هل نحن سكان كوكب الأرض وحدنا في هذا الكون الفسيح الذي لا نعرف نهايته وحدوده حتى الآن؟ وهل يمكن أن تكون هناك كائنات حية عاقلة تعيش في كواكب أخرى؟ وإذا وُجِدَت.. تُرَى هل تكون أكثر تقدمًا منا، أم لم تبلغ ما حققناه من تقدم حضاري وتكنولوجي؟ هذه الأسئلة وغيرها تراود علماء الفلك، ويحاولون الإجابة عنها منذ عشرات السنين، وقبل أن يصعد الإنسان إلى سطح القمر في 20 من يوليو عام 1969. وقد زادت الرغبة والإصرار على البحث عن أشكال أخرى من الحياة خارج كوكب الأرض.

وفي نهاية شهر يناير الماضي أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” NASA أن علماءها تمكنوا من تكوين بيئة قاسية في مختبراتهم شبيهة بتلك البيئة التي تميز بها الفضاء الخارجي العميق جدًّا، وطوروا ما أسموه بالخلايا البدائية، وهي عبارة عن هياكل غشائية شبيهة تماما بالأغشية الداخلية للخلايا الموجودة في الكائنات الحية.

ويعتقد العلماء أن المواد أو الهياكل الغشائية ضرورية لتكوين جزئيات الخلايا؛ مما يظهر أهميتها لنشأة الحياة، وهي موجودة في جميع الأصقاع الشاسعة للفضاء الخارجي العميق. وأعلن العالم الأمريكي “لويس ألاما ندولا” أن الكشف الجديد ربما يؤدي إلى استنتاج أن حياة ما موجودة في مكان ما في هذا الكون الفسيح إلى جانب الحياة على الأرض.

وأوضح الدكتور “جيسون دوركين” من جمعية البحث عن كائنات في الفضاء الخارجي ومقرها كاليفورنيا أن الحياة كما نعرفها على الأرض تستخدم الهياكل الغشائية لعزل العمليات الكيماوية وحمايتها، التي تتطلبها الحياة من العوامل والظروف الخارجية، أي أنها في هذا تشبه البيت الواقي من أي شيء خارجي، وأن هذه المواد الغشائية أشبه ما تكون بمواد البناء المتوفرة بكثرة، التي تسمح للكيماويات التي تُعتبَر أصل الحياة بتكوين البيت المطلوب لنمو وتطور الحياة في عوالم أخرى.

وقد تمكن العلماء في مختبرات وكالة ناسا من توفير ظروف شبيهة بتلك الظروف الموجودة في الفضاء الخارجي، وهو فراغ بارد، ونجحوا في تشجيع مكون ثلجي بسيط باستخدام الأشعة فوق البنفسجية. يُذكَر في هذا الصدد أن الجليد الكوني يتكون من مركبات كيماوية عادية متوفرة يوميا مثل: الماء، والميثانول، أو كحول الأخشاب، والأمونيا، وثاني أكسيد الكربون، حيث تُجمّد كلها مع بعضها البعض، وبعد فترة تكّون هذه المواد مجتمعة مواد أخرى صلبة القوام إذا غُمِرَت في الماء تبدأ في تكوين الهياكل الغشائية الداخلية للخلايا الموجودة في الكائنات الحية، ويُعَدُّ هذا مصداقًا لقول الله – عز وجل – في القرآن الكريم: “وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ.

موجات الراديو

كما يوجد مركز فضائي بالولايات المتحدة يُطلَق عليه “تلسكوب سيتي”، بدأ البث عن حياة خارج كوكب الأرض منذ عام 1960، وأنجز حوالي مائة بحث طوال 40 عامًا، ولم يكل الدكتور “فرانك دريك”، ولم يمل، من محاولات رصد أية إشارات قادمة من الفضاء الخارجي، لعلها تكون من سكان كواكب أخرى في الكون.

وقد كان هذا المشروع في الأصل نتيجة بحث نشره “جيوسبي كوكوني”، و”فيليب موريسون” عالما الفيزياء بجامعة كورنيل، وفي هذا البحث اعتبرا أن موجات الراديو قد تكون الطريقة المُثلَى للتواصل فيما بين الأجرام السماوية؛ وبالتالي لرصد وجود أية حياة عاقلة خارج الأرض.

