“أسود نقطة في تاريخ البشرية والإنسانية وكيانهم ودولتهم” هذا ما وصف به الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية الحرب في غزة، معتبرا إياها “هولوكست” جديدا يفوق المذبحة النازية التي تعرضوا لها، رأي الشيخ أكده ما أوردته صحيفة التايمز البريطانية عبر مراسليها في القدس بأن القوات الإسرائيلية التي بدأت عملية برية داخل قطاع غزة تستخدم قنابل الفسفور الأبيض المحظور استخدامها على مدنيين دوليًّا. لكن ذلك هو فعلا التاريخ الأسود للفسفور الأبيض.
وأضافت التايمز أن القنابل المذكورة، والتي سبق أن استخدمتها القوات الأمريكية والبريطانية بالعراق، لا يجب استخدامها في مناطق آهلة بالسكان مثل قطاع غزة الذي يعد أكثر مناطق العالم كثافة بالسكان.
وذكر مسئول عسكري إسرائيلي أن تلك القنابل تستخدم للتمويه على تحركات القوات لأنها لا تسمح للعدو برؤية الجنود القادمين، لكن الآثار التدميرية لها تتخطى كونها قنابل تمويهية، فهي تسبب إصابات محرقة قد تصل إلى العظام لمجرد انتشار الدخان الأبيض في المناطق المأهولة بالسكان، وكانت إسرائيل قد اعترفت باستخدام تلك القنابل في حرب لبنان عام 2006.
وأثبتت الجهات الأوروبية أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تستخدم الأسلحة الفسفورية إلى جانب استخدام أسلحة الليزر، التي تدخل في صناعة القنابل والصواريخ وتستخدم في الحروب، وأن الإسرائيليين يستهدفون کل شيء ولا يميزون بين مقاومة ومدني، فمعظم الشهداء والجرحى جاء نتيجة استهداف المنازل وتسويتها بالأرض.
ومن ناحية أخرى، كانت منظمة أطباء العالم الإنسانية قد أعلنت أنها تستغرب خطورة بعض الجروح التي أصيب بها عشرات المدنيين خلال قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
جروح خطيرة وحروق غريبة
وكان مدير العمليات التي تقوم بها منظمة أطباء العالم “إريك شوفالييه” قد قال في حديث سابق: إن احد أطبائنا في غزة لاحظ أن أشخاصا أصيبوا بجروح خطيرة وحروق غريبة. وأضاف مسئول المنظمة التي تتخذ من باريس مقرا لها: إن طبيب الطوارئ “ريجيس غاريغيس” الذي يزور بانتظام غزة منذ سنوات لاحظ غرابة هذه الإصابات، ومن بينها احتراق جميع أجزاء الجسد حتى العظام، وكذلك تمزق وانفجار بعض الأعضاء الداخلية دون أنْ توجد جروح قطعية أو حادة في جسد المصاب أو الشهيد تبرر تلك الأضرار، وأكد على خطورتها.
ونقلت صحيفة ليبراسيون الفرنسية عن “غاريغيس” قوله: إن هذه الإصابات توحي باستخدام قنابل انشطارية وأسلحة متطورة تتسبب بأضرار جسيمة، ويحظر استخدامها على المدنيين. وقال شوفالييه: إن اللجوء إلى بتر الذراعين أو الساقين وهو أمر نادر يدل على أن الجروح خطيرة جدا، وهي تبدو أکثر خطورة من تلك التي نعاينها عادة.
وطالبت المنظمة جميع الأطراف في المنطقة بوقف أعمال العنف، کما أدانت تدهور الوضع الصحي في غزة منذ بدء العدوان العسکري الإسرائيلي في هذا القطاع، وأكَّد الأطباء الفلسطينيون في قطاع غزة أنَّهم قد عثروا على العديدِ من الإصابات غير المعروفة السبب في أجساد الشهداء والمصابين من ضحايا العدوان الصهيوني على قطاع غزة؛ الأمر الذي يُوضِّح إمكانية استخدام الصهاينة أسلحة “غير تقليدية” في العدوان على القطاع.
