التعليم باللغة الأجنبية قضية تؤرق العديد من العائلات، مع كل دخول مدرسي. ماهو الأفضل للطفل البدء بتعلم اللغة العربية أو اللغة الأجنبية أم الإثنان معا؟ هل التعليم باللغة الأجنبية فعلا هو تسليح للطفل في المستقبل كما يدعي البعض؟ وإذا ما توفر التعليم باللغة الأجنبية بالتوازي مع اللغة العربية وتحفيظ القرآن فلماذا نحرم أبناءما من التميز؟ وهل لذلك نتائج غيجابية أم سلبية؟
تقع الكثير من الأسر في مثل هذه الحيرة.. ولولا أن لكل وضع مزاياه الظاهرة وعيوبه الظاهرة لما كان هناك ما يحير في الأمر. والحقيقة أن في مسألة التعليم باللغة الأجنبية هناك نقاطا لا خلاف عليها ونقاطا أخرى محل خلاف وجدل كبير، وهنا لابد لنا أن نفرق بين أمرين تعليم اللغات الأجنبية؛ والتعليم باللغة الأجنبية.
لا للتعميم
وما يتفق عليه غالبا هو تعليم الأطفال اللغات الأجنبية، وما يختلف عليه التعليم الكلي باللغة الأجنبية بحيث يدرسون مناهجهم المختلفة من رياضيات وعلوم ودراسات اجتماعية باللغة الأجنبية، وهذا هو محل خلاف الكثير من الباحثين.
“ليس هناك تعميم مطلق في أي موضوع على وجه الأرض” وهذا في حد ذاته يريحنا أننا نحاول أن نقترب من أفضل الظروف بالنسبة لنا.
ولذا لن نقول لأي أم أو أب أدخل طفلك كذا أو كذا بل سنترك لكهما الاختيار بالطبع وكل ما سنفعله هو أن نطلعهم على النقاط التي لابد من التفكير فيها أثناء دراسة هذا الأمر واتخاذ القرار بشأنه.
6 نقاط لخيار التعليم باللغة الأجنبية
ما هي النقاط التي توضع في الاعتبار أثناء اختيار التعليم باللغة الأجنبية أو اللغة الأم:
1– قدرة طفلي اللغوية، ولدينا هنا بعض الحقائق:
*الأطفال ممن يتمتعون بنمو لغوي قوي يمكنهم تعلم أكثر من لغة منذ طفولتهم المبكرة اعتمادا على فكرة نوافذ الفرص، والتي تعني أفضل وقت لنمو قدرة ما؛ وهناك الكثير من الأبحاث التي تحدثت عن أن نوافذ الفرص للغة تكون في سن مبكرة؛ وهو ما جعل البعض ينادي بضرورة اغتنام هذه الفرصة ليتعلم الطفل لغات متعددة.
وهنا لابد من التأكد من نمو ابنك اللغوي نموا سليما بل متقدما ليكون ضمن من نقول بشأن تعليمهم اللغات في سن مبكرة: “إنها فرصة عظيمة لا يمكن أن نضيعها”. وهذه النقطة تعرف بالملاحظة الدقيقة لابنك، ومعرفتك بسمات النمو اللغوي في المراحل العمرية المختلفة. والاستعانة بمتخصص يقيم قدراته اللغوية، وهناك العديد من أدوات القياس والتشخيص التي يمكن أن تطلعنا على نمو أولادنا.
* الأطفال الذين يتقنون اللغة الأم يكون لديهم قدرة أعلى على التمكن من التعليم باللغة الأجنبية، وهو ما يشير لأهمية شديدة لاكتساب اللغة الأم والتمكن منها أسبق من تعليم اللغة الأجنبية؛ ثم يستمر الاهتمام باللغة الأم وتدعيمها جنبا إلى جنب مع اللغة الأجنبية.
* في حالة وجود مشكلة كالتلعثم أو التأتأة أو غيرها من عيوب النطق والتأخر اللغوي؛ فلابد من استشارة متخصص ليحدد قدرة الطفل على ملاحقة تعلم اللغات الأجنبية.
2- مستوى المدارس التي تدرس باللغة الأم فيما يخص المستوى التعليمي للمدرسة، ومستوى تعليم اللغة الأجنبية بها، والأنشطة التربوية، والمستوى الاجتماعي للطلاب والمعلمين، والتأهيل التربوي للمدرسات، وسعة الفصل، وعدد الأطفال في الفصل الواحد.
