السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاك الله خير الجزاء على تحيتك الطيبة. وأعانك الله وسدّد خطاك على طريق التربية الصعب الممتع.

أعتذر عن تأخري في الرد على رسالتك؛ لأني رأيت أنه من الأفضل أن يعم النفع بالتعمق أكثر في مراحل تطور حل المشكلات لدى الطفل، وهو ما أفردت له موضوعًا مستقلاً في باب أب وأم على نفس الموقع؛ ليكون توطئة لما يمكننا البناء عليه وفق كل حالة. وعساك تطلعين عليه قبل قراءة رسالتي إليك.

وسيكون ترتيب اطلاعك المقترح كالآتي:
– موضوع تطور مهارات الأطفال على حل المشكلات؛ لنعرف أولاً لتطور في نمو الطفل الذي يحدد تطور القدرة لدى الطفل على حل المشكلات؛ حتى لا نظلمه ونطالبه بما هو فوق قدراته.
– ثم استشارة فن حل المشكلات؛ لنعرف كيف يمكننا أن نحدد المشكلة التي نتعامل معها بدقة.
– ثم هذه الرسالة عن كيفية تدريب الطفل على حل المشكلات.

وحديثي موجه لكل من الأب والأم معًا. (هكذا يكون دائمًا الفريق الأسري أب وأم وأبناء):
ما الذي تودان التفاهم بشأنه مع طفلكما؟
– أن يجيء ليقص عليكما ما حدث في المدرسة حرفًا حرفًا. (هل هو آمن في حالة قصه عليكما ما لا ترغبان فيه؟)
– أن يتكلم مع المدرسة التي لا يعلم إلا الله مدى حبه وتقبله لها، ولا مدى تعاملها السليم هي شخصيًّا معه.
– وتُرى هل بيئة المدرسة أو الحضانة بيئة آمنة للمشاركة أم أنه غير متقبل أصلاً لذهابه لهذا المكان؟

– وتُرى هل هناك أنشطة محببة يشارك فيها طفلك مدرسته الحوار أو المشاركة أم مطلوب منه أن يتحلى بكل لباقة الرجال، وأن يذهب هو ليفتح الموضوعات المشتركة ويتحدث ويعبر عن نفسه؟
– ثم هل تدرب على التعبير عن نفسه؟ وهل يتمتع ببيئة آمنة ينطلق فيها التعبير عن الآراء والمشاعر دون خجل أو خوف، أم في بيئة تتقبل وتتعاطف وتشجع وتدرب وتساند؟
– ما الطرق التي يمكن أن يعبر فيها الطفل عن نفسه؟ فهو إذا عبر عن نفسه داخل الأسرة فسيتشجع ليعبر عن نفسه خارجها.

كذلك ترغبان منه أن يحل مشكلاته بنفسه، كيف يعرف هذا الصغير أن يحل مشكلته بنفسه:
• هل يعرف كيف تحل مثل هذه المشكلات؟
* هل تدرب عليها؟
* هل رأى نموذجًا في الأسرة لحل المشكلات بطريق سليمة؟
* هل حكيت له بعض القصص عن حل المشكلات؟
* هل لديه ما يكفيه من خبرة ومهارة وثقة ليواجه ويجرب؟
* هل لديه الدافع ليفكر؟
* هل تترك له الفرص ليمارس فيها المشاركة في حل المشكلات؟
* وسؤالي الأخير: لماذا تضربانه: هل هذه وسيلتكما لحل المشكلة؟!

قد ذكرتما في رسالتكما أنكما توضحان لطفلكما الحبيب ضيقكما من عدم قدرته على حل المشكلة؛ بدلاً من ذلك وضّحا له كيف يحل المشكلة ودرباه على ذلك، واجعلاه يراكما عن قرب أثناء حلكما لمشكلاتكما الخاصة. فيكتسب بذلك معرفة وثقة وقربًا لازمين له.
فمن عوائق القدرة على حل المشكلات:

– قلة الخبرات والتجارب والمعلومات التي يتعرض لها الطفل.
– الخوف من الخطأ والفشل.
– عدم القدرة على التعبير عن المشاعر والأفكار.
– قلة التدريب على حل المشكلات.
– قلة المشاركة في حل المشكلات الأسرية. واطلاعه على كيفية حل الآخرين لمشكلاتهم من خلال الواقع والقصص والبرامج الخاصة بالأطفال والمسلسلات التليفزيونية.

