ما زال الجدل دائرا حول علاقة البعد الإيماني بما يحدث من مصائب وكوارث، وتنامى الأمر عقب أحداث زلزال “تسونامي” الذي ضرب منطقة “جنوب شرق آسيا”، وأصبح تحليل ذلك وتوضيحه من أهم القضايا التي يدلي فيها العلماء، وأساتذة علم النفس، والجيولوجيين برأيهم فيها. فهل الزلزال ظاهرة طبيعية أم رسالة ربانية؟

ومن الغريب أننا وجدنا اتفاقا بين علماء الدين، والنفسيين، وأساتذة الجيولوجيا بأن هناك علاقة بين المعاصي والسلوكيات الخاطئة للأشخاص وبين حدوث الكوارث الطبيعية والزلازل، كما وجدنا أن الشارع العام لم يختلف معظمه عن ذلك.. بل إن البعض منهم رأى أن الأساس في حدوث الزلازل هو ارتكاب المعاصي والذنوب، وأن التفسيرات العلمية لهذه الظاهرة هي مجرد تبريرات ثانوية.

آراء الناس

ولم يقف الأمر في تحليل حدوث الزلازل عند العلماء والمتخصصين حيث أعرب كثير من الناس عن تحليلاتهم وأطروحاتهم لأسباب الزلزال.. فمنهم من يراه مجرد ظاهرة علمية، وآخر يؤكد أنه غضب إلهي، وغيره يجزم بأنه ابتلاء.. وغيرها من الآراء التي تأرجحت بين النظرة الإيمانية لهذه الكارثة والفطرة العلمية..

فعن مسألة هل الزلزال ظاهرة طبيعية أم رسالة ربانية؟ يرى إسماعيل فخر الدين – مدرس اللغة الإنجليزية بإحدى المدارس التجريبية في مصر الجديدة (37 عاما) – بأن زلزال “تسونامي” الذي يعد أكبر الزلازل في العصر الحديث ما هو إلا عقاب من الله عز وجل؛ لأن هذه المنطقة مشهورة بالسياحة (الجنسية)، ومعظم من يرتادها يكون قاصدا الفحش، مستنكرا أن يكون مجرد ظاهرة علمية.. على اعتبار أن الزلازل تحدث في شتى أنحاء العالم، وآخر زلزال كان عام 1992م في مصر، ولم يكن بهذه القوة الفظيعة.. ومع ذلك اجتمعت معظم الآراء على أنه عقاب على فسوق البعض، ولذلك سعى الكثير من الناس وقتها إلى معرفة دينهم أكثر، وانتشر الحجاب بين الفتيات الصغيرات.

وتتفق معه الدكتورة مها سيد أحمد (42 سنة) وتعمل في أحد المعامل الخاصة، من أن هذه الشعوب بغت كثيرًا وطغت، وانتشر فيها الفساد، لذلك عاقبها الله، وفي نفس الوقت ينذرنا جميعا، بأن القوة له سبحانه وتعالى، وأننا لا نملك أن نعيش ثانية، إلا إذا شاء الله عز وجل.. مؤكدا أن الزلزال بلا شك قد يكون ابتلاء للمؤمنين، لاختبار قوة إيمانهم واحتمالاهم مصاعب ما بعد الزلازل.

أما محمد سيد الجمل، سائق ميكروباص –25 عاما–، فيتعجب من الآراء التي تقول إن الزلازل غضب إلهي.. ويعطي رأيه في مسألة الزلزال ظاهرة طبيعية أم رسالة ربانية، قائلا: ما علاقة الزلزال بغضب الله.. إن الله يحاسب الإنسان عن ذنبه هو –نفسه- ولا يأخذ “ناس بذنب ناس”، فيقول عز وجل: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) بل إن المثل الشعبي -في مصر- يقول: “كل واحد متعلق من عرقوبه”.. فكيف يكون هذا غضبا إلهيا؟ إنه مجرد ظاهرة طبيعية.. والعلماء هم الذين يستطيعون تفسير أسبابها، ولا علاقة للدين بهذا الأمر.

