أشرف محمود **
تعتبر الموارد البشرية العنصر الأساسي لنجاح أي مؤسسة على الإطلاق، إذا ما تم وضع العنصر البشري المناسب في مكانه الصحيح، من خلال التنسيق بين قدرات الأفراد وخصائص الوظائف. وحتى يكون الشخص مناسبا للوظيفة ينبغي أن يتوفر فيه شرطان:
الأول: إلمامه بطبيعة ومهام وظيفته إلماما علميا وعمليا، بما يحقق له الكفاءة في فهم طبيعة تلك الوظيفة، وما تقتضيه من أعمال.
الثاني: الأمانة في أداء عمله، بما يمكنه من حفظ ما استودع بين يديه من أعمال.
ويكاد يجزم المرء بأن هذين الشرطين هما الأساس الذي يقوم عليه علم إدارة الموارد البشرية، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذين الشرطين كأساس للمورد البشري الناجح، في قوله تعالي: “يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين” (سورة القصص: 26).
فأداء الوظيفة بكفاءة أو قوة فهم لخصائصها دون أمانة يؤدي بالعنصر البشري إلى الانحراف، كما أن توافر الأمانة دون كفاءة أو قوة فهم لطبيعة الوظيفة يؤدي بالعنصر البشري إلى ضعف قدرته الفنية والإدارية، وبخاصة إذا كان من هم دونه أكثر منه قدرة على فهم المهام المنوطة بعملهم.
المواصفات النظرية
ومن خلال ما سبق، يمكن القول إن تحقيق المصارف الإسلامية لأهدافها التي وضعتها منذ نشأتها والممثلة أساسا في المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان الإسلامية جنبا إلى جنب مع تحقيق الربحية، مرهون بمدى توافر الموارد البشرية الملائمة والمؤهلة شرعيا وفنيا، لممارسة تلك المصارف لعملها.
فالنشاط التمويلي والاستثماري والخدمي في المصارف الإسلامية يعتمد على المبادئ والقواعد الشرعية لفقه المعاملات الإسلامي، ولذلك فهناك ضوابط شرعية تحكم هذا النشاط، وهذا يتطلب بطبيعته ضرورة توافر العلم بهذه الضوابط وفهمها لمن يقوم على تطبيقها.
فالمصارف الإسلامية تحتاج إلى موارد بشرية قادرة على جذب المودعين، وفهم طبيعة العلاقة التي تربط المودع بالمصرف الإسلامي، وكذلك تتطلب عمالة قادرة على تقديم الخدمة المصرفية بالسرعة والجودة الملائمة ووفقا لقواعد الشريعة المنظمة لذلك.
إضافة إلى القدرة على توجيه الأموال للاستثمار وفق الصيغ الشرعية بأنواعها المتعددة، ووفق أولويات المجتمع، وهذا يتطلب بدوره نوعية من الموارد البشرية قادرة على البحث عن الفرص الاستثمارية الملائمة، ودراسة جدواها وتقويمها وتنفيذها، ومتابعتها في إطار هذه الضوابط الشرعية.
وكل هذا يتطلب عقلية تتصف بالمهارة والخبرة والابتكار لدى العاملين القائمين على التطبيق العملي لفكرة المصرفية الإسلامية، حتى يتسنى لهم الربط بين الواقع ومتغيراته من ناحية، وبين فقه النص الإسلامي من ناحية أخرى.
إن وجود الكفاءات البشرية القادرة على تسيير دفة النشاط المصرفي الإسلامي يستلزم وجود فئة خاصة من العاملين مدربة على العمل المصرفي من جهة، ومزودة بما يلزم من القواعد الشرعية اللازمة للمعاملات، وناضجة بالنسبة للأهداف الاقتصادية للمجتمع الإسلامي، وملتزمة ببذل أقصى جهد في سبيل تنفيذ هذه الأهداف من جهة أخرى، ووجود هذه الفئة من العاملين ضرورة لنجاح النشاط المصرفي الإسلامي في تعبئة الموارد للتنمية، أما عدم وجودها أو ندرتها أو اختلال تركيبها فإنه يترك الفرصة هائلة أمام نمو النشاط المصرفي الربوي حتى بفرض تطبيق الشريعة داخل المصارف الإسلامية.
ماذا يحدث بالتطبيق؟
وإذا انتقلنا إلى المجال التطبيقي فإننا نجد أن تجربة المصارف الإسلامية قد عانت منذ بداية نشاطها من عدم توافر العناصر البشرية المؤهلة والمناسبة لطبيعتها الخاصة، وتكاد تكون هذه الصعوبة قد مثلت المشكلة الأم لحركة المصارف الإسلامية خلال الفترة الماضية من تجربتها لأن هذه المؤسسات تمثل نظاما مصرفيا جديدا له طبيعة خاصة، ومن ثم يتطلب مواصفات خاصة كذلك من حيث المهارات والسمات والقدرات التي يلزم أن تتوافر في العاملين في هذا المجال.
وقد توصلت أكثر من دراسة علمية ميدانية إلى أن غالبية المصارف الإسلامية ما زالت تواجه للآن مشكلة بشأن توفير الكوادر التي يتطلبها العمل المصرفي الإسلامي والتي تجمع بين المعرفة الشرعية، والخبرة المصرفية الإسلامية؛ ما كان له تأثير غير محمود ومشكلات عديدة في التطبيق العملي للنموذج المصرفي الإسلامي.
