناء بل الاعتناء هناك بالأسْرِ أشدّ، ولو قيل: (وفريقًا تأسرون)، لربما ظن قبل سماع (تأسرون) أنه يقال بعد: تهزمون؛ أو نحو ذلك. وقيل: قدّم المفعول في الجملة الأولى لأن مساق الكلام لتفصيله، وأخّر في الثانية لمراعاة الفواصل، وقيل التقديم لذلك وأمّا التأخير فلئلّا يَفصِل بين القتل وأخيه -وهو الأسر- فاصلٌ، وقيل: غُويِرَ بين الجملتين في النظم لتغاير حال الفريقين في الواقع؛ فقد قدّم أحدهما فقُتِل، وأخّر الآخر فأُسِر»[38].
في هذه المسألة نقل الإمام الآلوسي عدة آراء في تقديم مفعول (تقتلون)، وتأخير مفعول (تأسرون)، وذكر منها مراعاة الفواصل.
ثالثًا: الإمام الآلوسي أحيانًا يحاول الجمع بين موضعي المتشابه اللفظي
– مثال ذلك: عند تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[هود: 40]، قال: «ولا تنافي بين هذا وقوله سبحانه: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا}[القمر: 12]؛ إذ يمكن أن يكون التفجير غير الفوَران فحصل الفوَران للتنور والتفجير للأرض، أو يراد بالأرض أماكن التنانير، ووزنه (تَفْعُول) من النور، وأصله (تَنْوُور) فقلبت الواو الأولى همزة لانضمامها، ثم حذفت تخفيفًا، ثم شددت النون عوضًا عما حذف، ونقل هذا عن ثعلب»[39].
فقد قال الإمام الآلوسي: (لا تنافي)، وحاول الجمع بين موضعي المتشابه.
– مثال آخر: عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}[الأنفال: 2]، قال: «{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} أي: فزعت استعظامًا لشأنه الجليل وتهيُّـبًا منه -جل وعلا-. والاطمئنانُ المذكور في قوله سبحانه وتعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد: 28] لا يُنافي الوجل والخوف؛ لأنه عبارة عن ثلج الفؤاد وشرح الصدر بنور المعرفة والتوحيد وهو يجامع الخوف، وإلى هذا ذهب ابن الخازن، ووفَّق بعضهم بين الآيتين بأنّ الذِّكر في إحداهما ذكر رحمة، وفي الأخرى ذكر عقوبة، فلا منافاة بينهما»[40].
الخاتمة:
تبيّن من خلال هذا المقال أهم الملامح التي تميز منهج الإمام الآلوسي في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم وتعكس عنايته بتوجيهه، وتظهر شخصيته الواضحة في تحليل مسائله، وأهمية دراسة المتشابه اللفظي في تفسيره.
وقد استفاد الإمام الآلوسي ممن سبقه من العلماء، وظهرت شخصيته في نقد بعض الآراء التي لا يرى صحتها، واستمد منه مَن بعدَه توجيه العديد من المسائل، وانفرد عن علماء المتشابه اللفظي بتوجيه العديد من المسائل؛ وهذا ما سألقي عليه الضوء في مقال لاحق بإذن الله.
*ريم عبد الفتاح
[1] يُنظر: توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم بين تفسير الرازي وتفسير الآلوسي، رسالة ماجستير، جامعة المنوفية، مصر، الباحثة: ريم عبد الفتاح، ص128.
[2] اعتمد الإمام الرازي على أسلوب المناقشة بعرض سؤال وجواب، وقد أشرت إلى ذلك في مقال سابق tafsir.net/article/5319.
[3] الإمام الكرماني ترك أيضًا أسلوب الخطاب والمناقشة، للمزيد يُنظر: توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم بين القدامى والمحدثين، الجزء الأول، (1/ 138، 139).
[4] روح المعاني، (4/ 98).
[5] روح المعاني، (1/ 230).
[6] روح المعاني، (1/ 514).
[7] روح المعاني، (5/ 20).
[8] روح المعاني، (1/ 236).
[9] روح المعاني، (4/ 339).
[10] ينظر نص المسألة كاملة في: روح المعاني، (1/ 239).
[11] روح المعاني، (1/ 239).
[12] ينظر نص المسألة كاملة: روح المعاني، (1/ 239).
[13] يُنظر: توجيه الإمام الآلوسي للحروف المقطعة ونقله للآراء، روح المعاني، (1/ 101- 106).
[14] يُنظر نص المسألة: روح المعاني، (1/ 268، 269).
[15] روح المعاني، (1/ 268، 269).
[16] روح المعاني، (1/ 112، 113).
[17] روح المعاني، (1/ 371).
[18] روح المعاني، (1/ 219).
[19] يُنظر نص المسألة: روح المعاني، (12/ 357).
[20] روح المعاني، (3/ 118).
[21] روح المعاني، (2/ 326).
[22] يُنظر نص الموضع الأول: روح المعاني، (1/ 417).
[23] يُنظر الموضع الأول (سورة البقرة): روح المعاني، (1/ 268- 269)، الموضع الثاني (سورة الأعراف) روح المعاني، (5/ 83- 84).