وتختلف معه المهندسة شروق عثمان –55 سنة– وتعمل بإحدى شركات الحاسب الآلي.. حيث تؤكد أن الله جعل لكل شيء أسبابا مادية وأخرى معنوية، فقد تكون ظاهرة طبيعية لكن لها مدلولات إيمانية، وتحمل في حد ذاتها، عظة سواء للمؤمنين أو غيرهم.. فقرأنا وشاهدنا وسط هذا الدمار معجزات كثيرة، تجعلنا نندهش ونقول “سبحان الله”.. فإن المولى عز وجل إذا أرسل بظاهرة كهذه، وهو يملك سرها الأعظم.. فلها مدلولات أخرى، تحتمل أن تكون دافعا للعصاة بالعودة إلى رشدهم وعقلهم مرة أخرى.

آراء العلماء

(الزلازل جند من جنود الله.. الزلزال غضب إلهي.. رسالة للعالمين.. صلاح النفس هي الوقاية من الزلازل) كلمات أكدها كبار علماء الشريعة والمتخصصين في علوم الجيولوجيا والنفس، فاتفق عليها كل من الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور زغلول النجار زميل الأكاديمية الإسلامية للعلوم، والدكتور أحمد عمر هاشم الرئيس السابق لجامعة الأزهر، والدكتورة إلهام محمد شاهين الأستاذة بجامعة الأزهر، والدكتور محمد المهدي استشاري الطب النفسي، والدكتور حسني حمدان أستاذ الجيولوجيا بجامعة المنصورة، مؤكدين أن أكبر ما يدل على ذلك هو حدوث زلزال “تسونامي” في المناطق السياحية التي يحدث تشتهر بسياحة الجنس، وخاصة التجارة الجنسية بالأطفال، كما أن الضحايا كانوا من مختلف الجنسيات ليكون الأمر رسالة واضحة على عقاب الله للعاصين.

ومع وجود ما يشبه الاتفاق بين أغلب العلماء على علاقة وقوع الزلازل والكوارث، وبين معاصي البشر وأخطائهم كان هناك من يرفض الاعتراف بذلك، وهو الدكتور عبد الصبور شاهين الأستاذ بكلية دار العلوم الذي اعتبر الحديث عن المعاصي والزلازل في إطار واحد هو أمر غريب لا يمكن الاعتراف به، واصفا الزلزال بأنه مجرد ظاهرة كونية، تخضع للمقاييس العلمية البحتة.

عقوبة إلهية للطغاة المفسدين

ولا يمكن الحديث عن مسألة هل الزلزال ظاهرة طبيعية أم رسالة ربانية، دون الأخذ برأي العلامة الشيخ يوسف القرضاوي الذي يصف الزلازل والبراكين وسائر النوائب بأنها عقوبة إلهية تستهدف إهلاك الطغاة والجبارين، وتأديب العصاة والمفسدين، وتنبيه الناسين والغافلين، واختبار وابتلاء المؤمنين، ويؤكد أن هذه الزلازل والبراكين التي تقع تدلنا على مدى جهل الإنسان بما حوله، رغم ما وصل إليه من علم وحضارة وتقدم، فرغم هذه الثورات الهائلة في التكنولوجيا والفضائيات فما زال الإنسان جاهلا بما سيقع له بعد ثوان، وقد عجز العلماء رغم ما أوتوا من علم عن أن يتنبئوا بوقوع هذا الزلزال أو غيره من الزلازل والبراكين التي راح ضحيتها ملايين البشر.

ويشير الدكتور يوسف القرضاوي إلى أن هذه الزلازل والبراكين هي من جنود الله -عز وجل- التي يسخرها لينفذ بها قدرته، وقد سخر الله تعالى الماء ليعذب به فرعون، وسخر الريح ليهلك بها قوم عاد، وسخر الصواعق ليهلك بها ثمودَ، قال تعالى: “فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ”، موضحا أنه قد جاء في القرآن الكريم ما يؤكد لنا أن الله تعالى أهلك أقواما بسبب ذنوبهم، فقال الله عن قوم فرعون: “وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ”، وقال عن عاد: “وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ”، وقال عن ثمود: “وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ”.

