شهد اصطلاح التنوع الحيوي biodiversity صعودا في الفترة الأخيرة خاصة حينما يكون الحديث منصبا على حالة الكائنات الحية في نظام بيئي بعينه، وعندما يكون الأمر متعلقا بالآثار التي تخلفها الأنشطة البشرية (أو الأحداث الطبيعية) على حالة المركب الإحيائي وتنوعه في ذلك النظام البيئي. ولعل ما أصاب منطقة جنوب شرق آسيا من خسائر وتدهور على المستوى البيولوجي خير شاهد على ذلك، حيث قدر علماء البيولوجي والإيكولوجي أن مياه المحيط الهندي تحتاج إلى نحو قرن من الزمان حتى تعود إلى حالتها من الثراء والتنوع الحيوي التي كانت عليها قبل حدوث موجات المد الزلزالية المعروفة باسم تسونامي Tsunami.
إن الحديث عن التنوع الحيوي يستوجب في البداية الإشارة إلى أن كوكب الأرض يتألف من مجموعة أغلفة، أولها الغلاف الصخري Lithosphere الذي يشكل الكتل القارية التي نعيش عليها ويمثل هذا الغلاف نحو 29% من المساحة الإجمالية لكوكب الأرض، وفي المسافات الفاصلة بين الكتل الصخرية (القارية) تستقر المياه (في صورة بحار وبحيرات ومحيطات) أو تجري هذه المياه فيما بين اليابس نفسه (في شكل أنهار). وتكون كل هذه الأشكال المائية ما يعرف بالغلاف المائي ydrosphere ويشغل نحو 71% من المساحة الكلية لكوكب الأرض. ويغلف اليابس والماء معا غطاء من الغازات المختلفة التركيب يعرف باسم الغلاف الغازي أو الجوى Atmosphere. وأخيرا أضاف العلماء أو تصوروا غلافا أو غطاء آخر بالكرة الأرضية يضم جميع أشكال الحياة التي تسكن كوكب الأرض وتميزه عما سواه من كواكب المجموعة الشمسية وربما جميع الكواكب السيارة بالكون كله، وقد اقترح العلماء أن يأخذ هذا الغلاف اسم الغلاف الحيوي Biosphere.
ثلاثة مؤشرات
أما التنوع الحيوي فيقصد به في أبسط معانيه “الاختلافات العددية والنوعية فيما بين الأحياء في مساحة مكانية بعينها سواء أكانت من اليابس أم من الماء”، ومن ثم فإن الاهتمام هنا سينصرف إلى الغلاف الحيوي الذي يضم كل صور الحياة مع الأخذ في الاعتبار أن مكونات هذا الغلاف تتأثر بكل ما يحدث في بقية الأغلفة المكونة لكوكب الأرض.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف يمكن قياس التنوع الحيوي وبأي طريقة يمكن حسابه؟
لقد ترتب على كثرة التعريفات والمفاهيم التي حاولت شرح المقصود بمفهوم التنوع الحيوي أن تعددت وجهات النظر الخاصة بطرق حسابه وتقييمه؛ فهناك طرق تدعو للتمييز بين التنوع على مستوى الأعداد وأخرى على مستوى الأفراد داخل النوع الواحد. كما ظهرت مشكلات فيما يتعلق بالاختلافات الجغرافية بين البيئات على مستوى الكرة الأرضية، وما لذلك من أثر على الطريقة التي تتبع لتقدير التنوع الحيوي وحسابه.
الخلاصة أن هناك ثلاثة مؤشرات أو مستويات لحساب التنوع الحيوي أولها المؤشر ألفا Alpha diversity وهو يشير إلى عدد الأنواع في مجتمع واحد ومن ثم فإن هذا المؤشر يعطينا تصورا عن وفرة الأنواع Species richness وبالتالي فهو يساعد عند مقارنة عدد الأنواع في مختلف الأنظمة البيئية.
أما المؤشر بيتا Beta diversity فيعتمد عليه إذا كان الهدف معرفة تغير عدد الأنواع ومدى ارتباط ذلك بتغير مماثل في الظروف البيئية، وأخيرا المؤشر جاما Gama diversity الذي يطبق في الدراسات التي تتناول عدة بيئات ومناطق جغرافية ومن ثم عرف هذا المؤشر بأنه يعبر عن معدل تواجد الأنواع الإضافية كبديل جغرافي (أي أنه يحل بديلا لأنواع أخرى غابت نتيجة اختلاف الظروف الجغرافية).
