كتاب “القرآن في الفكر الاستشراقي المعاصر: مقاربات نقدية لموسوعة القرآن (ليدن)”[1] مهم في فهم نظرة الاستشراق المعاصر للقرآن الكريم، من خلال نقده لأهم موسوعه قرآنية، Encyclopaedia of the Qur’ā، والتي صدرت على مدار خمسة أعوام من (2001 حتى 2006) في ستة أجزاء، بما فيها الفهارس، تحت إشراف البروفيسورة ” جين دامين مكاولفي”[2] Jane Dammen McAuliffe.

مازال القرآن الكريم-وسيظل- يشغل أذهان الناس جميعا، بما فيهم المسلمون، فهو نص مُعجز في كل شيء، في مبناه ومعناه، فهو خطاب الخالق-سبحانه وتعالى- للإنسان، ورغم ذلك تعرض لهجوم دائم، خاصة من جانب المستشرقين، الذي اتهموا القرآن بكل نقيصة، ووصفوه بكل ما لا يليق، وكان من أبرز مزاعمهم حول القرآن مسألة التحريف، وأنه نسخة معدلة عن التوارة والإنجيل، وكذلك التشكيك في مصدريته السماوية، ثم محاولة فصل القرآن عن واقع المسلمين.

وقد عرفت الدراسات الغربية الحديثة عن القرآن صدور عدة موسوعات، منها:

المعجم القرآني:  Dictionnaire du Coran: وهو معجم تاريخي نقدي للقرآن الكريم، باللّغة الفرنسيّة، عمل على إعداده 27 باحثًا مختصًّا في الترّاث الإسلامي، تحت إشراف البروفيسور “محمد علي أمير معزي” Mohammad Ali Amir-Moezzi وهو فرنسي من أصلٍ إيراني، واستمر العمل فيه خمس سنوات، وصدر عام2007، متضمنا (500) مقالة، ويقع في 1028 صفحة.

دليل أكسفورد حول الدّراسات القرآنيّة The Oxford Handbook of Qur’anic Studies: وهو من تأليف باحثين مسلمين، منهم الدكتور محمد عبد الحليم، ويقع في 900 صفحة

القرآن: كموسوعة: The Quran – An encyclopedia: وصدرت عام 2005 في مجلد واحد، في حوالي 800 صفحة، وساهم فيها 43 مختصًّا في الدّراسات القرآنيّة والتراثيّة منهم المسلمون وغير المسلمين، وترأّس تحريرها: الدكتور اوليفر ليمان: Oliver Leaman وهو أستاذ الفلسفة والدراسات اليهودية في جامعة كنتاكي الأمريكية، وحوت الموسوعة حوالي 600 مدخلًا عن القرآن، ووصف القرآن بقوله: “ولا يفقد النص نضارته على مر الزمن.

قرآن المؤرخين:   Le coran des historiens: وصدر عام 2019 ، في ثلاث مجلدات موزعة على  3450 صفحة، وساهم فيه 26 باحثًا في الدّراسات القرآنيّة من مختلف الجامعات الأوروبيّة، وبإشراف “محمد علي أمير معزي”، واستمر العمل في هذه الموسوعة خمس سنوات.

ويلاحظ أن أغلب هذه المشاريع صدرت بعد أحداث 11 سبتمبر أيلول 2001 ، حيث وجد توجه قوى لدراسة الإسلام والقرآن، واهتمام أوسع بالحضارة الإسلاميّة ونصوصها التأسيسيّة.

كتاب القرآن كموسوعة (يمين ) - كتاب قرآن المؤرخين (يسار)
كتاب القرآن كموسوعة (يمين ) – كتاب قرآن المؤرخين (يسار)

موسوعة ليدن

وقد صدرت “موسوعة ليدن” فعلاً عام 2001 في نفس السياق التاريخي المأزوم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لكن العمل بدء فيها منذ العام 1993م، في مدينة “ليدن” الهولنديّة المشهورة بجامعتها ودار نشرها التاريخيتين، تحت إشراف السيدة “جين دامين مكاولفي“، اعتمادا على أربعة باحثين أساسيين، من بينهم السيدة اللبنانية “وداد القاضي”، والفرنسي “كلود جيلوت”، والأمريكي “وليام براهام”، والكندي”أندرو ريبين” وكان للموسوعة هيئة مستشارين من جنسيات مختلفة منهم: “نصر حامد أبو زيد”، و”محمد أركون”، وتشكلّت الهيئة التحريرية من  278 باحثًا، حوالي 20 % منهم فقط من المسلمين، وبلغت المداخل في الأجزاء الخمسة حوالي 690 مدخلًا.

أمّا دار النشر: فهي مؤسّسة “بريل” تساهم الدار في إصدار نحو 100 مجلة علمية أكاديمية و 500 عنوان جديد سنويا، كما أنها من أوائل دور النشر الأجنبية التي طبعت بالحروف العربية، والتي كانت تترجم في البدايات إلى اللاتينيّة ثمّ لاحقًا إلى اللّغات الأوروبيّة الحيّة كالألمانيّة، والإنجليزيّة، والفرنسيّة، تأسّست “بريل” عام 1683 م، وتعاونت مع جامعة “ليدن” التي تأسّست عام 1578 م، على تحقيق التراث العربي والإسلامي ونشره.