وفي إطار الإجابة على السؤال دائما هل الزلزال ظاهرة طبيعية أم رسالة ربانية؟ وحتى لا يتساءل الإنسان كثيرا عن الحكمة الأساسية من وقوع الزلازل ينهى الشيخ القرضاوي حديثه بأن الله يفعل ذلك ليعلم الجميع أن الله هو الفاعل الوحيد والمطلق في هذا الكون كله، وأن ما يقع فيه من شيء إنما هو بإرادة الله وقدرته وعلمه، قال تعالى: “وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ…”.

إنذار من الله

ويوافق الدكتور أحمد عمر هاشم الرئيس السابق لجامعة الأزهر الشيخ القرضاوي في ربط الزلازل بفساد الناس، حيث أكد أن الزلازل عامة، والزلزال الذي وقع بـ”جنوب شرق آسيا” خاصة هو إنذار من الله عز وجل، يجب الانتباه إليه والاعتبار به، “فما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة”، وقد قال الله تعالى: “وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا”، مؤكدا أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل مع هذا الزلزال رسالة للظالمين والجبارين مؤداها أن الله قادر على إهلاككم إن لم تتوبوا إلى ربكم وترجعوا إليه، وقد قال تعالى: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلاَ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”، كما أن ما حدث رسالة مفادها أن الله ينبهكم أيها الظالمون، وأن ما يحدث من الهلاك هو بسبب ما ترتكبونه بأيديكم، قال تعالى: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”.

الزلازل واقتراب الساعة

وكان من أهم ما ميز تحليل الدكتورة إلهام محمد شاهين الأستاذ بجامعة الأزهر في تحليلها لوقوع ظاهرة الزلازل أنها ربطها بين الفساد والزلازل الصغرى، بحيث إذا انتشر الفساد وطغى جاءت الزلزلة الكبرى، والتي على أثرها تقوم الساعة.

حيث تشير الدكتور إلهام في القضية التي طالما شغلت الناس ألا وهي الزلزال ظاهرة طبيعية أم رسالة ربانية: “أن الله خلق الإنسان من الأرض ليعمل الصالحات بها ويعمرها، فحين يخرج الإنسان عن هذا النطاق والحد الذي رسمه الله له ويفسد في الأرض، فإنها تضج به وبالذنوب التي يرتكبها، وكلما زادت معصية الإنسان وكثر المذنبون اقترب الوعد الحق واقتربت الساعة واضطربت الأرض لقرب القيامة، وظهر ذلك على هيئة زلزال صغير، يشتد ويكبر وتزداد حدته يوما بعد يوم، حتى ينتبه الناس ويفيقوا من غفلتهم ويعودوا إلى الله، فإذا تمادت وزادت المعاصي، وعمت الأرض كلها، حان موعد الزلزلة الكبرى التي تنتهي على أثرها كل حياة على الأرض، وذلك الموعد يخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله يقول لآدم: قم فابعث بعث النار من ولدك.

فيقول آدم: وما بعث النار من كم كم، فيقول الله عز وجل من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة”… فعند ذلك تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها.. تلك هي الزلزلة الكبرى التي تعم الأرض كلها عند قيام الساعة والتي يسبقها زلزال شديد يعم أجزاء كبيرة من الأرض إيذانا بقرب الساعة، فإذا كثر عدد المفسدين، ولم تحتملهم الأرض تزلزلت ووقع الخسف، ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: “سيكون بعدي خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب.. قيل أتخسف الأرض وفيهم الصالحون قال: نعم، إذا كثر الخبث.. أي الفساد”.. رواه الطبراني في الكبير والأوسط.

وتستدل الدكتورة على علاقة الذنوب بوقوع الزلازل والكوارث بأن الزلازل والعواصف والبراكين وكل ما يؤذي الناس هي غضب للأمم السابقة التي جاءتها رسلها بالبينات ولم يؤمنوا، فكان العقاب ما بين طوفان أو ريح أو خسف أو صواعق أو أمطار العذاب لا الرحمة، مشيرة إلى أن المعاصي التي تحدث الآن تماثل معاصي الأمم السابقة، بل تزيد عليها واستوجبت العقاب،

فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج – وهو القتل”… رواه البخاري، وابن ماجة، وهناك أيضا حديث مفصل من أن المعاصي بكثرة تنوعها تكون موجبة لنزول العذاب فقال صلى الله عليه وسلم: “إذا اتخذ الفيء دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وتُعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه، وأدنى صديقه وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا وقذفا وآيات تتتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع”… رواه الترمذي، وعليه فما يحدث من زلازل هي تنبيهات وتحذيرات يرسلها الله للبشر كي يؤمنوا ويعودوا ويتوبوا إلى رشدهم وينصرفوا عن غيهم ومعصيتهم، يقول الله تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا….) فكأنه تعالى يقول للناس إن الجهاد ليضطرب لأوائل القيامة وقربها… فهل آن للإنسان أن يثوب ويقترب من الله عز وجل؟

الزلازل ظاهرة علمية

ومن المفارقات العجيبة في تحليل مسألة هل الزلزال ظاهرة طبيعية أم رسالة ربانية أن يكون الدكتور عبد الصبور شاهين، وهو من أبرز الدعاة بمصر والعالم العربي والإسلامي، المفكر الإسلامي الكبير ممن يرفض أطروحة أن زلزال جنوب شرق آسيا أو غيره من الزلازل.. غضب إلهي، وعقاب، وإنذار للكافرين، وابتلاء للمؤمنين.. ويشير إلى أن الإنسان قاصر النظر والرؤية –مهما بلغ علمه– ولا يستطيع تفسير هذه القدرة الإلهية، وهذا السر الذي اختص به المولى عز وجل ذاته العليا، ويؤكد أن الزلزال مجرد ظاهرة كونية، تخضع للمقاييس العلمية البحتة، متسائلا: لماذا لم يضرب الزلزال بلدانًا أخرى تموج بالفساد والانحلال؟ وإن كان بسبب عقاب إلهي.. فما جريرة المؤمنين وما ذنبهم في فسوق الآخرين؟! وعلى ظهر الأرض كفار كثيرون.. فلماذا لم ينزل العقاب بهم؟ ويجيب: إن تلك الأمور، من الصعب إيجاد تعليل لها.. ويحار المرء أمامها، لتبقى لغزا يثير العامة.. ولا يستطيعون أمامه سوى الركون إلى الله، والعودة إلى الرشد، وإدراك أن الحياة يمكن انتهاؤها في ثوان معدودة، والعقاب قد يكون ضمن نتائج الزلزال، لبعض الأفراد.. ولكن هذا القليل أيضا قد يجانبه الصواب! فكيف يكون العقاب جماعيا، والمذنبون بعض الأفراد؟!

أما من يرى أنه ابتلاء من الله واختبار لعباده.. فنرد عليه متسائلين: هل موت إنسان ما فجأة وتركه عائلة من بعده، يعد ابتلاءً أم قدرًا؟

وعن تفسيره لوقوع الكوارث والزلازل للأقوام السابقين كنوع من العقاب يشير الدكتور عبد الصبور إلى أن ما وقع لقوم عاد أو ثمود أو شعيب أو لوط من أهوال، كان في إطار محدود، وفي وقت دعوتهم إلى التوحيد، في فجر الحضارة الإنسانية، عندما رفضوا الدعوة الإيمانية، وظلوا على كفرهم وعنادهم، وأبوا الاعتراف بالمرسلين لإعلاء كلمة الحق.. وقتها وقعت لهم أحداث جسام عقابا لهم على كفرهم وإنكارهم التوحيد وعصيانهم للأنبياء المرسلين…

أما الآن، بعد أن صار الإسلام دينا شاملا في كافة أنحاء المعمورة.. ويؤمن به ما يقرب من مليارين من البشر.. فليس هناك مجال للمقارنة!!

آراء الجيولوجيين

وإذا كان هناك ارتباط بين الزلازل والدين، فإن الزلازل هو ظاهرة طبيعية، ولذا تطالعنا آراء علماء الجيولوجيا، حيث يرى الدكتور حسني حمدان أستاذ الجيولوجيا بجامعة المنصورة وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية: إن الزلزال بمثابة رسالة تحذير من الله، لكن مهما تعاظمت زلازل الدنيا، فإن زلزال الساعة هو الأمر والأدهى، زلزلة تنسي الوالدة رضيعها، زلزلة ترى الناس سكارى دون أن يتعاطوا خمرا، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ)، ويؤكد أن الزلزال ابتلاء للمؤمنين ونذير للكافرين، وهو جند من جنود الله يهلك به من يشاء.