– عدم المشاركة والتعبير بحرية وأمان.
– عدم الثقة بالنفس والثقة بالقدرة على حل المشكلات.
– ولتكن التوقعات في حدود السن وفي حدود الخبرات وما ندرب الطفل عليه. إذا تدرب على الرقص رقص، وإذا تدرب على الخطابة خطب، وإذا تدرب على أي شيء أمكنه إتمامه وفق محددات:

– ما يسمح به نضجه العقلي والنفسي والوجداني والاجتماعي.
– وما يبذل من جهد في تدريبه وتعليمه.
– وما يبذل من جهد لتعرفا الطرق السليمة للتعلم.
– والطرق السليمة لمد جسور الاتصال بينكما وبين طفلكما. وما يبذل من صبر وحب يتيح بيئة آمنة للطفل ليتشرب ما تعلمانه إياه.
أصدقك الحديث عما رغبت في معرفته وسألت عنه: المشكلة ليست في طفلك مطلقًا وإنما في توقعاتنا المفرطة في أطفالنا.

والآن تعاليا معًا نتدرب وأطفالنا على كيفية حل المشكلات:
وسأصنف مشكلات الأطفال – مجازًا – لنوعين:
1 – مشكلات العلاقات مع الغير. (الإخوة، الأصدقاء…) وهو ما يلزمها:
• تدريب الطفل على التعبير عن مشاعره وقبول مشاعر الآخرين.
• البحث عن بدائل.
• التفاوض.

2 – مشكلات المعلومات (كيف أصنع – كيف أعمل – كيف أذهب…).
كيف يتعلم طفلك حل المشكلات؟
وفي خلال برنامج طفلك اليومي عدد من الأسئلة التي تومض فجأة (ماذا – لماذا – ماذا لو – هل – ماذا لو لم – كيف…): “ما أقصى مدى يمكنني أن أقذف هذه الكرة – كيف يمكنني اللحاق بها – ما الذي يحدث لو ألقيت كل الأقلام الملونة من الصندوق – هل يمكن للدب اللعبة أن يطفو – كيف يمكنني أن ألصق الأوراق الممزقة لهذه الورقة – لماذا يسقط برجي الأسود”؟.

– يبني الطفل القدرة على حل المشكلات في كل مرة يسأل الطفل هذه الأسئلة ليحدد ويبلور الطرق للحل.
كذلك يبنيها أيضًا حين يختبر ويجرب الأشياء في العالم، مثل: “المدى الذي يصل إليه الماء حين يرشه من مسدسه اللعبة…”.
– كذلك حين يختار وينتقي الخامات والمواد لبناء برجه أو لعبه.
– أو حين يتعلم فض مناقشة مع صديق أو أخ حول لعبة.
وإذا نظرنا لحل المشكلات عن قرب فسنكتشف أنها تتضمن كلا من التفكير النقدي والإبداعي. كل منهما مهم لتحديد وبلورة حلول لأي نوع من أنواع المشكلات.

1- التفكير الإبداعي: يعتبر قلب عملية حل المشكلات؛ فهو يمثل القدرة على رؤية طرق مختلفة لعمل الأشياء، وتوليد أفكار جديدة واستخدام الخامات بطرق جديدة. ويعتبر الترحيب بالمخاطرة؛ وبالتجريب مركز التفكير الإبداعي.
ومن مكونات التفكير الإبداعي “طلاقة” التفكير الذي يمثل القدرة على توليد الأفكار؛ لذا اسأل طفلك أسئلة مفتوحة النهاية: على سبيل المثال:

• تخيل كل الطرق المختلفة لتذهب للمدرسة. (السير – السباحة – الطيران – السيارة – العجلة…).
• دوّن أسماء كل الأشياء التي تعرفها ولونها أحمر.
• دوّن أسماء كل الأشياء التي تعرفها مستديرة.
• تخيل كل الأشياء التي يمكنك عملها من الورق، الصناديق الفارغة، الطين…
وقد أوضحت الأبحاث أن القدرة على التفكير بطلاقة ذات علاقة وثيقة بالنجاح المدرسي فيما بعد.

وجزء آخر من التفكير الإبداعي هو التفكير “المرن”، أي القدرة على رؤية عدد من الإمكانيات (الأشياء الممكنة) أو رؤية الأشياء أو المواقف بطرق مختلفة.
فحين يتخذ طفلك من الطبق قبعة؛ أو من الملعقة ميكروفونا أو حين التفكير في أسباب حزن طفل في صورة فهو في هذه الحالة يدرب التفكير المرن لديه.

2- التفكير النقدي أو المنطقي: هو القدرة على تقسيم الفكرة وتحليلها لأجزائها. ويدرب الطفل عليه من خلال المهارات الرياضية في التصنيف والفرز؛ المقارنة بين المشابه والمختلف.. في كل مرة يحاول طفلك النظر -مثلاً– لكوبين في محاولة للاكتشاف أيهما يحتوي على كمية أكثر.. يحاول الطفل أن يتدرب على هذا النوع من التفكير.