وكان العالمان الفيزيائيان قد طلبا في البداية من مسئول تلسكوب “جودريل تبك” في لندن التقاط أية إشارات غريبة قادمة من الخارج، وقد رُفِضَ اقتراحهما، إلا أن الدكتور فرانك دريك التقط الفكرة، ونفذها، عبر تلسكوب سيتي في ولاية فرجينيا غرب الولايات المتحدة الأمريكية. والآن يخطط هذا العالِم لمشروع جديد لاستكشاف الحياة في أماكن أخرى في الكون؛ مزودًا بالإمكانيات الحالية التي يصفها بأنها تفوق بمائة تريليون مرة الإمكانيات والتجهيزات التي بدأ بها منذ 40 عامًا.

ويقول دريك: قد يكون سكان العوالِم الأخرى متقدمين عنا في تكنولوجياتهم بآلاف الملايين من السنين بكل ما لهذا القول من معنى؛ ولذلك فإن ما سنفعله نحن سيكون بشكل من الأشكال مجرد ما أسماه أركيولوجيا المستقبل.

يُذكَر أن مرصد “جودريل بنك” بلندن قد بدأ بعد ذلك في رصد الإشارات القادمة من الفضاء الخارجي. ليس هذا فحسب، فهناك مرصدان يقومان بالعمل نفسه منذ عشرات السنين، أحدهما في بورتريكو، والآخر في أكوادور في أمريكا الجنوبية. ولا تكتفي هذه المراصد بمحاولات التقاط الإشارات، بل تبث رسائل تقول: نحن سكان الأرض.. فمن أنتم؟ وهي بعدة لغات لعلها تصل إلى كائنات عاقلة أخرى في هذا الكون الفسيح.

القرآن والحياة في الكون

ولا يُعتبَر احتمال توفُّر الظروف التي تساعد على نشأة الحياة هو السبب الوحيد للاعتقاد بوجود أشكال أخرى من الحياة خارج كوكب الأرض، ولكنَّ هناك أسبابا أخرى في مقدمتها أن هذا الكون الفسيح يحتوي على ما لا يقل عن 100 بليون مجرة، وداخل كل مجرة توجد ملايين المجموعات النجمية، مثل المجموعة الشمسية التي يقع بها كوكب الأرض، وهي جزء من مجرة “درب التبانة” التي تضم ما يتراوح ما بين 150 إلى 200 بليون نجم، وهذه النجوم يدور حولها ملايين الكواكب، مثل الكواكب التي تدور حول الشمس. ولا يُعقَل أن تكون هذه البلايين من الكواكب بلا حياة على الأقل في بعض منها.

وقد كان اكتشاف كواكب أخرى خارج المجموعة الشمسية أحد أسباب دعم احتمال وجود حياة في الفضاء؛ بل في مجرتنا؛ حيث اكتشف العلماء كوكبًا أكبر من كوكب المشترى يدور حول نجمه كل 35 سنة في مدار يشبه مدار المشترى حول الشمس، وهذا النجم في مجموعة الدب الأكبر. كما اكتشف العالم “ألسكندر ولسكز” وجود كوكب شبيه بالأرض يدور حول نجم نيوتروني.

وعلى الرغم من ذلك؛ فإن العلماء لم يمسكوا بدليل مادي مؤكد عن وجود كائنات حية سواء عاقلة أو غير عاقلة في هذا الكون الفسيح، ولكن القرآن الكريم- المعجزة الخالدة- قد أخبرنا بحقيقة وجود حياة الكون والسماوات منذ أكثر من 14 قرنًا؛ حيث يقول عز وجل: “أَلَّا يَسْجُدُوا للهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” (سورة النمل، آية 25)، والخَبْءُ: هو النبات؛ لأن الحبة تختبئ في الأرض، ثم تخرج زرعا، أي أن الله أخرج النبات في الأرض، وكذلك أخرجه في السماء، ومعنى هذا وجود الحياة النباتية فيها، وهو ما ذكره د.”علي حسين عبد الله” منقولا عن كتابه “هل نحن وحدنا في الكون” للدكتور “محمد عبده عياش” في مقال له.