فبعضنا يلجأ للمدارس التي تقوم بالتعليم باللغة الأجنبية لعدم توافر مدارس ذات مستوي جيد تعلم للغة الأم، وهذه واحدة من المشكلات التي تواجه الأسر في بعض الدول العربية، فالأسرة تريد مستوى اجتماعيا لائقا بالنسبة للطلاب وأسرهم، فضلا عن المستوى الاجتماعي الملائم للمعلمين والعاملين بالمدرسة، بالأضافة إلي مستوى المدرسة كما ذكرت من حيث عدد الأطفال في الفصل، والاهتمام بالنواحي التعليمية، والتربوية، بحيث يصبح وجود الطفل في هذه المدرسة ميزة حقيقية.
إن وجدت هذه المدرسة -التي تعلم باللغة الأم- ووجد معها قدرة على بذل جهد حقيقي في التعليم باللغة الأجنبية في مسارات مختلفة عن المدرسة فيكون هذا الوضع ملائما للكثير من الأطفال، وأكرر فلنفكر في حدود الإمكانيات والقدرات الحقيقية لنا فتعلم لغة أجنبية بشكل جيد يتطلب دورات متخصصة، ومعلم متميز، وانتقال، ومصاريف مختلفة، وجهد، ووقت من الطفل لينظم بين واجباته المدرسية وتعلم اللغات، ووقت من الأسرة للمتابعة والتوصيل، ولذا لابد من التفكير الموضوعي قبل أي اختيار.
اللغة الأم والحفاظ على الهوية
ولا ننكر أبدا الميزة العالية جدا للتعلم باللغة الأم مثل الحفاظ علي الهوية والتمكن من المواد الدراسية المختلفة، حيث يمكن للطالب أن يفكر ويستوعب بلغته أفضل بكثير مما يحدث مع لغة أجنبية، إلا إذا تمكن تمكنا قويا من اللغة الأجنبية ليمكنه التعلم بسلاسة بها وعن طريقها وهو ما لا يتوفر في مدارس اللغات “الدرجة الثانية والثالثة” إن صح التعبير؛ حيث إنها تسمى لغات ولكن مستوى تدريس اللغة بها ضعيف جدا مما يسبب ضعفا تعليميا عاما لدى طلابها فهم لم ينالوا بلح الشام أو عنب اليمن، وإنما فقط الانتساب اسما لمدرسة لغات!.
ولذا، المدرسة الجيدة هي التي تعلم وتربي فإذا توفرت حلت جزءا من المتطلبات، يبقى الجزء الثاني الهام جدا أيضا وهو إتقان اللغات الأجنبية لأنه ضرورة ضرورة ضرورة.. فيكون الشق الثاني من التفكير في الكيفية التي يمكننا بها تعليم اللغات الأجنبية لأطفالنا.
3- مستوى التعليم باللغة الأجنبية في المدرسة:
بعد أن اتفقنا على أن تعليم أولادنا لغة أجنبية أمر مفروغ منه، من المهم أن نقف على مستوى التعليم باللغة الأجنبية في المدارس التي تدرس باللغة الأم: ما مستوى تدريس اللغات الأجنبية بها؟ كيف هي كفاءة معلمي اللغات بها؟ مدى توفر طرق التدريس الفعالة للغات، ومدى إتاحة وقت وجهد حقيقي لإتقان الأطفال للغات المختلفة؟ وقدرتي كأسرة على تكثيف تعليم اللغات الأجنبية جنبا إلى جنب مع المدرسة.
4– مستوى إجادة الأسرة للغة الأجنبية.
إن مستوى التدريس بالمدارس بشكل عام يزيد من أهمية دعم الأهل لأطفالهم تعليميا. وتعليم الأطفال بلغة أجنبية يستلزم إتقان أحد الوالدين لهذه اللغة، فعدم معرفتهم بها تجعلهم غير قادرين على مساعدة أطفالهم ودعمهم، بالإضافة إلى أهمية أن يكون للوالدين سعة في الوقت والجهد لمساعدة أولادهم، خاصة وأن التعلم باللغة الأجنبية يتطلب من المتعلم قراءة حرة بهذه اللغة حتى لا تكون معوقا عن استيعاب المواد الدراسية المختلفة.
