لماذا نذبح الخروف في العيد؟ فاجأتني ابنتي في عيد الأضحى الماضي بسؤالها هذا، لأستفيق على تقصيري وتقاعسي في شرح مفهوم الذبح وسرد قصة سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل.
لم ألُم ابنتي على رؤيتها لموضوع الذبح على أنه قسوة وجريمة؛ فهي لا تعرف ولا تفهم المعنى والمغزى من ورائه.
فأخذت في سؤال من له خبرة في هذا المجال لمعرفة لماذا نذبح الخروف في العيد؟ وفي كيفية شرح وتبسيط مفهوم الذبح لأطفال الطفولة المبكرة، فأرشدتني جداتي إلى أهمية القصة ودورها العظيم، ومنهن عرفت أن الصحابة والتابعين كانوا يلجئون إلى فن القصة في تربيتهم لأولادهم؛ أليس الإمام الغزالي هو القائل: “يتعلم الطفل القرآن وأحاديث الأخبار وحكايات الأبرار وأحوالهم؛ لينغرس في نفسه حب الصالحين.
ولم يكن الإمام الغزالي وحده من انتبه إلى أهمية القصة، بل تبعه في ذلك الإمام أبو حنيفة – رضي الله عنه – الذي قال: “الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحب إليَّ من كثير من الفقه؛ لأنها آداب القوم. حتى إن بعض المفسرين من سلفنا الصالح رأوا أن الحكايات جند من جنود الله تعالى يثبت الله بها قلوب أوليائه، وشاهدهم من كتاب الله تعالى قوله سبحانه: “وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك” (سورة هود: 120).
أفضل من الموعظة
تعتبر القصة من أهم أساليب التربية، فهي تستهوي الطفل في سني عمره المبكرة، هو يفضلها عن أساليب تربوية أخرى كالموعظة والنصح، ومع ذلك تغرس القصة لديه القيم المرغوب فيها من خلال مشاركته الوجدانية وتعاطفه مع أبطال القصة ومعايشته الحوار والأحداث التي تصورها.
ولكل موسم قصصه ولكل مناسبة حكاياتها المرتبطة بالحدث والمناسبة، فإذا اشتهر المحرم بقصة الهجرة من مكة إلى المدينة وحكايات الصحابة الأوائل، ومصعب وبلال وسيدنا أبو بكر – رضي الله عنهم جميعًا – تحكي الجدات في رمضان قصة نزول الوحي وإسلام السيدة خديجة وسيدنا علي، أما أيام الحج فلقصصها وحكاياتها نكهة مختلفة وعبير يمتد إلى أيام بعيدة قبل رسالة الإسلام.
سألتها: كيف نحكي؟
كيف نحكي تلك القصص المرتبطة بشعائر الحج والعيد: قصة سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل –عليهما السلام- قصة السيدة هاجر وانفجار بئر زمزم، بناء الكعبة… إلخ؟ هذا هو السؤال الذي توجهت به إلى الحاجة “سمية” التي اشتهرت منذ زمن بعيد ببراعتها في فن سرد القصص. هي أم لثمانية أولاد و14 حفيدًا.
امتدت شهرة الحاجة سمية؛ فأصبح دارها ملتقى الأمهات الراغبات في النهل من فيض خبرتها التربوية والشرب من نهر الحياة الأسرية المستقرة. قصدت دارها للسؤال عن شيء محدد وسؤال بعينه:
كيف نشرح لأولادنا لماذا نذبح الخروف في العيد؟ وكيف نبسط لهم قصة سيدنا إبراهيم مع ابنه؟ كيف تصل معاني التضحية والتوكل على الله والثقة به إلى أذهان وعقول وقبل ذلك إلى وجدان وقلوب الصغار؟
هنا بدأت الجدة تحكي قصة سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل، موضحة النقاط التي لا بد من الوقوف عندها والأحداث التي على الراوي/الراوية التعليق عليها، فبدأت القصة بالنسبة لي وكأنني لم أسمعها من قبل:
“كان ياما كان ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبي العدنان عليه الصلاة والسلام، كان هناك نبي بعثه الله تعالى لهداية الناس إلى الخير وإلى عبادة الله وحده، كان هذا النبي يحب الله فيدعو الناس لعبادته وطاعته، وكان لهذا النبي ولد طيب بار بوالده يساعده كلما طلب منه ذلك.