الضرب بكل محرم
وفي إطار الحديث عن التاريخ الأسود للفسفور الأبيض، كشف تقرير رسمي فلسطيني النقاب عن قيام القوات الإسرائيلية باستخدام أسلحة أمريكية محظورة خلال اعتداءاتها العسكرية المتكررة على سكان قطاع غزة، وأضاف الخبراء، أن سلاح الجو “الإسرائيلي” استخدم قنابل ارتجاجية وفراغية في قصفه لبعض المباني ومنطقة الحدود بين مصر والقطاع، وأكدت المصادر وجود خبراء عسكريين أمريكيين في قيادة المنطقة الجنوبية التابعة لجيش الاحتلال “الإسرائيلي” دعمًا لـ “إسرائيل” وتسجيلاً لتأثيرات وقوة التدمير والتأثير الناتجة عن استخدام ثلاثة أنواع من الأسلحة الجديدة وتجريبها للمرة الأولى في العدوان “الإسرائيلي” على القطاع.
وأكد التقرير أن الأسلحة المستخدمة تؤدي إلى احتراق أجساد المواطنين في قطاع غزة إضافة إلى حدوث انتفاخات غريبة تحدث تسمما في الجسم، وبخاصة في الأطراف ومن ثم الوفاة. وجاء في التقرير أن الأبحاث الطبية تشير إلى أن الأسلحة الإسرائيلية – الأمريكية المستخدمة ضد سكان قطاع غزة تحوي مادة الفسفور الأبيض وهو من الأسلحة المحرم استخدامها من قبل كافة الجيوش في العالم.
وناشد التقرير المنظمات الإنسانية الدولية إعلان شجبها واستنكارها لاستخدام (إسرائيل) أسلحة محرمة دوليًّا ضد سكان قطاع غزة، ومن ناحية أخرى كان رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية الجنرال “بيتر بيس” قد أعلن عن استخدام الجيش الأمريكي لأسلحة الفسفور الأبيض في العراق، وقال “بيس”: إن هذا النوع من الأسلحة يعتبر أداة شرعية بيد الجيش للإنارة والتمويه. وأضاف: “إن الطلقات العادية أسرع في اختراق الجلد من الفسفور الأبيض. ولذا فأنا أفضل أن يكون لدي السلاح المناسب لاستخدامه في الوقت المناسب بالدقة الكافية لإنجاز المهمة الموكلة لي بطريقة يقتل فيها أكبر عدد ممكن من أفراد العدو مع أدنى حد من الخسائر بين المدنيين”.
وكانت الولايات المتحدة قد اضطرت إلى الاعتراف بأن جيشها استخدم الفسفور الأبيض أثناء عملياته ضد المسلحين في الفلوجة مما أثار مخاوف من احتمال استخدامه ضد المدنيين، ونفى الجيش الأمريكي في بادئ الأمر كونه استخدم هذه الأسلحة ضد المسلحين والمدنيين.
ومع استمرار الاحتلال بإحراق غزة فإن مصادر طبية فلسطينية أكدت أن الأسلحة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في غاراته الجوية المستمرة أسلحة خطيرة ومحرمة دوليا، حيث تصل جثث الشهداء أشلاء متفحمة ناجمة عن حروق الدرجة الثانية والثالثة، وأكدت مصادر إعلامية أن الاحتلال “الإسرائيلي” يستخدم أسلحة محرمة دوليا في عدوانه البربري على قطاع غزة، من بينها قذائف نووية، أسفرت عن وجود إصابات غريبة بين الضحايا الفلسطينيين، الذين ارتفع عدد الشهداء بينهم إلى 507 وإصابة 2400 آخرين.
كما صرح فريق طبي نرويجي أنه وجد آثارًا لمادة اليورانيوم المنضب الخطيرة في أجسام بعض أهالي غزة الذين أصيبوا جراء العدوان “الإسرائيلي” على القطاع. وأخبر الفريق الطبي أن بعض المصابين منذ بدأت “إسرائيل” هجماتها على قطاع غزة قد وجد في أجسادهم آثارًا لليورانيوم المنضب.
التاريخ الأسود للفسفور الأبيض
ويعتقد أن الفسفور الأبيض قد استخدم لأول مرة من قبل بعض المحتجين الذين قاموا بإضرام النار في القرن التاسع عشر على شكل محلول من الفسفور الأبيض مضافاً إليه مادة ثنائي كبريتيدات الكربون، وعندما تبخرت المادة الأخيرة (ثنائي كبريتيدات الكربون) اشتعلت النيران في الفسفور الأبيض، وربما أدت أيضا لتفجيرات شديدة الاشتعال، ويعرف هذا الخليط المدمر باسم “لهب فنيان” نسبة لأول من استخدمه، كما أستخدمه عمال التراحيل الساخطين في أستراليا في إحدى تظاهراتهم الاحتجاجية، ويعد الجيش البريطاني أول من أنشأ مصنع لإنتاج الفسفور الأبيض والقنابل اليدوية الصنع في أواخر عام 1916.