اختلافات جغرافية
في حقيقة الأمر فإن التباينات في محتوى البيئات من الأنواع الحيوية يخضع إلى حد كبير للاختلافات الجغرافية حيث لوحظ أن:
1- منحنى التنوع الحيوي يختلف على طول امتداده من خط الاستواء مرورا بمناطق العروض الوسطى والعليا وصولا للقطبين، وتكون الوفرة من نصيب المناطق الاستوائية ذات المطر الغزير والحرارة المرتفعة التي تهيئ الظروف لوجود تنوع نباتي وحيواني قلما نجد له مثيلا في أي بقعة أخرى بالكرة الأرضية.
2- يتباين التنوع الحيوي مع الارتفاع، حيث إنه يكون واضحا كثيفا في سفوح الجبال (تماما كالعروض الدنيا) ثم يأخذ في الانخفاض في حالة الارتفاع الذي يصل إلى حالة من الفقر الواضح عند القمم الجبلية (متساوية في ذلك مع المناطق القطبية).
3- تتميز البيئات اليابسة بتنوع حيوي أكبر وأغنى من نظيرتها المائية، والسبب الرئيسي في ذلك هو كثافة عمليات التمثيل الضوئي التي تتم بصورة كبيرة من خلال النباتات التي تغطي مساحات شاسعة من اليابس ولا تجد نفس المجال المكاني ولا الظروف الحيوية المناسبة لذلك في البيئة المائية.
4- يقل التنوع الحيوي كثيرا في الجزر عما هو الحال عليه في الكتل القارية.
ومما سبق يتضح أن هناك اختلافات فرضتها الظروف المناخية والطبوغرافية (التضاريسية) فأوجدت حالة من التنوع المميز والمفيد لكل بيئة من البيئات.
بعد أن تأكدنا من أن هناك اختلافات توزيعية للأحياء على مستوى الكرة الأرضية أصبح لدينا تساؤل هو: هل تبقى الصورة التوزيعية كما هي ما دامت الحياة؟ أو بمعنى آخر هل التنوع الحيوي يتعرض لعوامل تصيبه بالاضطراب والخلل؟
منذ عام 1600 انقرض نحو 724 نوعا من الأحياء، ويوجد حاليا نحو 3956 نوعا مهددا بالخطر، ونحو 25% من حجم التنوع الحيوي الحالي مهدد بالانقراض خلال الـ25 أو الـ30 سنة القادمة!.
مصادر التهديد
ويتعرض التنوع الحيوي لكثير من صور التهديد التي تنذر بخطر الفناء للعديد من الأنواع الإحيائية النباتية والحيوانية، وقد تكون مصادر التهديد هذه من الطبيعة ذاتها أو أن تكون الأنشطةوالتدخلات البشرية هي مصدر هذه التهديدات.
أما المصدر الأول من مصادر التهديد فهو الطبيعة: فإن دور الطبيعة يتمثل في حدوث تغيرات مناخية شديدة سواء بالانتقال من البرودة الشديدة إلى الحرارة الشديدة أو بالعكس، مما ينتج عنه موت وفناء أنواع بعينها من الأحياء لم تقو على تحمل تلك التغيرات المتطرفة فانقرضت وحلت محلها أنواع أخرى لها القدرة على الحياة في ظل هذه الظروف المستجدة، أو أن تحدث ثورانات طبيعية عنيفة من باطن الأرض في صورة براكين أو موجات زلزالية تؤثر في البيئتين اليابسة والمائية كما حدث مؤخرا في منطقة جنوب شرق آسيا التي ضربتها موجات تسونامي التي لم يتوقف أثرها التدميري على التنوع الحيوي النباتي والحيواني في اليابس والماء فحسب بل امتد أثرها إلى الإنسان حيث فقد نحو 238892 نسمة من سكان إندونيسيا وحدها.
