يتعدد المسلمون ويتنوعون، لكن الإسلام واحد لا يتعدد، وهو متمثل في العقيدة والأخلاق والشريعة جملة. وتفصيلا تكمن العقيدة الإسلامية الواضحة والسمحة في أركان الإيمان:

أولا: وجود الله وحده لا شريك له.

وجود الملائكة كقوة ونموذج خير.

الإيمان بأن الله أرسل رسلا إلى كل أمة من الأمم ليبين لهم حقية الكون والحياة والإنسان، وكيف يعيشوا حياتهم المحدودة (عبادة أو تدين).

وأن الله أعطاهم كتبا؛ وهي عبارة عن تدوين رسائل وحياة ودستور الناس، واليوم الآخر للمحاسبة.

والإسلام إذ يتمثل في هذه العقائد فإنه يتمثل أيضا في الآداب الكريمة والمثل العليا والتي لا تتغير بتغير الزمان ولا المكان، من مثل الحث على الصدق ومكارم الأخلاق، وذم الكذب ومساوئ الأخلاق. وثالثة الأثافي هي في التشريعات المتفقة عليها وما اشتهر بـ ما عرف من الدين بالضرورة من وجوب إقامة الصلاة والحج والصوم من القضايا التي لا يعذر مسلم بجهله وهو في بيت مسلم وفي مجتمع إسلامي. وهذه القضايا هي ما يجمع المسلمين وإليه يتم دوما الدعوة إلى وحدة المسلمين.

ومن جمال الإسلام أنه يتحدث عن الوحدة في إطار قوس قزح جميل ومتنوع بثقافات وألوان ولغات وأعراف متعددة؛ فيتغير الخطاب الإسلامي باختلاف نوعية السامعين وثقافتهم وواقعهم المعيشي، كما يتغير بالانتقال من مكة إلى المدينة، ومن بغداد إلى مصر. وقد وسع الإسلام للناس في هذا أن يتبنى كلّ أمة ثقافته فيما عدا الأمور الثلاثة المذكورة، وهنا يتساءل الباحث أين مكانة الخطاب الإسلامي الإفريقي من واقع تعدد الثقافات يا ترى؟!

مكانة الإسلام من إفريقيا

يمكن ربط الإسلام –باعتبار أن دين الله هو الإسلام على يد جميع الأنبياء- بإفريقيا منذ بدء التاريخ الإنساني، إذ إن القارة الإفريقية أقدم مسكن إنساني على الإطلاق، وباعتبارها كذلك فهي مكان نزول آدم عليه السلام، قبل أن يلتقي بحواء عليها السلام في آسيا.

بل وقبل تقسيم الكرة الأرضية إلى القارات المعروفة اليوم كانت هناك قارة واحدة فقط تعرف بـــ قارة بانجيا (super-continent called Pangaea) لب إفريقيا، ومن هذه القارة تفرعت قارة آسيا وأمريكا الجنوبية. علاوة على أن الاكتشافات الحديثة ترجع أصل البشرية إلى إفريقيا. فإفريقيا أقدم قارة بهذا، أو خروجا من الخلاف فهي ثاني أقدم قارة بعد آسيا –الهند خاصة-. وقد يستأنس بهذا بأن الإنسان الأول آدم اللون، وآدم الطبيعة، فما لون التراب المبلل، أو الطين اللازب إلا الأُدم، وما الإنسان إلا من أديم الأرض. وقد يستأنس أيضا هنا بأحاديث الإسراء والمعراج في وصف آدم عليه السلام، وربما موسى عليه السلام، والشاهد من هذا هو أن إفريقيا عرفت دين الله منذ قدم الإنسان.

وبالرغم أن الأنبياء الخمسة والعشرين المصرح بهم في القرآن من منطقة معينة وفقا لحكمة الله، إلا أن القرآن أشار لنا بمساحة أخرى في مثل قوله تعالى “منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك” وقوله “ولكل قوم هاد” وقوله “وإن من أمة إلا خلا فيها نذير” يجعل الإيمان بأن أوائل الأنبياء والمرسلين الذين عاشوا المسكن الأصلي والأول للإنسان قد يكونوا من الذين لم يقصص علينا.