وأشار إلى أن سورة الرعد بها 4 آيات، أمامها لا يسع أي عالم من علماء الجيولوجيا في العالم أجمع إلا أن يشهد بعظمة العلم القرآني في مجال علوم الأرض، ويصفها بأنها آيات تحمل إشارات علمية عميقة عن مد الأرض وقطعها المتجاورات وتقطيعا وسير جبالها، وإنقاص أطرافها، وهي آيات 3 و4 و31 و41 في سورة الرعد، موضحا أن زلزال المحيط الهندي الكبير، الذي ضرب الأرض ما هو إلا تفسير عملي لتلك الإشارات القرآنية التي لم يعرفها علماء الجيولوجيا إلا منذ مطلع الستينيات من القرن العشرين، أي في خلال الأربعين سنة الماضية، حيث حدث هذا الزلزال نتيجة التقاء قطعة من الغلاف الصخري (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ)… تقع تحت المحيط الهندي، تسمى باللوح الهندي، بقطعة تجاورها اسمها قطعة بورما، وللتبسيط –كما يقول د.حمدان– نتصور أن اليد اليسرى تمثل اللوح الهندي، وإن اليد اليمنى تمثل لوح بورما، وهنا نتخيل أن اليد اليسرى وهي هنا قشرة المحيط الهندي تقترب باستمرار من اليد اليمنى، وهي هنا تمثل قشرة قارة آسيا، وعند تقابل اليدين (بمعنى آخر القطعتين) تنزلق اليد اليسرى تحت اليد اليمنى في نطاق تنضوي فيه اليد اليمنى، ومع استمرار الحركة تغوص اليد اليمنى، وينشأ عن الاحتكاك بين اليدين (القطعتين) حركة عنيف تؤدي إلى حدوث زلزال، حيث تكسر الصخور وتنطلق منها موجات تفوق سرعتها سرعة الصوت بأضعاف مضاعفة).. وبمعنى آخر إن الأرض قد أنقصت من عند حواف قطعتي اللوح الهندي ولوح بورما.. وسبحان الله القائل: (أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).

ومن قدر الله أن يتساوى معدل المد والإنقاص، حيث تمد الأرض من عند مراكز الانتشار في البحار المسجورة والقارات، وفي زلزال المحيط الهندي تجد أن قاع المحيط الهندي يتسع في المكان الذي يتباعد عنده لوحا الغلاف الصخري، فتتحرك قطعة الهند باتجاه الشرق، حيث تتقابل مع قطعة بورما، وعند نطاق التلاقي تسحب قطعة الهند لأسفل فتنشأ الزلازل، ومنها الزلزال الأخير، وتنقص الأرض من أطراف قطعة الهند وتنصهر هي ووشاح الأرض، وسبحان من جعل مد الأرض متعادلا مع إنقاصها من أطرافها، وجعل الرواسي للأرض حتى لا تضطرب نتيجة للمد ولا تقر نتيجة للإنقاص.. فيقول تعالى: (بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاَءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ).