ويرجع ذلك في الأساس إلى اعتماد تلك المصارف منذ نشأتها على العمالة الوافدة من بنوك تقليدية، دون الاهتمام بالنواحي المعرفية الشرعية، وقد أخذت تلك العمالة سبيلها في الترقي، حتى تولى بعضها إدارة العديد من المصارف الإسلامية، فازداد برقيهم تدني الجانب الشرعي في بعض المصارف الإسلامية.
وتكشف إحدى الدراسات عن حجم تلك المشكلة التي تمثل بطبيعتها العامل الأهم في تطبيق المنهج الإسلامي أو عدم تطبيقه من عدمه في المصارف الإسلامية. وفي هذا الصدد يشير د. عز الدين خوجة الأمين العام للمجلس العام البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية في دراسة حول الصناعة المالية الإسلامية في عام 2005 إلى أن عدد الموظفين في المؤسسات المالية الإسلامية يصل إلى 250 ألف موظف، أكثر من نصفهم في الشرق الأوسط.
لكن الدراسة تشير أيضا إلى أن 85% من الكوادر في المؤسسات المالية الإسلامية لهم خلفيات مالية تقليدية. وتفسر هذه النسبة ما آل إليه الحال من انفصام بين النظرية والتطبيق في بعض المصارف الإسلامية.
إستراتيجية للعلاج
ما سبق يضع على عاتق المصارف الإسلامية إعادة ترتيب مواردها البشرية، للخروج من هذا المأزق، والمحافظة على كيانها، ومنهج عملها من خلال تبني إستراتيجية مصرفية وشرعية لمواردها البشرية، تقوم على الآتي:
1- تربية كوادر تمارس العمل المصرفي الإسلامي من خلال إعطاء الفرصة أمام العمالة في المصارف الإسلامية نحو الحراك الوظيفي، وعدم اللجوء إلى كوادر من المصارف التقليدية، إلا بعد التأكد من أهليتها لممارسة العمل المصرفي الإسلامي.
2- الاهتمام بأنظمة الاختيار والتعيين لتقوم على الكفاءة، لا على “الواسطة”، والرجوع بالمصارف الإسلامية في نظام الاختيار والتعيين إلى سابق نشأتها من خلال وضع معايير إسلامية في اختيار العاملين قائمة على الكفاءة والأمانة. فقد شهدت تجربة عدد من المصارف الإسلامية وجود نوعية من العاملين لا يملكون من المقومات الشرعية والمصرفية ما يمكنهم من أداء مهام عملهم، حتى وجدنا من لا يفرق بين العائد والفائدة، والمرابحة والقرض بفائدة.
3- الاهتمام بأنظمة تقييم الأداء لترك المجال متاحا للحراك الوظيفي أمام العناصر ذات الكفاءة المصرفية والشرعية، بما ينمي من التجربة المصرفية الإسلامية. وهذا يتطلب تقييم العاملين وفقا لكفاءتهم لا لولائهم وارتباطهم بقادتهم، وتكشف بعض تجارب المصارف عن جمود في الحراك الوظيفي لأبنائها في العديد من تلك المصارف، في نفس الوقت الذي يتم فيه التجديد لمن بلغوا سن المعاش باسم الاستفادة من خبراتهم، مما يحول بين العاملين والحراك الوظيفي، ويؤثر سلبا على تحفيزهم وولائهم لمؤسساتهم.
4- الاهتمام بأنظمة التدريب لإعداد موارد بشرية قادرة على فهم متطلبات العمل المصرفي الإسلامي، فقد شهدت أنشطة التدريب بالمصارف الإسلامية في السنوات الأولى لإنشائها اهتماما متزايدا نحو المعرفة المصرفية والشرعية، ثم أصبحت أجهزة التدريب في العديد من تلك المصارف بعد ذلك تهتم بدراسة الجانب المصرفي دون إعطاء أولوية للجانب الشرعي.
وكشفت دراسة عن عدد من المصارف الإسلامية في الدول العربية اعتمادها في تدريب كوادر الإدارة العليا على البرامج التدريبية المقدمة من المصارف التقليدية في الداخل والخارج، حتى أقيمت دورات تدريبية لعدد من كوادر بعض المصارف الإسلامية في سويسرا والولايات المتحدة.
وامتدت تلك الدورات لما يقارب العام ولم يتضمن برنامجها التدريبي ولو ساعة واحدة عن الجوانب المصرفية الشرعية، وقد تولى العديد من هؤلاء بعد رجوعهم إدارة عدد من المصارف الإسلامية، بل وجدنا عددا من المصارف الإسلامية في الدول العربية لا تعرف اللغة العربية لها سبيلا في معاملاتها، وهذا يمثل خللا لا يمكن قبوله، فإذا كان العمل المصرفي يتطلب الكفاءة في اللغات الأجنبية، فيجب ألا يكون ذلك على حساب إهمال اللغة العربية.
وختاما فإننا من خلال ما سبق نحاول أن نعكس واقع الموارد البشرية في المصارف الإسلامية بصورة بناءة، فليست القضية قضية انتقاد وتصيد أخطاء بل إن الهدف هو توصيف للواقع مع السعي لتقديم الحلول الممكنة لمشكلاته، فالتجربة إذا كان ينظر إليها على أنها مرآة للإسلام، فيجب ألا تعاقب ببعض الممارسات الخاطئة من بعض أبنائها، وهذا يحتم الوقوف على تلك الممارسات ومعالجتها بما ينمي من تلك التجربة وبخاصة أنها ما زالت حديثة عهد.
اقرأ أيضا:
- دور البنوك الإسلامية في التنمية الاقتصادية
** خبير في المصارف الإسلامية