طلب منه سيدنا إبراهيم يومًا أن يساعده في بناء الكعبة، فلم يمانع بل ساعده واجتهد في ذلك. تعلم إسماعيل من والده أن من أحبَّ الله عليه أن يثبت ذلك بعمله الصالح وعبادته وطاعته لله؛ فالحب ليس كلامًا بل عملاً وفعلاً.
فكلما نظر سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل حولهما رأيا وأحسا بنعم الله فزاد حبهما لله، وبالتالي أطاعا الله أكثر وتقربا إليه بالدعاء والصلاة والأعمال الصالحة [التركيز على ارتباط الحب بالطاعة والعمل الصالح].
الحكي بالصوت والصورة
وفي يوم من الأيام رأى سيدنا إبراهيم وهو نائم رؤيا (وهي مثل الحلم)، رأى أنه يذبح ابنه الحبيب إلى قلبه – فسيدنا إبراهيم مثله مثل كل أب يحب ابنه، ولا يمكن له أن يؤذيه – عرف سيدنا إبراهيم أن الله يأمره بذبح ابنه الذي يحبه، ماذا يفعل؟ ماذا يفعل؟ هل يذبح فعلاً ابنه الذي يحبه؟ هل يعصي الله ويبقي على حياة ابنه الحبيب إلى قلبه؟
دار هذا الحوار في ذهن سيدنا إبراهيم: أنا أحب ابني ولكن حبي لله أكبر، فذهب سيدنا إبراهيم لابنه وحكى له ما رآه في رؤياه. فماذا فعل الولد الطيب الصالح: قال له ببساطة: يا أبت افعل ما تؤمر؟ يقصد اذبحني، وسيدنا إسماعيل يحب الحياة مثله مثل كل بني البشر ولكن حبه لله أكبر. فبذلك اختبر الله تعالى كلا من سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل، وقد نجحا في الاختبار، فأراد الله تعالى مكافأة سيدنا إبراهيم على نجاحه في هذا الاختبار فأنزل له كبشًا ليذبحه بدلاً من ابنه.
ويسمى ما يذبح في العيد “الخروف/الكبش” الأضحية؛ لأنه الشيء الذي يضحى به، أي يبذله الإنسان في سبيل الله، فسيدنا إبراهيم أحب الله وكان مستعدًا أن يضحي بابنه، وسيدنا إسماعيل كان على استعداد أن يضحي بحياته.
أنت يا ابني عليك أيضًا أن تضحي، فمن ترك اللعب ومشاهدة التليفزيون من أجل الصلاة يضحي بما يحب لله، الولد الشاطر المتفوق يضحي براحته ونومه ليذاكر فيرضى الله عنه، الأخ الطيب يضحي ببعض ألعابه وملابسه لمن هو أفقر منه ليرضى الله عنه.
“ومن ترك شيئًا لله أبدله الله شيئًا خيرًا منه“. سيدنا إبراهيم كان مستعدًا أن يتخلى عن ابنه حبيبه البار به المطيع له فأنزل الله عليه كبشًا من السماء ليذبح بدلاً من سيدنا إسماعيل، من ضحى بشيء من ماله للفقراء سيبدله الله بركة في ماله ويرزقه مالاً من حيث لا يحتسب.
وهنا تنهي الحاجة سمية قصة سيدنا إبراهيم التي سردتها مصحوبة بكافة فنون الصوت والمؤثرات الأخرى، كحركة اليدين والعينين وعضلات الوجه. فلم نتركها إلا بوعد بقصة أخرى ودرس جديد لفن سرد القصص.
منى يونس