ويضيف د.حسني حمدان في تفسير مسألة الزلزال ظاهرة طبيعية أم رسالة ربانية، ويحذر: إن الزلازل جند من جنود الله، إن أخذ الكافرون بها فإنما يكون بسبب ذنوبهم، وإن أصابت بعض الصالحين فإنها تكون تكفيرا لذنوبهم وفتنة لغيرهم من ضعاف الإيمان، والزلازل في المقام الأول نذير للمغرورين بقوتهم المادية ليعلموا أن هناك الأقوى منهم، القاهر فوق عباده، الذي لا يقع شيء في ملكه إلا بإذنه، ثم هي دعوة للتعاطف الإنساني في زمن طفت فيه المادة على القيم الخلقية، مؤكدا أن الزلازل دعوة إلى العودة إلى الله، ودعوة للإصلاح في الأرض بعد إفسادها، ودليل عيني على زلزال الساعة الذي ترج منه الأرض رجا. وتقرع هذه الزلازل – آذان من يظنون أنهم ملكوا الأرض والدنيا.. فها هو زلزال استمر بضع دقائق، ونتجت عنه أمواج عاتية، وقع ولم تكشفه أو تتنبأ بوقوعه جميع أجهزة العالم. فأين المجسات التي تجس؟! وأين الأقمار التي تصور ليل نهار؟! حتى بعد وقوع الزلزال لم يكن في مقدور أهل العلم في الشرق والغرب أن يحذروا الدول التي ضربتها الأمواج بعد ساعات من حدوث الزلزال. ووقف من يملكون مفاتح العلم سواء مع من يجهلون كل شيء يرقبون وهم عاجزون، ولم يتحرك من يعتقدون أنهم يملكون زمام القوة في عالم اليوم إلا بعد 72 ساعة من حدوث الزلزال.. وهي أيضا رسالة إلى المغرورين بألا يركنوا إلى قوتهم… رسالة لأهل الأرض يقول فيها رب العالمين: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأنْعَامُ حَتَّى إذا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

الزلزال.. وآيات الرعد

وإذا كان الزلازل يعتبره الكثيرون آية إلهية لها ارتباط بالعلم، فإنه من المفيد أن نطلع على رأي الدكتور زغلول النجار زميل الأكاديمية الإسلامية للعلوم والمهتم بقضية الإعجاز العلمي، حيث يرى أن كافة الكوارث الكونية وغيرها من صور الابتلاء المختلفة تحدث عقابًا للعاصين، وابتلاءً للصالحين، وعبرة للناجين، وحدوثها في كثير من مناطق الفقراء والمساكين ليس معناه أنهم كلهم من العصاة، وإن كان لا بد أن يكون من بينهم عصاة، أما الذين يُقتلون أو يصابون بأضرار عبر هذه المحن فقد يكون ذلك ابتلاء من الله لهم تكفيرًا لذنوبهم ورفعًا لدرجاتهم وتطهيرًا لهم، وقد يكون فيها خير كثير لا يعلمه إلا الله لأننا لو اطلعنا على الغيب لاخترنا الواقع.

ويشدد الدكتور زغلول على أن الزلازل والبراكين والعواصف هي من جند الله، التي يسخرها عقابًا للمذنبين، وابتلاءً للصالحين، وعبرة للناجين، وإن فهمنا لميكانيكية حدوث أي من هذه الظواهر لا يخرجها من كونها جندًا لله، وإذا لم تؤخذ بهذا المعيار فلن يستفيد الناس من حدوثها حتى لو استطاعوا التنبؤ بها، أو اخترعوا الوسائل المختلفة لمقاومتها، وفي ذلك يقول الإمام علي (رضي الله عنه): “ما وقع عذاب إلا بذنب، وما ارتفع إلا بتوبة”. وآيات العقاب المختلفة في كتاب الله نزلت كلها ردًّا على ذنوب الناس، مشيرا إلى أن من أبرز الآيات القرآنية التي تتحدث عن الزلازل ما ورد في سورة النحل، حيث يقول ربنا تبارك وتعالى: “قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون”، حيث تأتى هذه الآية ردًّا على مكر هؤلاء الماكرين؛ ولذلك فإنه على المؤمن أن يعتبر من حدوث هذه الظواهر الكونية، وأن يضعها في الإطار الصحيح الذي أوضحته: عقابًا للعاصين، وابتلاء للصالحين، وعبرة للناجين.

أما مواجهة هذه الظواهر عمليًّا فيقول الدكتور زغلول: إنه إذا كان في إمكان الإنسان اقتراح أي وسيلة للحماية من آثار هذه الظواهر فلا حرج من ذلك، وإن كانت كل المحاولات التي بذلت حتى الآن للتنبؤ بحدوث الزلازل لم تُجْدِ في مقاومتها، أو التنبؤ بوقوعها قبل وقت كاف لتجنبها؛ ففي منتصف السبعينيات نجح الصينيون في التنبؤ بحدوث زلازل، وتحققت نبوءتهم، وفرحوا بذلك فرحًا عظيمًا، ودعوا إلى مؤتمر دولي ليناقشوا مع علماء العالم كيفية نجاحهم في التنبؤ بحدوث ذلك الزلزال، فشاء السميع العليم أن يحدث زلزال في لحظة اجتماعهم وينتهي المؤتمر إلى لا شيء.