– فشجعه واسأل:
• كم عدد الطرق المختلفة التي يمكننا بها تقسيم هذه المكعبات (باللون – بالحجم – بالشكل – بالملكية – من الأصغر للأكبر والعكس، بالنمط أحمر أزرق؛ أحمر أزرق…).
• كم عدد الطرق المختلفة التي يمكن أن تصنع برجا من المكعبات.
• كيف سيختلف شكل البناء إذا استخدمت نوعا واحدا فقط من المكعبات.
• ما أوجه الشبه والاختلاف بين كل من كوب العصير وصندوق الطعام.
• ما الشبه والاختلاف بين حذاء كل فرد من الأسرة.

– كذلك طرح الأسئلة حول الأشياء التي لا تبدو محسوسة للطفل تعتبر طريقة أخرى لتنمية التفكير المنطقي والنقدي عند الأطفال، مثل: “لماذا أرى ظلي في الخارج ولا أراه داخل المنزل؟”، “لماذا لا يمكنني رؤية الرياح؟”.
وهذه تتطلب منا:
• تعريض الطفل لخبرات كثيرة قدر الإمكان.
• البناء المعرفي للطفل بالإجابة عن كل تساؤلاته من خلال أسئلة أشخاص متخصصين، الكتب، البرامج التعليمية، الدراما، الرحلات الميدانية للمصانع والمتاحف ومبنى المطافئ والإسعاف والبوليس و…

– كذلك تدريب الطفل خطوة خطوة على كل عمل يطلب منه، بتقسيم العمل لسلسلة من الأجزاء والتدريب على كل جزء (مثلاً: تنظيف المطبخ يعني: رفع الأطباق، تنظيف المنضدة، تنشيف الأكواب، كنس الأرض. دربي الطفل على خطوة واحدة كل مرة إلى أن يتقنها وشجعي المحاولات والجهد، ثم اطلبي منه تدريجيا القيام بعمل متكامل على أن يحدد له تمامًا أجزاء هذا العمل)، ووصلي له ثقتك في قدرته وسعادتك بمشاركته. وربما كانت دائمًا صيغة أسرية جماعية جميلة وحميمة تتم فيها المناقشات وتتبادل فيها خبرات الأسرة وفكاهاتها اليومية؛ اصبغي وقت التعلم بالمتعة والمرح).

– تكليف الطفل بأعمال على قدر طاقته وجهده والتشجيع على المحاولات.
– قيام الطفل بالعناية بنفسه كإلباس وإطعام وتنظيف نفسه.
– المعاونة في أعمال الأب والأم.
– تكليفه ببعض المهام المنزلية والأسرية.
– ترك المسئولية للطفل في إتمام أعماله بطريقته الخاصة، وإمهاله الوقت لذلك.
– فتح باب الاستكشاف والتجريب للطفل.
– تذكر دومًا أنه هناك عدة إجابات صحيحة لكل شيء فلا تغلق دونه الأفكار الرحبة. وشجع الطفل ليعبر عن أفكاره. هناك شيء آخر حاول تذكره عن حل المشكلات هو: إنه لطيف!
– ولذا أترك مساحة للعفوية والتلقائية.. استعد وأعد نفسك لتندهش وتتعجب، بينما تستكشف الطريقة المتميزة والمتفردة التي يفكر بها طفلك.

وخلاصة الأمر:
– الحب والأمان.
– الخبرات والتجارب.
– الثقة بالنفس. (ليعبر ويحاول).
– التدريب.. التدريب.. التدريب.. (لكل من الأهل والطفل على حد سواء).
يبقى لدينا كيفية تدريب الطفل على التفاوض، أي مواجهة المشكلات التي تعتري علاقاته مع الآخرين (الأهل – الأصدقاء – الإخوة…)، وهو ما تسمح المساحة بذكره؛ ولذا سأسعد جدًّا بتلقي مواقف محددة نتدرب من خلالها على كيفية حل المشكلات، والتفاوض مع أطفالنا وتعليم أطفالنا التفاوض، راجية من الله أن يكون فيما ذكرت بعض النفع.. ويعييننا جميعها على الوفاء بما حملنا من أمانة الوالدية.
والله المستعان.

و لمزيد من المعلومات برجاء الاطلاع على هذه الاستشارات:
– الحوار مع الطفل قل ولا تقل
– فن تنمية الذكاء
– قوة الأمة تبدأ من احترام الذات

الى كل زوارنا.. شاركوا بآرائكم وتجاربكم حول نفس الموضوع عبر بريد صفحتنا:
أ/نيفين عبدالله صلاح