ويمكن تأكيد هذا ببساطة بأن الله بيّن أن الحكمة من إرسال الرسل هو قطع الحجج “لـئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل” إضافة إلى الكثير من الآيات القرآنية المبينة شهود كل أمة رسولا، يقول تعالى: “ولقد بعثنا في كل أمة رسولا” “ولكل قوم هاد” “وإن من أمة إلا خلا فيها نذير” فإفريقيا عرفت دين الله منذ القدم على يد أنبياء الله لتصح محاسبتهم يوم القيامة، والقول بعكس هذا ينفي صحة محاسبة الإنسان الإفريقي منذ بدء الخلق حتى بعثة آخر النبيين عليه السلام، إذ هو رسول الأفارقة والعرب والعالم أجمع مؤخرا، قبله عليه السلام يحاسب الأفارقة بأنبيائهم المحليين، الحجة أن الأنبياء كانوا يرسلون إلى أقوامهم خاصة وأرسل النبي إلى الناس عامة.

قد يكون هذا الكلام غريبا على مسامعنا، إلا أن مجرد كونه غريبا ليس ضابطا بنفسه للحكم على عدم الصحة، ولا يعني أنه بدعة أو مخالفة للقرآن أو السنة، ونحن نرى الاستدلال القرآني! فلئن لم يبين ذلك علماء غير أفارقة وهم يتحدثوا عن الإسلام ويبينونه فلا عجب أن يفكر فيه فتى وُلد في المنطقة!

مكانة إفريقيا من الإسلام

ذاك عن مكانة الإسلام من إفريقيا، أي لما يذكر الإسلام ويراد ربطه بإفريقيا، أما عن مكانة إفريقيا من الإسلام؛ أي لما تذكر إفريقيا ويبحث لها علاقة بالإسلام فإن التاريخ يخبرنا بأن أول دولة تستضيف الإنسان في عزة وإباء هي إحدى البلاد الإفريقية؛ الحبشة. وبهذا تكون ثاني دولة تعرف الإسلام بعد مكة، وهذا يعني أن الإسلام دخل إفريقيا بالإجمال قبل المدينة، وقبل الشام والعراق وبلاد الفرس.

ولما يراد ربط الإسلام بإفريقيا فإن التاريخ يخبرنا بأنها أكثر قارة دخلها الإسلام صلحا؛ وقد لا يكون بقصد الدعوة، بقدر ما هو عن طريق الاحتكاك التجاري، وهذا يدل على فطرية سكان المنطقة.

كما يخبرنا التاريخ أن أغنى رجل في العالم مسلمٌ، ومسلم إفريقي، عرف غناه في تحويله الاقتصاد العالمي وسعر الذهب وهو في رحلة إلى بيت الله الحرام حاجا! ولا يخفى مدى ارتباط الزي الإفريقي التقليدي بالمظهر الإسلامي المحتشم للجنسين. يضاف إلى هذا أن (45 % ) من سكان إفريقيا مسلمون، وأن ثلث سكان المسلمين يعيشون في القارة الإفريقية؛ رغم أن عدد سكان إفريقيا ككل 4.3 بليون بينما نسبة سكان آسيا 7 بليون، ومعظم إمبراطوريات إفريقية المعروفة تاريخيا مسلمة.

الخطاب الإسلامي الإفريقي

كان الخطاب الإسلامي عامة مرتبط في الصدر الأول ببيان المسلمين فقط؛ أي الدعوة، وبعلماء من المنطقة العربية أو من سكنها فقط، فكانت الهجرة من أجل الدعوة من القضايا الأساسية لنشر الإسلام.

ثم توسع الخطاب الإسلامي فأصبح الاستشراق -بغثها وثمينها- جزءا ومصدرا لبعض الناس في بيان الإسلام بجانب خطابات المسلمين أنفسهم. وفي العصر الحديث بعد فتح تخصصات ومراكز دراسات عن الإسلام وعن العالم الإسلامي بقيادة الغرب خاصة؛ أصبحنا نقف على كتابات غير المسلمين في بيان الإسلام من باب العلم والتخصص.

بل إن كثيرا من حملة الدكتوراه من أبناء المسلمين تخرجوا من الجامعات الغربية والأجنبية تاركين أوطانهم التي تعتبر موطن الإسلام، وإلى يومنا هذا تنعدم درجة الدراسات العليا والدكتوراه خاصة في بعض البلدان العربية والإسلامية في الدراسات الإسلامية. ويا للعجب!

يدلنا كل هذا أن دراسة الإسلام ليس مرتبطا بمكان ما، وبيان الإسلام ليس مرتبطا كذلك بعالم معين وبجنس خاص بقدر ما هو منوط بضوابط علمية ومنهجية واضحة المعالم.