ورغم أن تغير المناخ عددناه ضمن الأسباب الطبيعية، فإن ما يحدث الآن من ارتفاع في درجات حرارة الجو وبزوغ ظاهرة الاحتباس الحراري وما تبعها من آثار قد يترتب عليها ذوبان ثلوج القطبين ومن ثم تعرض سواحل كثير من البلدان للغرق واختفاء مئات الجزر. ويعتبر الإنسان مسئولا عن جزء كبير من هذه التداعيات بفضل انبعاثات غازات أول وثاني أكسيد الكربون الناجمة عن النشاط الصناعي المكثف، وهو الأمر الذي دعا كثيرا من دول العالم لأن تنادي بتفعيل اتفاقية كيوتو التي وقعت باليابان قبل نحو سبع سنوات بهدف تقليل حجم الانبعاثات الغازية من الدول الصناعية والتي تلوث الجو وترفع من درجات حرارته.
أما المصدر الثانيالذي يهدد التنوع الحيوي فيتمثل في الأنشطة البشرية الملوثة للبيئة: وتؤدي هذه الأنشطة لإيجاد ظروف بيئية مغايرة عما كانت عليه وقت وجود هذه الأحياء، ومن ثم صارت هذه الأنواع عرضة للانقراض، ومن أهم الأنشطة البشرية المؤثرة في هذا الصدد عمليات التدمير التي تتعرض لها مناطق الغابات، وكذلك عمليات الاستغلال المفرط للموارد، بالإضافة إلى التلوث بمختلف أنواعه ومصادره.
جهود حماية التنوع الحيوي
إزاء كل هذه الأنشطة البشرية والتدخلات التي تسيء للتنوع الحيوي والمنظومات البيئية في كل مكان بالعالم، كان لا بد من ردة فعل من جانب من يرفعون لواء حماية البيئة والمدافعين عنها. وقد تمخضت أكثر الجهود فيما يعرف بتخصيص مناطق بعينها لا يسمح بالاقتراب منها والتعامل المباشر من خلال الأنشطة المختلفة للإنسان عرفت بالمحميات الطبيعية، ومناطق أخرى عرفت بمناطق التراث الطبيعي، وكلا النوعين من الحماية يهدف إلى الحفاظ على الوضع الحالي للمنطقة المستهدفة (يابسة كانت أم ماء) والحيلولة دون تأثرها بالتدخلات البشرية بما قد يترتب عليه إخلال بحالتها الأصلية.
وتجدر الإشارة إلى أن تخصيص مساحات بعينها كمحميات طبيعية أو مناطق للصون الوراثي الطبيعي يرتبط بدرجة كبيرة بمستوى التقدم والوعي البيئي بأي بلد؛ والدليل على ذلك أن دولة مثل الصين بثقلها السكاني والذي يقدر بنحو خمس سكان العالم، تضم نحو 1999 محمية طبيعية تشغل نحو 14.4% من مساحتها الإجمالية.
وأخيرا فإنه لا بد من لفت النظر إلى أن حماية البيئة وتنوع الأحياء ليست مهمة قاصرة على الحكومات أو المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال،بل لا بد أن يكون هناك دور فاعل لمنظمات العمل الأهلي ومنظمات المجتمع المدني المنوطة بمعالجة مثل هذه الأمور إذ أن البيئة بتنوعها وثرائها نفع مشترك للبشرية كلها، كما أنها في الوقت ذاته مسئولية جماعية يصعب فيها فصل الفرد عن المجتمع الدولي الكبير الذي يمثل جزءا منه.
وقد بدأ الاهتمام بقضية التنوع الحيوي على المستوى الدولي من أربعينيات القرن العشرين، فعلى سبيل المثال عقدت الاتفاقية الدولية لتنظيم صيد الحيتان سنة 1946 ثم عدلت عام 1956، وكذلك الاتفاقية التي وقعت سنة 1949 بهدف إنشاء مجلس عام لمصايد أسماك البحر المتوسط، ثم تلا ذلك عقد الاتفاقية الأفريقية للحفاظ على الطبيعة وصيانة الموارد الطبيعية وكان ذلك عام 1968.
ثم جاءت اتفاقية الاتجار العالمي في الأنواع المهددة بالانقراض التي أبرمت في سويسرا عام 1973 بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة البيئي UNEP، ودخل في هذه الاتفاقية حتى الآن نحو 120 دولة وقد تم رصد الأنواع الواجب حمايتها من الاتجار العالمي وحددت في شكل قوائم وافقت الدول الأعضاء على حظر الاتجار بها.
