من السهل مشاهدة المرأة المسلمة وهي تشارك الرجل في مجالات علمية عديدة في العصر الحاضر، غير أن هناك مجالات بعينها ما زالت منحصرة على الرجل بشكل كبير وقل فيها حضور المرأة المسلمة, لذا كان حصول الدكتورة شيخة بنت حمد بن عبد الله العطية، أستاذة مادة الحديث بجامعة قطر، على الجائزة التشجيعية للدولة عن إسهامها في مجال دراسة الحديث النبوي الشريف حدثا بارزا يمثل بادرة نوعية لتقدير دور المرأة المسلمة وإسهاماتها العلمية في دولة قطر.
عن دورها الأكاديمي وطموحاتها وأهدافها المستقبلية كان لنا معها هذا الحوار:
* نبدأ بالجائزة التشجيعية لدولة قطر، والتي تم تخصيصها لكم عن خدماتكم القيمة في مجال الحديث النبوي الشريف وعلومه.. ماذا تمثل لك هذه الجائزة؟
** أن تصدر جائزة الدولة التشجيعية لشخصي المتواضع، وأن تقوم الدولة بتكريمي فإنني أعتبر هذا التكريم محطة سعيدة في حياتي؛ لما يمثله من قيمة معنوية ومكانة أدبية كبيرة، وهو ما يعبر عن اهتمام الدولة بالعلماء والمفكرين والمثقفين؛ مما يدفعهم إلى مزيد من البحث العلمي الذي يعود أثره ونفعه على المجتمع القطري خاصة والمجتمع العربي والإسلامي بشكل عام، كما يمثل أيضا المثل الأعلى للأجيال القادمة لكي تحتذي بالشخصيات المكرمة، وتعلم أن دولتهم تشجعهم على أن يصلوا إلى مثل هذه الدرجة العلمية والمكانة الأدبية.
توثيق السنة
* لو عدنا إلى الوراء قليلا.. هل لنا أن نتعرف على السبب الذي دفعك إلى خوض هذا المجال، خصوصا وأنه يعتبر من التخصصات التي تحتاج إلى جهد ووقت كبير؟
** من المعلوم أن السنة النبوية المطهرة هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، ومما لا يخفى أيضا أنها بيان للقرآن الكريم؛ حيث إنها تخصص عمومه، وتقيد مطلقه، وتبين مجمله، وقد تأتي بأحكام زائدة على القرآن الكريم.
ومما هو معلوم كذلك أن القرآن الكريم قطعي من حيث ثبوته، فلا شك أنه من عند الله سبحانه وتعالى، والمتخصصون في التفسير إنما يبحثون في دلالته؛ حيث إنه الكلمة الأخيرة إلى العالمين، أما السنة النبوية فالبحث فيها من جهتين: جهة الثبوت، وجهة الدلالة، فإلى الآن العلماء متنازعون في صحة بعض الأحاديث وضعفها، وفي توثيق بعض الرجال وتضعيفهم، ولهذا السبب أردت أن أخوض هذا المجال؛ لعلي أدلي بدلوي مع أهل الحديث المعتبرين في توثيق السنة النبوية المطهرة، إضافة إلى ذلك فإن أهل الحديث هم أهل النبي، ودارس السنة يقف على حياته ﷺ من مولده إلى وفاته أكثر من غيره.
* لا شك أن دوركم الأكاديمي بارز في الأوساط التخصصية، لكننا كنا نتساءل عن دوركم إعلاميا كشخصية نسائية متخصصة في الحديث النبوي الشريف والدراسات الإسلامية بشكل عام؟
** الحقيقة أن اهتمامي الأكبر هو البحث العلمي، وتعليم الطالبات علم الحديث وما يتعلق به في جامعة قطر، والإشراف على أبحاثهن، وهذا يتطلب صرف الوقت والجهد في البحث الأكاديمي، ولا أخفي أنني لست شخصية إعلامية بارزة، لهذا السبب ولسبب آخر سأحتفظ به لنفسي ولعلي أدلي به في مناسبة أخرى إن شاء الله تجديني غير متواجدة على الساحة الإعلامية بالشكل المطلوب أو المتوقع.
بعيدات عن المناصب
* للمرأة دور في نشر الحديث النبوي الشريف، فهل لك أن تلقي لنا الضوء على هذا الدور؟
** من المعلوم أن التاريخ الإسلامي في جميع مراحله ذخر بالآلاف من العالمات البارزات في أنواع العلوم وفروع المعرفة المختلفة، وقد ترجم الحافظ ابن حجر في كتابه (الإصابة في تمييز الصحابة) لثلاث وأربعين وخمسمائة وألف امرأة (1543)، منهن الفقيهات والمحدثات والأديبات.