[24] روح المعاني، (4/ 329).
[25] روح المعاني، (4/ 143).
[26] روح المعاني، (4/ 140).
[27] يُنظر: النشر في القراءات العشر، محمد بن محمد الدمشقي الشهير بابن الجزري، أشرف على تصحيحه: محمد على الضباع، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، (2/ 280).
[28] روح المعاني، (13/ 249).
[29] روح المعاني، (11/ 353).
[30] ذكر د/ ياسر بابطين أقوال العلماء في تعريف التفنن: «والتفنن في اللغة أصله: فنن، جاء في العين: الرجل يُفَنِّنُ الكلام، أي: يشتقُّ في فَنٍّ بعد فَنٍّ، وفي (الصحاح): والأفانين: الأساليب، وهي أجناس الكلام وطرقه، ورجل متفنن أي: ذو فنونٍ، وافْتَنَّ الرجل في حديثه وفي خطبته إذا جاء بالأفانين، فالتفنن في اللغة: التنويع بين ضروب الشيء، وكلُّ ضربٍ منها فنٌّ. أمَّا في الاصطلاح فلعل من أوائل الإشارات إلى مفهوم التفنن قول الشهاب الخفاجي: «والتفنن والافتنان: الإتيان بفنونٍ وأنواعٍ من الكلام، وهو أعم من الالتفات؛ لشموله اختلاف وجوه الإعراب في النعوت المقطوعة. وعبارة الشهاب ليست جامعة مانعة، فقد ساقها شرحًا لعبارة البيضاوي، خلافًا لابن عاشور الذي اتجهت عنايته إلى تعريف (التفنن) حيث يقول عن القرآن: “ومن أساليبه ما أسميه بـ(التفنن) وهو: بداعة تنقلاته من فنٍّ إلى فن بطرائق الاعتراض والتنظير والتذليل، والإتيان بالمترادفات عند التكرير تجنبًا لثقل تكرير الكلم، وكذلك الإكثار من أسلوب الالتفات المعدود من أعظم أساليب التفنن عند بلغاء العربية، فهو في القرآن كثير”. من هنا يمكن القول: إن التفنن هو تنويع الألفاظ أو الأساليب في المعنى الواحد عدولًا عن التكرار، وتنويع الألفاظ يندرج فيه: تغاير المفردات أو صيغها، وتنويع الأساليب يندرج فيه: تغاير التراكيب والصور». يُنظر: حمل المتشابه على التفنن: تفسير الآلوسي أنموذجًا، د/ ياسر بن محمد بابطين، مجلة معهد الإمام الشاطبي للدراسات القرآنية، العدد الثامن عشر، (ص256- 258).
[31] روح المعاني، (1/ 269).
[32] روح المعاني، (13/ 139).
[33] توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم بين تفسير الرازي وتفسير الآلوسي، رسالة ماجستير، جامعة المنوفية، مصر، الباحثة: ريم عبد الفتاح، ص147.
[34] حمل المتشابه على التفنن: تفسير الآلوسي أنموذجًا، (ص278- 294).
[35] والفاصلة القرآنية قد تكون كلمة من بنية آية قصيرة، وقد تكون كلمة من بنية جملة تأتي في نهاية الآية معقبة أو مقررة أو مؤكدة…إلخ، وهي في كل الحالات تنتهي بصوت قد يتكرر محدثًا إيقاعًا في صورة السجع وقد لا يتكرر، ولكنها دائمًا تحتفظ بإحدى صور التوافق الصوتي مع الفواصل السابقة واللاحقة لإحداث الإيقاع، كأنْ تكون الكلمتان على زنة واحدة أو من فصيلة صرفية واحدة أو غير ذلك. يُنظر: فواصل الآيات القرآنية دراسة بلاغية دلالية، د/ السيد خضر، مكتبة الآداب- القاهرة، الطبعة الثانية، (ص5). أيضًا يقول الشيخ ابن عثيمين: ومراعاة الفواصل أمر ورد به القرآن -حتى إنه من أجل المراعاة يقدم المفضول على الفاضل- كما في قوله تعالى في سوره طه: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى}[طه: 70]؛ لأن سورة طه كلها على فاصلة ألِف إلّا بعض الآيات القليلة؛ فمراعاة الفواصل إذًا من بلاغة القرآن، يُنظر: تفسير القرآن الكريم، سورة البقرة، للشيخ: محمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، الطبعة الثانية، (2/ 39).
[36] روح المعاني، (5/ 27)، نوع المتشابه في هذه المسألة: متشابه بالتقديم والتأخير.
[37] روح المعاني، (7/ 474)، نوع المتشابه في هذه المسألة: متشابه باختلاف الصيغة الصرفية (الخاسرون) اسم فاعل، (الأخسرون) أفعل تفضيل.
[38] روح المعاني، (11/ 172)، نوع المتشابه في هذه المسألة: متشابه بالتقديم والتأخير.
[39] روح المعاني، (6/ 251).
[40] روح المعاني، (5/ 155).