وبمرور الوقت ومع تنامي الشعور العالمي بأهمية البيئة وإدراك حجم الأثر السلبي الذي يخلفه الإنسان على بيئته عقدت قمة الأرض في ريو دي جانيرو 1992، التي شهدت توقيع الاتفاقية الدولية الخاصة بالحفاظ على التنوع الحيوي، وكان من أهم أهدافها وأكثرها واقعية تحديد كيفية دمج عمليات صيانة الموارد البيولوجية في الخطط التنموية بصورة أكثر فاعلية.
وتحتفل المنظمة الدولية للأغذية والزراعة FAO في اليوم السادس عشر من أكتوبر من كل عام باليوم العالمي للغذاء، وقد كان عنوان الاحتفال الأخير (2004) هو “التنوع البيولوجي من أجل تحقيق الأمن الغذائي” وهو ما يلفت النظر إلى أن التنوع الحيوي ليس قضية تثار على سبيل الترف وإنما تمس الإنسان في أول متطلباته وهو قوت يومه.
وتعد اتفاقية كيوتو التي وقعتها 141 دولة واحدة من أشهر وأهم الاتفاقيات التي عقدت لهذا الغرض؛ حيث تلزم الاتفاقية الدول المتقدمة بخفض الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري مثل ثاني أكسيد الكربون بنحو 5.2 في المائة عن مستويات عام 1990 بحلول عامي 2008 و2012. إذ أن استمرار انبعاثات الغازات الحارة بمعدلاتها الحالية قد يؤدي في النهاية إلى الجفاف والفيضانات وارتفاع مستوى البحار وفناء الآلاف من الكائنات الحية بحلول عام 2100.
وعلى الرغم من أن التاريخ المذكور (2100) قد يبدو بعيدا فإن الأحداث الطبيعية التي تقع في دقائق معدودة قد تختصر مسافات زمنية طويلة، كما أنه من طبع الإنسان تناسي المشكلات الكبرى بمرور الزمن. ومما يؤكد ذلك أن البدء بذوبان كتلة واحدة من الجليد قد أدى إلى تبدّل الكثير من أوجه الحياة، فعندما بدأت المسطحة الجليدية المعروفة باسم “وردهنت” القابعة في القطب الجنوبي في التكسر، انتهت البحيرة النادرة التي كانت تملؤها المياه العذبة إلى المحيط. بالإضافة لذلك فإن الدب القطبي والحيتان وأسود الماء بدأت تبديل طريقة طعامها وهجرتها، بحيث أصبح من الصعوبة لأهالي المنطقة الصيد كما في السابق. وحول سواحل المنطقة القطبية ستنقرض قرى بكاملها بسبب المخاطر من تعرضها لأن تكون مخاضات ثلجية خطرة. إن سكان القطب الحاليين ينظرون بجدية إلى الانحباس الحراري كتهديد حقيقي في بقائهم، وذلك وفقا لما أوردته وكالة الولايات المتحدة لحماية البيئة US Environmental Protection Agency.
ولعل مثل هذه المؤشرات كان لها جزء من الفضل في شحذ الهمم نحو تفعيل معاهدة كيوتو حيث بدأ في 17 فبراير2005 سريان الاتفاقية التي تمثل مجرد خطوة نحو الحد من ارتفاع درجات حرارة الكون التي يقول علماء كثيرون إنها تسبب مزيدا من العواصف وموجات الجفاف والفيضانات وترفع منسوب مياه البحار.