بل على العكس فإن فقه الواقع، ومعرفة الثقافة والعادة السائدة في بلد ما شرط من شروط التفسير، والفقه والإفتاء بل والاجتهاد. وهنا يظهر لنا واجب إيجاد الخطاب الإسلامي الإفريقي بعد أن درس أجيال كثيرة من أبناء القارة الإسلامَ من الحرمين الشريفين ومن معاهد وجامعات مصر والشام والزيتونة وغيرها من الدول العربية.

وهذا لا يعني انعدام الخطاب الإسلامي الإفريقي، لكن نكهته جُعلت تقليدية جدا، كما أريد لها التهميش، وأصبح العالم الإسلامي بل وأبناء القارة لا يرضون إلا بخطاب إسلامي وافد، إما من الحجاز أو الشام أو مصر. ومن هنا دعوة إلى إعلاء الخطاب الإسلامي محليا وعالميا بكل صوت عالٍ.

يمكن أن نعرف الخطاب الإسلامي الإفريقي بأنه إسهامات علماء إفريقيا عبر الوسائل المقروءة أو المكتوبة أو المرئية، في بيان الإسلام، ومعايشة قضاياه على المستوى المحلي والقاري أولا وعلى المستوى العالمي ثانيا؛ بياناً ينطلق من الواقع الإفريقي وثقافته في ظل الإرتشاد بالقرآن والسنة وتعاليم سلف الأمة.

وليس في هذا الأمر كما أحسب أية مخالفة شرعية، كما لا ينبغي تهويل الأمر؛ إذ إن الواقع فرض نفسه بهذا منذ فترة، فأُفرقنت “من أفرقنة” الأسماء العربية بما يتماشى مع اللغات الإفريقية؛ فبُريما بدلا من إبراهيم، وسولو بدلا من سليمان، ومادو بدلا من محمد، ومامودو بدلا من محمود، وسالِفو بدلا من صالح، وكيجا بدلا من خدريجة وكِيَة بدلا من رقية، وأَسَةَ بدلا من عائشة وهلمّ جرا.. ومثل ذلك واضح في الدروس الدينية في مساجد إفريقيا، وفي حلقات التفاسير من شيخ لا يتحدث العربية؛ وإنها لمعجزة أن يتم شرح القرآن والحديث والفقه من كتب عربية مما لا يعرف العربية، لكن قرأ الكتاب كله وفهمه من شيخه. لكن السؤال ما ماهية هذا الخطاب المراد وسماته ؟

سمات الخطاب الإسلامي الإفريقي

من أهم هذه السمات ما يأتي:

الاعتصام بالقرآن والسنة: فهو خطاب ينطلق من القرآن والسنة إيمانا بقطعياتها وتسليما بمعتقداتها، ونبذا لكل ما يخالف أصول الدين والشرع. ولعل هذا الكلام تحصيل حاصل، فلا إسلام البتة بدون القرآن والسنة.

الصبغة الإفريقية: تعلو هذا الخطاب -وبخاصة المحلي منه- شخصية الإنسان الإفريقي من البراءة والنزوع إلى الفطرة، والبساطة وحب التعاون، وعدم المصلحية في التفكير أو في بناء العلاقة مع الغير، ناهيك عن الاستغلال. كما تعلو هذا الخطاب الثقافة الإفريقية وعاداتها في المجال الفقهي والافتاء. ويكون العرف الإفريقي محكما، وضابطا يرجع إليه في بيان الإسلام واستنتاج حكم، فيتبنى العرف الصحيح وإن كان ليس موجودا في الدول العربية مثلا. ويفزغ إلى الرأي المحلي في إيجاد حكم للقضايا النازلة مع إمكانية استشارة علماء مسلمين خارج القارة.

خطاب وحدوي: على العالم الإفريقي تقديم الإسلام الصافي إلى أبناء القارة، وأن يسعى إلى غربلة المعلومات التي استفاد منها خلال دراسته الإسلام في كتبه ومظانه. فيقدم الإسلام كما لو أن المسميات الطائفية والمذهبية ليست موجودة. فهو أشبه بأن يرجع إلى العهد النبوي. وبهذا لا يكون في إفريقيا إلا إسلاما واحدا. ولا بد أن هذا يحتاج نضوجا في العلم إلى درجة التحرر من التبعية لجهة التعليم أو الشيخ الذي درّس. كما أن الاستقلالية مهمة جدا لتنفيذ مثل هذه الرؤية، إذ إن كثيرا من مصادر التمويل تشترط الترويج لخطاب ديني معين وإلا لا..

الكرامة الإنسانية: ينطلق هذا الخطاب أيضا غارزا الكرامة الإسلامية، وسعيا إلى فرضها في أرض الواقع. فيخرج الخطاب من فم إنسان كريم، يخاطب به كل كريم مراعيا كيف للخطاب الإسلامي أن يكون عاملا في خلق عيشة كريمة.