التفسير الاجتماعي

وإن كان هناك من العلماء من يرفض فكرة علاقة الدين بالزلازل، ومنهم من يرى أن هناك التصاقا كبيرا بينهم، فإن الدكتور محمد المهدي استشاري الطب النفسي يرى في تحليله أن الجمع بين الرؤيتين ممكنة، وأنه بهذا الجمع يمكن تفسير الظاهرة على أنها ظاهرة علمية لها علاقة بالسلوك البشري، ويؤكد الدكتور المهدي على أنه لا توجد وسيلة للتنبؤ بوقوع الزلزال، وبالتالي فإذا كان لسلوك البشر دخل في حدوثه، فربما يتوجه الاهتمام نحو تعديل هذا السلوك تجنبا لحدوث الزلازل. وتعديل السلوك هنا لن يتوقف عند تجنب المعاصي والذنوب، وإنما يهتدي لسلوكيات تبدو خارجة عن هذه الدائرة (ظاهريا) مثل التفجيرات النووية والعبث بجغرافية الأرض، ويحذر من خلل فكري قد يصيب الإنسان على وجه العموم والإنسان العربي على وجه خاص وهو ما يسمى “التفكير الاستقطابي الاختزالي”، فنسمع السؤال الثاني: أهو ظاهرة طبيعية من اختصاص أئمة المساجد ووعاظ الكنائس وكهنة المعابد؟ ويقول إننا نحتاج إلى تصحيح لهذا الخلل الفكري من خلال قراءة ظاهرة الزلازل في بعديها المادي والروحي.. فعلى المستوى الروحي أو الديني تحتاج للتوقف كثيرا أمام أخطائنا وذنوبنا التي تزداد يوما بعد يوم حتى لتكاد تلوث الأرض وما يحيط بها..

ويضرب الدكتور المهدي مثالا على ارتباط البعد المادي بالبعد الروحي قائلا: إنه إذا تصورنا أن أسرة تعيش في شقة وأنهم جميعا يعبثون بمبانيها وأثاثها، ويتركون بقاياهم في أركانها ويتركون مواسير المياه والصرف الصحي بلا إصلاح ويرتكبون كل الموبقات التي تلوث وعيهم وضمائرهم وتشعل العداوة والبغضاء بينهم، فماذا يكون حال هذه الشقة التي يسكنونها بعد عدة سنوات؟ هذا بالضبط هو حالة الأرض مع انتشار المظالم والمفاسد. وقد يقول قائل: إن المفاسد تقع في الأرض كلها فلماذا يقع الزلزال في مكان معين دون الآخر على الرغم من أن المكان الآخر يكون أكثرا فسادا (كأمريكا وإسرائيل مثلا مقارنة بجنوب شرق آسيا)، والإجابة هنا لا تخضع للقوانين الظاهرة بالكامل، وإنما يحكمها أيضا قوانين غيبية، فلله حكمه في اختيار مكان ما وزمان ما لإيصال رسالة للبشر توقظهم وتنبههم حتى لا يغتروا بالاستقرار الكاذب على سطح الأرض فيمعنوا في الطغيان والفساد، وهذا بالضبط كشخص صحيح البدن قد علا وتجبر على الناس بصحته وقوته فيصيبه الله بمرض يكسر جبروته أو يوقظه من غفلته، وهذا المرض يصيب أي جزء من جسده وليس شرطا أن يكون هذا الجزء هو المتورط في الطغيان أو الفساد وإنما هو جزء يمرض لكي تصل عن طريقه رسالة الانتقام أو الإيقاظ. ومع هذا فلن يعدم المراقب المتأمل أن يجد في كل مكان حدث فيه زلزال مروع مظهرا أو أكثر من مظاهر الإفساد، فعلى سبيل المثال:

يؤكد الدكتور محمد المهدي أن زلزال جنوب شرق آسيا الأخير والمروع الذي مات فيه آلاف من الناس، هذا الزلزال أصاب منطقة انتشر فيها ما يسمى بالسياحة الجنسية حيث هرع الأوروبيون بالآلاف بحثا عن المتعة الجنسية الخاصة التي ربما تمنع قوانين بلادهم ممارستها مثل: مواقعة الأطفال الذكور أو الفتيات الصغار، وقد قام بعض الآسيويين بخطف الأطفال لاستخدامهم في هذا الغرض، كما قام بعض الناس ببيع أو تأجير أطفالهم وبناتهم للقوادين لاستخدامهم في هذه التجارة الآثمة والمخالفة للأعراف والقوانين والأخلاق كما هي مخالفة لكل الأديان السماوية. وهذا لا يعني أن كل من أصابهم الزلزال موصومون بهذا الأمر، ولكن حين يحل الانتقام أو ينزل البلاء تكون له أحيانا صفة العموم فيأخذ في طريقه أناسا لم يشاركوا في الإفساد بشكل مباشر إما لسكوتهم عن ذلك أو لابتلائهم وتعويضهم حسب حكمة الله ومشيئته التي لا يعملها إلا هو، وهذا لا يعني أن من أصيبوا بالزلزال هم أسوأ البشر ولا يعني أخذ موقف سلبي شامت أو متشف منهم، فكل هذا ضد مبادئ الرحمة والشفقة، ومن يفعله يكون أشبه بالطبيب الذي ينظر إلى المريض متشفيا لأن المريض لم يتبع نصائحه العلاجية أو لم يكن عند توقعاته من ناحية الحمية الغذائية. كما أن الرسالة المقصودة بالزلزال ليست قاصرة على من أصابهم فقط بل هي للناس عامة. والقرآن الكريم حافل بالآيات الدالة على أن الله يعاقب عباده إذا تجبروا أو أفسدوا بشتى القوى والظواهر الطبيعية (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)، ونذكر من هذه الآيات على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ* وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الأنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ) [القمر 1 – 5]، وقوله تعالى (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ) [الحاقة 5 – 8]، وقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ) [الفيل 1 – 5]. والمصيبة تقع فتكون للمؤمنين ابتلاء (لتكفير ذنب أو رفع درجة) وتكون للكافر انتقام على ما جنت يداه ولكي تستريح الأرض ويستريح الناس من فساده.

ويتساءل د. محمد المهدي: ماذا يضير البشرية حين تعتقد بأن الزلزال – وهو ظاهرة طبيعية جيولوجية تنشأ عن حركة طبقات الأرض – له جانب آخر غيبي، خاصة أن هذا الجانب الآخر يستلزم صلاح الإنسان على وجه الأرض، وأن هذا الصلاح يعتبر جهدا وقائيا يمكن أن يقلل من حدوث الزلازل خاصة أنه لا توجد حتى الآن أي طريقة تنبيئية أو وقائية من الزلازل؟

وماذا يضيرنا لو أصلحنا أنفسنا وسلوكياتنا لكي تصلح معنا وبنا بيئة الأرض التي نعيش عليها سواء كان ذلك بدافع ديني (لدى المؤمنين) أو بدافع دنيوي (لدي الدنيويين). ولماذا نلجأ إلى اختزال رؤانا للأحداث على الرغم من أن العلم الحديث قد أثبت للمؤمنين وغيرهم أن كل الظواهر تقريبا متعددة العوامل والمستويات؟

وبعد هذه التحليلات من عوام الناس، وتفسيرات علماء الشريعة، وعلماء الجيولوجيا، وعلماء النفس، بشأن هل الزلزال ظاهرة طبيعية أم رسالة ربانية، تبرز العديد من الاسئلة: هل تبقى الزلازل ظاهرة لا يمكن الوقوف على أسرارها؟ وهل دائما يجب أن تكون هناك رؤى متناقضة أم يمكن الجمع بين تلك الرؤى ما دام العقل يقبل هذا الجمع؟ وهل تفسير زلزال “تسوماني” يعيد الكرة بين الاختلاف الموهوم بين الدين والعلم، مع أن القرآن الكريم هو كتاب الله المقروء، والكون الفسيح هو الكون المنظور، وكلاهما من عند الله، فكيف يأتي لنا هذا الاختلاف؟.


آية فاروق- صبحي مجاهد – 06/02/2005