وقد ذكر الأستاذ عمر رضا كحالة في (معجم أعلام النساء) تراجم مستفيضة لنساء محدثات في تاريخنا الإسلامي، وبعيدا عن النظر السطحي فإن للمرأة تفوقا كبيرا في جانب علم الحديث ومعرفة الرواة كما نص على ذلك الإمام الذهبي حيث قال: (ما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها)، ونبه على ذلك الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان».
ومما يدل على دور النساء في نشر العلم والحديث هو ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة، أن النساء قلن: يا رسول الله، اجعل لنا يوما كما جعلت للرجال، قال: «فجاء للنساء فوعظهن وعلمهن»، وما أمر السيدة عائشة وأمهات المؤمنين ببعيد؛ حيث كانت السيدة عائشة رضي الله عنها أفقه الناس.
* لم يعرف من علماء الجرح والتعديل أنهم اتهموا امرأة واحدة بوضع الحديث بخلاف العدد الكبير من الرجال؟ فما السبب في ذلك؟
* لعل السبب في ذلك أن النساء في القرون الماضية إذا اتجهن إلى طلب الحديث إنما يطلبن ذلك لوجه الله أولا وحبا في السنة النبوية ثانيا، وأنهن منصرفات عن زخرف الحياة الدنيا، فمثلهن بعيدات عن المناصب الدنيوية والفتن السياسية، ومخالطة الفاسقين والملحدين، وعدم التزيد في التكسب من وراء الحديث النبوي؛ مما يقتضي وضع الحديث والكذب فيه عند الكثير من الرجال.
* تتعرض السنة النبوية الشريفة لحملات من التشويه والتشكيك حتى من داخل الصف الإسلامي، فما هو المطلوب لمواجهة هذا التحدي؟
** التسلح بالعلم والإخلاص للدين أهم ما نستطيع به مواجهة هذه الحملات التشكيكية في المقام الأول؛ فالإخلاص من غير علم لن يؤهل صاحبه للدفاع عن السنة، والعلم من غير إخلاص قد يكون دافعا لمغانم دنيوية.
والمطلوب كذلك نشر علم الحديث، وتوثيق السنة بين الناس في المجتمعات العربية والإسلامية، ثم تنقية السنة من الأحاديث الموضوعة والضعيفة التي لا يقبلها المنطق ولا العقل ولم تثبت إسنادا، مع شرح موجز ومعاصر لكتب السنة بعد استبعاد ما لم يثبت، فنحن بحاجة إلى شرح معاصر للصحيحين ولكتب السنة الأخرى مما يتطلبه الوقت الحاضر.
وأخيرا مطلوب فهم ضوابط ومعالم السنة فهما صحيحا حتى تفهم الأحاديث في ضوئها وإلا وقعنا في الخطأ والزلل.
علم وعبادة
* من هي الشخصية التي لفتت انتباهك في عالم النساء في هذا التخصص قديما أو حديثا؟
** أولهن الفقيهة المحدثة أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، وثانيهن: راوية البخاري “كريمة بنت أحمد بنت محمد المروزية” التي سمعت من ابن الهيثم الكشميهني صحيح البخاري وروته عدة مرات، أما بالنسبة للمعاصرات فأنا معجبة أشد الإعجاب بالأستاذة الدكتورة عائشة بنت الشاطئ رحمها الله تعالى رحمة واسعة.
* ما هي مشروعاتك القادمة لخدمة الحديث النبوي الشريف؟
** أقوم الآن بإعداد موسوعة علمية متخصصة عن (أعلام الشريعة في دولة قطر)، يساعدني في هذا المشروع الأستاذ الدكتور “محمد سالم” أستاذ التفسير وعلومه، كما أخطط لموسوعة (الشرح الواضح الميسر) لبعض كتب السنة، وسأقوم إن شاء الله تعالى بإعداد كتاب كبير عن المرأة في الحضارة الإسلامية من منظور السنة النبوية، بالإضافة إلى الأبحاث التي أنجزتها، وأتمنى أن تلقى القبول في المجلات العلمية.
* هل لك من توجيهات للمرأة المسلمة للاهتمام بالتخصص في الحديث الشريف وعلومه؟
** أحب أن أوجه النساء إلى دراسة علم الحديث على وجه الخصوص، والعلوم الإسلامية على وجه العموم؛ لأن دراسة هذه العلوم أولا وأخيرا هي عبادة لله سبحانه وتعالى، كما أن دراسة الحديث يربط الإنسان المسلم بسيدنا رسول الله ﷺ في أقواله وأفعاله وسلوكه، والمهم أولا وأخيرا أن يتحول هذا العلم إلى عمل يسري في دنيا الناس.