يحتل شهر رمضان المبارك مكانة عظيمة في نفوس المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها منذ فرض صومه في السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، وللعشر الأخيرة منه مكانة استثنائية لأسباب معلومة، حيث فضل الله هذا الشهر على سائر الشهور، وفضل العشر الأواخر منه على سائر الليالي، كما جعل ليلة القدر “واسطة العقد” من الليالي العشر الأخيرة.

لذا حظيت هذه الليالي المباركة باهتمام من النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والسلف الصالح من بعدهم، ولأهميتها رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم أمته في قيامها والتماس بركتها، وكان هو يجتهد فيها أكثر من غيرها، فقد صح عن عائشة – رضي الله عنها -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها.

وفي الصحيحين عنها قالت: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا دخل العشر، شد مئزره وأحيى ليله وأيقظ أهله، من هنا دأب المسلمون على الاجتهاد في هذه الليالي المباركات والإكثار فيها من الأعمال الصالحة مثل: قراءة القرآن، وكثرة الصلاة، والقيام، والصدقة، إلى غير ذلك من الأعمال الصالحة التي تقرب من الله سبحانه وتعالى.

إقرأ أيضا :

العشر الأواخر وإحياء ليلة العيد

أفضل الأعمال في العشر الأواخر      

وبعد إجماع المسلمين على فضل هذه الليالي، إلا أن العامة غالبا ما تسأل عن أفضل الأعمال فيها وما إذا كانت هناك عبادات خاصة بالعشر الأواخر، والعلماء مجمعون على أن قيام الليل، وقراءة القرءان، والصدقة، وإيقاظ الأهل للصلاة، والاعتكاف في المساجد من أفضل ما يتقرب به في العشر الأواخر، خصوصا سنة الاعتكاف التي داوم عليها النبي صلى الله علية وسلم في العشر الأواخر حتى توفاه الله كما في الصحيحين عن عائشة .

تراجع الاهتمام بسنة الاعتكاف

ومن الملاحظ أن سنة الاعتكاف لا تكاد اليوم تجد من يحييها سوى فئة قليلة من كبار السن، أما الشباب فغالبا ما يتعللون بإكراهات العمل التي تحول بينهم والقدرة على البقاء في المساجد لوقت أطول، وتراجع مكانة سنة الاعتكاف ليست وليدة اللحظة بدليل أن الإمام الزهري رحمه الله انتبه لها في عصره فقال:” عجباً للمسلمين تركوا الاعتكاف، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل”.

لذا ينبغي على شباب الأمة إحياء سنة الاعتكاف في المساجد والتسابق إلى فعل الخيرات، خصوصا بعد توفر كافة وسائل الراحة التي تعين على الاعتكاف، فالمساجد منتشرة لله الحمد، وهي مفروشة ومكيفة، والجهات الخيرية مستعدة لرعاية المعتكفين من حيث توفير كافة المستلزمات، من إفطار وغيره، فلنقبل على إحياء سنة الاعتكاف تأسيا به صلى الله عليه وسلم ولننقطع لربنا في هذه الليالي لعل الله أن يفوقنا بعمل متقبل في ليلة القدر ونكتب ممن قامها ونال ثوابها وبركتها.