خطاب سمح: ولعل إيمان الخطاب الإسلامي الإفريقي بالتعددية عامل مهم في ترويج السلم والأمن والأمان في المنطقة. فيعيش المسلم معززا مكرما بمعتقده، دون أن يكون سببا في منع غيره من بني جلدته من التمتع بحرية العيش على دينه معززا مكرما كما هو. كل هذا من منطلق حرية الاختيار الذي امتن الله به على البشر وفضلهم به على غيرهم. وليس تطبيق هذا بصعب على مجتمع لم يدخله الإسلام عنوة، كما أن الواقع الإفريقي لم يك يرى مثل هذه التعددية مشكلة بحد ذاتها، فهو أمر وافد يتحرر منه. وهنا يجاهد المسلم في حسن دعوة الغير إلى الإسلام بأجمل الأساليب الجذابة.

 معالجة قضايا القارة: يخبرنا القرآن أن إصلاح المجتمع ومشاكله أول ما يدعو إليه الأنبياء بعد الدعوة إلى التوحيد؛ “أرسل معي بني إسرائيل” ، “أوفوا الكيل وزنوا بالقسطاس المستقيم “، “لا تبخسوا الناس أشياءهم “، “لا تعثوا في الأرض مفسدين “، “أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذ مصاتع لعلكم تخلدون “، “وإذا بطشتم بطشتم جبارين” ، “أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم”. فبعد التوحيد يساهم الخطاب الديني في إصلاح قضايا في المجتمع ونبذ مشاكله. فأين الخطاب الإسلامي الإفريقي من التحرر من تبعية الغير، ومن الاستعماري الصوري، وخلق قيادات مسلمة، ورسم خطط مستقبلية، وأين استراتيجيات الاستفادة من الخيرات التي أنعم الله بها على القارة، وأين دعوات تعويض من استعبد من أبناء القارة، وشارك في حروب سميت عالمية ليس لإفريقيا فيها ناقة ولا جمل، وأين تعويضات ضحايا الاستعمار؟ لا بد أن يساهم الخطاب الإسلامي الإفريقي في نشر العلم وتيسيره، وأن يساهم في دفن مسمى الفقر والمجاعة والأمراض في قارة لولا ظلم الغير لها، ولولا البراءة الزائدة والسطحية لسكانها لما سمعنا بما لا يعرف إفريقيا إلا به.

اليسر ورفع الحرج: ولعل من أهم هذه السمات هو أحكام حجة الوداع، “افعل ولا حرج”، فيبنى الفقه الإسلامي الإفريقي مراعيا شخصية هذا الإنسان. فلما نتحدث عن قضايا المرأة مثلا من مثل الاختلاط وستر المرأة وحجابها، والنقاب، وعمل المرأة، وخروج المرأة، وركوب الدراجة، أو سياقة السيارة، يراعي في هذه القضايا عادات وثقافات لا تعرف في المجتمعات العربية المعاصرة مثلا! فلئن بنيت كثير من الأحكام الفقهية في المجتمعات العربية على العرف ليس شرطا أن نصاحب هذه الأحكام بحذافيرها إلى مجتمعاتنا ونحن نرى ما لا يراه عالم تلك المنطقة!

وبعد، فالإسلام واحد في عقيدته وشريعته وآدابه وما أسميه “الدين”، لكن يكمن دور العلماء في حسن بيان الإسلام وحسن تنزيله على واقع مجتمعه فيتبنى الجيد ويعدل من شبه الجيد ويرفض القبيح، وما أسميه “التدين” فلخلفية العالم الإفريقي دور كبير في بيان الإسلام، وقد يحتاج إلى إيجاد الفقه الإسلامي الإفريقي، ولا بد أن يساهم الخطاب الإسلامي الإفريقي بجانب الخطابات الدينية الأخرى وبجانب الخطابات العلمانية و اللادينية في حل القضايا الإفريقية، وهذا أدعى لعالمية الإسلام وإخراجه من بوتقة العلمانية. علاوة على أن تاريخ إفريقيا مع الإسلام وتاريخ الإسلام مع إفريقيا قديم بقدم الإنسان الإفريقي التي توحي المؤشرات إلى أنه أقدم إنسان، وأن قارته من أقدم قارة عاش عليها الإنسان إن لم تك أقدم قارة؛ وقد أخبرنا القرآن أن وما من أمة إلا خلا فيها نذير لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. ومن يدري لعل أن يكون للخطاب الإسلامي الإفريقي شأن!