5– مستوى اهتمام الأسرة باللغة الأم وطرائقها:
إذا اخترنا تعليم أولادنا بلغة أجنبية، فلابد أن نركز تركيزا شديدا على إتقان العربية؛ فاللغة وعاء الفكر؛ والطفل مهلهل اللغة مهلهل الفكر. فلابد أن ننتبه انتباها شديدا لكثرة الاطلاع والقراءة والحوار باللغة الأم جنبا إلى جنب مع اللغة الأجنبية.
6– نقاط القوة لدى الطفل:
قد يتميز بعض الأطفال في العلوم مثلا، وتصبح اللغة عائقا لإبداعهم وتميزهم فيها، وهنا علينا أن نقرر ما الذي نريد الوصول إليه: “تفوق الابن العلمي أم تمكنه من اللغات…”.
نحتاج لوقفة لنفكر في الأولويات الأهم؛ هناك بعض الحالات التي يكون فيها التميز العلمي هو الأولوية -ولا أعني هنا أن هناك طريقا واحدا ولكن من خلال التجربة الواقعية يمكن أن نقول إن هناك طرقا مختلفة منها: التمكن من التعليم باللغة الأجنبية بحيث لا تقف عائقا أمام فهم العلوم واستيعابها؛ مع القراءة الإضافية للعلوم باللغتين العربية والأجنبية؛ مع الاستعانة أحيانا بالشرح بالعربية والترجمة بين اللغتين؛ “علما بأن هذه النقطة مثار خلاف بين الباحثين فمنهم من يرى ضرورة تفسير الماء بالماء؛ أقصد تفسير اللغة الأجنبية باللغة الأجنبية؛ ومنهم من يرى إمكانية الاعتماد على اللغة الأم لتيسير اللغة الأجنبية.
هدفي في هذه اللحظة هو التمكن من العلوم وليس التمكن من اللغة فيكون اختيار التيسير بالعربية متاحا في حدود قليلة، ويصبح للتعليم باللغة الأجنبية وإتقانها وقت آخر غير وقت العلوم. وتعد الأنشطة العلمية من الوسائل الأخرى التي لجأت إليها بعض مواقع الإنترنت التي بها ألعاب وأنشطة تفاعلية..
ماذا نريد من وراء التعليم باللغة الأجنبية؟
المهم أن نعرف ماذا نريد من وراء التعليم باللغة الأجنبية؟ وما السبل التي يمكن أن توصلنا لما نريد؛ وما الأشياء التي قد تتأثر أو تمثل عيوبا ونقصا لنفكر فيها ونضعها في اعتبارنا
يبقى أن نأكد علي ضرورة التفكر في هدفنا الحقيقي من تعليم أولادنا سواء لغة أجنبية أو باللغة الأجنبية لأننا يمكننا أن نحقق الأهداف بطرق مختلفة، فيجب ألا نضل ونعامل الوسيلة على أنها هدف في حد ذاته. للأسف الكثير من الأسر لا تدرك هدف التعليم باللغة الأجنبية وإنما تسير في الركب فحسب مما يسبب لها تشويها حقيقيا فلا هي عربية ولا هي أجنبية الثقافة.
علينا أن نوعي أطفالنا ونضع دوما أمامهم هدفنا من التعليم باللغة الأجنبية: “إننا نتعلم اللغات لنتواصل مع الثقافات الأخرى؛ وليتاح لنا فرص أفضل في العمل والدراسة؛ ولنرى العالم رؤية أوسع؛…” ونؤكد أن هذا هو الهدف وليس الهدف أن “نرطن” ببعض الكلمات الأجنبية هنا وهناك، أو نرى فيمن لا يتحدث اللغات شخصا متواضع المستوى، فللأسف إن عدم توعية أطفالنا أوجد عيوبا فادحة فعليا في التعلم باللغات الأجنبية.
إن إمكانية جمع الحسنيين، التعليم باللغة الأجنبية وإتقانها والتمتع بكل مزاياها مع استيعاب المناهج الدراسية باللغة الأجنبية – إضافة للتمكن من العربية والدين الإسلامي والحفاظ على هويتنا، علينا أن نستفيد من مزايا كل وضع ونتحسب لعيوبه فلا يوجد وضع كله مميزات أو وضع كله عيوب.