وقد حرصت الهيئة العلميّة للموسوعة أن يكون للتفسير حضورٌ في مداخلها، ولكن دون أن تتحوّل الموسوعة إلى دائرة تفسير، بمعنى أن يستعين الباحثون بآراء المفسّرين وظيفيًّا، وفي سياق تنقيح العناوين القرآنيّة، وجاء التصنيف المعجمي للموسوعة حسب ترتيب اللغة الإنجليزية، نظرا لأن الموسوعة متوجهة للقارئ الغربي، ولم يُستثنِ إلّا المفردات العربية، التي ليس لها مرادف في اللّغة الإنجليزيّة، كـ “زقّوم” و”برزخ”.

وراعت الموسوعة، التخصص للمحررين في المداخل التي يكتبونها، فمثلا مدخل “جمع وتدوين القرآن” كتبه “جان برتن” John Burton مؤلّف كتاب “تدوين القرآن” The Collection of the Quran الصادر عام 1977، حيث يعتبر  المؤلف من كبار المختصين في هذا المجال، وأكدت الموسوعة في مقدمتها، الاستعداد للمراجعة والتطوير، اعتمادا على قناعةٍ موضوعيّةٍ، وهي: أنّ العمل لن يخلو قطعًا من نقائص، وثغرات.

هذا التّنوّع في المؤلِّفين والنسبة القليلة للمقالات التي كتبها أغلب الباحثين، عدد الباحثين الذين كتبوا مقالة واحدة حوالي 123 باحثًا، فرغم ما توحي به من تنوع وتعددية في الأفكار والآراء، إلا أنها انعكست على صعيد التناغم والانسجام بين مضامين المقالات، كذلك يتفاوت حجم المقالات فبعضها لا يتجاوز الصفحة الواحدة، وبعضها الآخر قد يتعدّى العشرين صفحة، وعدد المقالات التي بلغت صفحاتها عشر فأكثر حوالي 55 مقالة.

وقد تناولت الموسوعة مختلف المواضيع القرآنيّة وفق منهجيّةٍ علميّةٍ موضوعيّةٍ توفّرت فيها صفتان رئيستان، هما: الأكاديميّة من جهة، والرّصانة العلميّة من جهةٍ أخرى، كما تضمّنت الموسوعة معلوماتٍ وافرةً ومستفيضةً حول المفسرين والعلماء المسلمين في متن الدّراسة وهوامشها الإحاليّة على حدٍّ سواء، وعالجت الموسوعة كثيرا من قضايا القرآن الكريم ومباحثه وعلومه في ضوء المقاربة الموضوعاتيّة، أو تحليل المضمون، مثل: الحياة اليوميّة في القرآن، والحواسيب والقرآن، وتعدّد المعاني في القرآن، والنّسويّة والقرآن، وقرّاء القرآن، وطباعة القرآن، وترجمات القرآن.

دليل أكسفورد حول الدّراسات القرآنيّة (يمين ) - كتاب المعجم القرآني (يسار)
دليل أكسفورد حول الدّراسات القرآنيّة (يمين ) – كتاب المعجم القرآني (يسار)

رؤى استشراقية

وتناولت الموسوعة مباحث لم يتناولها المسلمون في مباحث علوم القرآن، مثل: مواضيع الكتابة والتوثيق والمخطوطات القرآنيّة، ومواضيع الجندر، والمواضيع السوسيولوجيّة، وقضايا التّعدّد الدّيني، وموضوع الأساطير والسّحر والشعوذة والدواء.

لم تخل الموسوعة من بعض الرؤى الاستشراقية التقليدية، حول مسألة تدوين القرآن، والعلاقة بين الشفهي والتدوين في حفظ النص القرآني، وكذلك ترتيب السور، ومخطوطات القرآن الكريم، وطرق جمع القرآن، وهي أمور تستخدم في الطعن في مصداقية القرآن، والتشكيك في صحّته وروايته ونقله، على اعتبار أنه لم يدوّن في لحظات نزول الوحي، حيث تعامل المستشرقون مع القرآن بنفس آليات التعامل مع التوارة والإنجيل، وهو خطأ كبير، إذ للقرآن خصوصيته وتجربته المتفردة في التدوين، والتي كانت تعتمد على الحفظ في الصدور، وإن كانت التجربة الإسلامية عرفت تدوينا للقرآن في فترة نزول الوحي.

وحوت الموسوعة بعض المداخل التي خلطت بين النص القرآني، وبين التجربة التاريخية للمجتمعات المسلمة، وزعمت أنّ القرآن الكريم يحوي أساطير وخرافات، أو أن الإسلام يشجّع العبوديّة، أو أن النصوص القرآنية تنظر للمرأة بشكل متدني، أو أن تلك النصوص لم تبلغ في تحرير المرأة، الواقع الغربي الحالي، ومع ذلك مازال القرآن هو المدخل لفهم الإسلام المسلمين.


[1] الكتاب هو التاسع ضمن سلسلة “القرآن في الدراسات الغربية”، وشارك فيه، مجموعة من المؤلفين، وهو صادر عن المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية، في بيروت، عام 2021 في 650 صفحة، وهو نتاج أعمال مؤتمر عقد في سبتمبر 2020

[2]  باحثة وأكاديمية أمريكية، وإحدى أبرز المستشرقيين الأمريكيين والغربيين في الدراسات القرآنية، وهي من مواليد 1944م