وهناك دليل قرآني آخر، ولكن عن وجود دواب في السماء؛ حيث يقول عزَّ مِن قائل: “وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ” (الشورى، آية 29) حيث تؤكد الآية الكريمة وجود دواب في السماء، وليس في الأرض فقط.

الحياة على المريخ

ولكن هناك اكتشافات لعلماء الفلك تشير إلى احتمالات وجود أشكال من الحياة البدائية على كواكب أخرى؛ حيث اكتشف العلماء مؤخرا وجود قنوات ووديان شقّها الماء على سطح المريخ الذي يُطلَق عليه الكوكب الأحمر، كما قام العلماء بتحليل نيزك عُثِر عليه في القطب الجنوبي عام 1996، وتبين أنه كتلة صخرية سقطت من المريخ، وبها مركبات كيمائية وعضوية تعود لأكثر من 3.5 مليارات سنة. كما يؤكد العلماء أن الحياة نشأت لأول مرة على كوكب الأرض منذ ثلاثة مليارات سنة.

وفي عامي 1969 و1971 عُثِرَ على نيازك في أستراليا وسيبريا، وقام العلماء الروس والأمريكان بدراستها، واكتشفوا وجود تسعة أحماض أمينية من نوعية مختلفة عن تلك الموجودة في بصمات الأصابع، أو أية مكونات، أو نواتج للمادة الحية في الأرض. وما يزال العلماء يراودهم الأمل في العثور على البكتريا، أو أية خلايا حية بدائية على سطح المريخ أو على عمق عدة أمتار من سطحه؛ وذلك من خلال رحلات للكوكب الأحمر مصحوبة بمعدات متقدمة خلال هذا العام، وعام 2003 و2005.

ظواهر أخرى

ومنذ الخمسينيات والستينيات من هذا القرن، ومع اشتداد موجة البحث عن حياة خارج الأرض، اعتقد كثيرون أن الأرض موضوعة تحت المراقبة المستمرة من مخلوقات فضائية عاقلة، ويرجع ذلك إلى حدوث الظاهرة التي أُطلِقَ عليها “الأطباق الطائرة”، وهي عبارة عن أجسام غريبة بيضاوية الشكل مضيئة ظهرت في السماء، وقيل إن بعضها هبط على الأرض. وقد ظهرت أول مرة عام 1947، وزاد من الاهتمام بها السرية التي أُضِيفَت عليها من جانب الأجهزة الأمريكية.

وقامت مؤسسات أمريكية بعمل دراسة استمرت لمدة عشرين عاما، وأطلقت عليها مشروع “الكتاب الأزرق” للبحث في ظاهرة الأطباق الطائرة. وقدم فريق من جامعة كلورادو تقريرهم في النهاية الذين انتهوا فيه إلى أن هذه الأجسام ظاهرة لا إرادية، ومن صنع الخيال، واستمرار البحث فيها ليس إلا مضيعة للوقت.

وقد تردد في بعض الأوساط العلمية أن هذه الأجسام ما هي إلا أقمار صناعية للتجسس، وكانت في إطار الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية.

كما أن هناك اعتقادات بأن هناك قارة تسمى قارة “أتلانتس” غارقة تحت سطح المحيط الأطلسي، وأنه كان يسكنها في الماضي السحيق مخلوقات فضائية، وتصل الهلوسة إلى حد القول بأن سكان هذه القارة هم الذين علّموا قدماء المصريين كيفية بناء الأهرامات.

كما يعتقد بعض الباحثين في الظواهر الغريبة أن حوادث سقوط الطائرة فوق مثلث “برمودا” الشهير يرجع لوجود قاعدة لمخلوقات فضائية تقوم باختطاف هذه الطائرات، وعمل أبحاث عليها، وعلى ركابها.

وتبقى في النهاية حقيقة وجود حياة في أماكن أخرى في هذا الكون الفسيح حقيقية قرآنية مؤكدة. ويستمر بحث علماء الفلك عنها للعثور على دليل مادي على وجودها.

 

خالد يونس


نشرت المادة بتاريخ 10/03/2001