وقامت كل من أمريكا، والكومنولث، والقوات اليابانية باستخدام قنابل يدوية وقنابل الهاون والقذائف والصواريخ التي تحتوي على الفسفور الأبيض في الحرب العالمية الثانية، كما استخدمت الأسلحة التي تحتوي على الفسفور الأبيض على نطاق واسع في كل مولدات الدخان والأسلحة المضادة للأفراد.
ويأتي كل ذلك بعد الاتهامات التي وجهتها العديد من المنظمات الحقوقية الدولية للصهاينة باستخدام أسلحة محرمة دوليًّا في لبنان ومن بينها القنابل العنقودية التي لا تزال الآلاف منها مستقرة في الأراضي اللبنانية دون أنْ تنفجر، مما يُشكِّل تهديدًا كبيرًا لحياة المدنيين اللبنانيين، وكان مدير وكالة هيومان رايتس ووتش- منظمة مراقبة حقوق الإنسان ومقرها نيويورك- “كينيث روث” قد أكد أن استخدام تلك القنابل في المناطق المدنية يخرق اتفاقًا قانونيًّا دوليًّا يحظر توجيه هجمات عشوائية في المناطق المدنية، في رد على الادعاءات الصهيونية بأنَّ القانون الدولي لا يمنع استخدام تلك النوعية من الأسلحة المحرمة.
جدير بالذكر أن مادة اليورانيوم المنضب أيضًا هي مادة محرمة دولية، وكانت بعض التقارير قد كشفت منذ سنوات عن استخدام الجيش الأمريكي في العراق لبعض أسلحة تحتوي على هذه المادة شنيعة التأثير، فيما قال أطباء نرويجيون لإحدى الفضائيات الإخبارية الناطقة بالعربية: إنهم اكتشفوا آثار يورانيوم منضب على الأراضي التي نالها القصف الصهيوني بغزة، مما يعني أن الاحتلال استخدم مواد نووية في العدوان الإجرامي على القطاع.
وتثير هذه الأنباء التساؤلات عن إمكانية محاكمة الجنود الصهاينة أو قياداتهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب سواء في الأراضي الفلسطينية أو في لبنان، وقد حذر تقرير عسكري “إسرائيلي” الجنود والضباط من التصريح بوقائع تمت في أثناء الحرب على لبنان؛ منعًا لإمكانية استخدامها ضدهم بعد ذلك في تحريك دعاوى بارتكاب جرائم حرب. ومما لاشك فيه أن استخدام الفسفور الأبيض ضد المدنيين العزل يعتبر جريمةَ حربٍ وفق معايير القانون الدولي، وتستوجب محاكمة الجنود الصهاينة أو قياداتهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية.
الفسفور الأبيض في نقاط
الفسفور الأبيض مادة دخانية كيماوية قد تخترق العظام. وتصيب بحروق من الدرجتين الثانية والثالثة.
يحترق الفسفور الأبيض بمجرد ملامسته للأوكسجين منتجا ضياء ساطعا وكميات كبيرة من الدخان.
يستمر الفسفور الأبيض في الاشتعال عند ملامسته الجلد، ويحرق كل الطبقات حتى يصل إلى العظم ما لم يتم إطفاؤه.
يستخدم الفسفور الأبيض كمادة تمويهية لكن الاستخدام الأكثر فتكاً له هو قدرته على إحداث حروق قاتلة.
استخدمت قنابل الفسفور الأبيض لأول مرة في الحرب العالمية الثانية كما استخدمت في حرب فيتنام.
سبق لإسرائيل أن استخدمت هذا السلاح في حربها ضد لبنان عام 2006.
كما سبق للولايات المتحدة وبريطانيا أن استخدمتا هذه القنابل في غزو العراق عام 2003.
اتفاقية جنيف الدولية منعت استخدام الفسفور الأبيض في الأعمال الهجومية ضد المدنيين، لكن استخدامه في عمليات التموية مسموح دوليًّا.
طارق قابيل – متخصص في علوم الوراثة الجزيئية والخلوية والتكنولوجيا الحيوية