بيئة واقتصاد وأشياء أخرى
إن الهدف الأساسي الذي يتعلق بالالتزام بتنفيذ بنود اتفاقية كيوتو يتمثل في حماية البيئة ومن ثم التنوع الحيوي بكوكب الأرض، إلا أن رجالات الاقتصاد ينحون البيئة جانبا حينما يكون الأمر متعلقا بعائدات اقتصادية آنية دون الأخذ في الاعتبار الوضع المستقبلي للمعطيات البيئية رغم وجود العديد من الدراسات العلمية بل والمؤشرات التي تؤكد أن التدهور البيئي ليس ضربا من التخيل أو التنبؤ. ومع ذلك نجد أن دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية ترفض التصديق على المعاهدة متحججة في ذلك بحجتين إحداهما يمكن تفسيرها من الناحية الاقتصادية حيث يرى منتقدو مشروع القرار أن التصديق على الاتفاقية سيؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي بنحو 106 بلايين دولار ويرفع تكاليف الطاقة بنحو 30 في المائة على الأقل، وهو ما ارتكز عليه الرئيس بوش في حملته الانتخابية لفترة الرئاسة الحالية مدعما موقفه بأن ذلك سيزيد من ارتفاع معدلات البطالة التي كان حربها أحد أهم فقرات برنامجه الانتخابي، أما الحجة الثانية فهي أن الاتفاقية لم تلزم الدول النامية بمثل ما كبلت به الدول المتقدمة من تضحيات!.
والجدير بالذكر أنه حتى يتسنى للعالم أن يبدأ خطوات التنفيذ الفعلي للمعاهدة فلا بد أن تصدق عليها دول تعتبر مسئولة عن 55% على الأقل من الانبعاثات الحرارية الساخنة إلى الجو.ومن هذه النقطة كان العالم يترقب بشكل شبه يومي موقف روسيا الاتحادية فهي من الدول الكبرى في هذا المجال حيث تعتبر مسئولة عن نحو 17% من الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، وبتصديقها على الاتفاقية تتحقق النسبة المطلوبة لبدء تفعيلها.
وهنا يطرح الوضع الاقتصادي لروسيا سؤالا،حيث تساءل اقتصاديون بارزون في الكرملين عن كيفية تخفيض الغازات المنبعثة في الوقت الذي يعيش فيه اقتصاد البلاد فترة انتعاش صناعي وحدد لنفسه هدفا بمضاعفة إجمالي الناتج القومي خلال السنوات العشر القادمة.؟! إلا أن الطموح السياسي لروسيا كان أكبر أثرا من الاهتمام بالوضع الاقتصادي إذ أن هناك أنباء تناثرت عن الدور الذي سيقوم به الاتحاد الأوربي من دعم للمحاولات الروسية للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، ومن هنا كان تصديق روسيا الاتحادية على المعاهدة إيذانا ببدء السريان الفعلي لها وإعلانا ولو من طرف خفي عن دور السياسة والمطامح الجيوبوليتيكية التي تتحكم في مصير الكثير من القرارات على كوكب الأرض حتى وإن كانت متعلقة بالبيئة وتستهدف حماية الجنس البشرى نفسه.
وهناك نقطتان أخيرتان تجدر الإشارة إليهما في ختام هذا الموضوع:
الأولى:أن اتفاقية كيوتو رغم أهميتها الواضحة فإنها في نهاية الأمر مجرد اتفاقية سبقتها الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات الرامية لنفس الغرض، ولكن العبرة في مصداقية التعامل مع بنودها والاستمرار الجاد في تنفيذ ما جاء بها، وليس أدل على ذلك مما قاله “كلاوس تويفر” رئيس برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة (UNEP) لرويترز: “كيوتو تمثل بلا شك الخطوة الأولى فقط، علينا القيام بالمزيد للتصدي للارتفاع السريع في درجات حرارة الأرض، سيكون العمل شاقا”. وأضاف: “لكن إذا ما قارنا تكلفة العمل بتكلفة عدم التحرك فسنجد أن هذا هو أفضل عائد للاستثمار على الإطلاق”.
والثانية: أن هناك من المنظرين والفلاسفة الباحثين في قضايا التنوع الحيوي من يرون أنه إذا كان الإنسان قد صدق وآمن بأن هناك اختلافات بين مختلف الأحياء في كوكب الأرض وأنه نفسه (الإنسان) يجتهد في الحفاظ على الاختلاف والتنوع قدر طاقته، فإنه من باب أولى أن يتفهم ذلك الإنسان أن هناك اختلافات أيضا بين البشر أنفسهم -بكل درجات الاختلاف المعروفة- ومن ثم فعلينا كبشر أن نتقبل أنفسنا وأن يتعامل بعضنا مع البعض الآخر دون أن يفترض أن نكون نسخا مكررة منه.