رضا فايز
حدث خلاف بين النبي وعائشة ـ رضي الله عنهما فقال لها من ترضين بيني وبينك .. أترضين بعمر؟ قالت: لا أرضي عمر قط “عمر غليظ”. قال أترضين بأبيك بيني وبينك؟ قالت: نعم، فبعث رسول الله رسولاً إلى أبي بكر فلما جاء قال الرسول : تتكلمين أم أتكلم؟ قالت: تكلم ولا تقل إلا حقاً، فرفع أبو بكر يده فلطم أنفها، فولت عائشة هاربة منه واحتمت بظهر النبي ، حتى قال له رسول الله: أقسمت عليك لما خرجت بأن لم ندعك لهذا.
فلما خرج قامت عائشة فقال لها الرسول : ادني مني؛ فأبت؛ فتبسم وقال: لقد كنت من قبل شديدة اللزوق(اللصوق) بظهري – إيماءة إلى احتمائها بظهره خوفًا من ضرب أبيها لها -، ولما عاد أبو بكر ووجدهما يضحكان قال: أشركاني في سلامكما، كما أشركتماني في دربكما”. (رواه الحافظ الدمشقي) في السمط الثمين.
برغم المكانة العظيمة والمنزلة الرفيعة التي يتمتع بها الرسول الكريم ، فهو سيد البشر وهو أول شفيع وأول مشفع .. فإن الرقة التي كان يتعامل بها مع زوجاته تفوق الوصف.
ولأن الرسول بشر كما قال : “إنما أنا بشر مثلكم يُوحى إلي” وكذلك زوجاته فإن بيت النبوة كانت تعترضه بعض الخلافات والمناوشات بين الحين والحين.. إلا أن ثمة فارقاً مهماً ينبغي أن نلتفت إليه وهو أن الله عز وجل قد جعل رسولنا الكريم هو القدوة والأسوة الحسنة، وهو نعم القدوة ونعم الأسوة، فقد قال عنه ربنا في كتاب يتلى إلى يوم الدين: “وإنك لعلى خلق عظيم”.
ولذلك إذا استعرضنا المواقف الخلافية “بين النبي وأزواجه فسنجد تصرفاته نموذجاً ينبغي على كل مسلم ومسلمة أن تهتدي به حتى ينالوا السعادة في الدنيا والآخرة.. دخل الرسول ذات يوم على زوجته السيدة (صفية بنت حيي) ـ رضي الله عنها ـ فوجدها تبكي، فقال لها ما يبكيك؟
قالت: حفصة تقول: إني ابنة يهودي؛ فقال : قولي لها زوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى.. (الإصابة 8/127) وهكذا نرى كيف يحل الخلاف بكلمات بسيطة وأسلوب طيب.
وفي صحيح مسلم تروي لنا السيدة عائشة طرفاً من أخلاق رسول الله فتقول: ما ضرب رسول الله شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله..” وعندما يشتد الغضب يكون الهجر في أدب النبوة أسلوباً للعلاج، فقد هجر الرسول زوجاته يوم أن ضيقن عليه في طلب النفقة.. حتى عندما أراد الرسول الكريم أن يطلق إحدى زوجاته نجده ودوداً رحيماً، فتحكي (بنت الشاطئ) في كتابها (نساء النبي) ذلك الموقف الخالد قائلة عن سودة بنت زمعة ـ رضي الله عنها ـ أرملة مسنة غير ذات جمال، ثقيلة الجسم، كانت تحس أن حظها من قلب الرسول هو الرحمة وليس الحب، وبدا للرسول آخر الأمر أن يسرحها سراحًا جميلاً كي يعفيها من وضع أحس أنه يؤذيها ويجرح قلبها، وانتظر ليلتها وترفق في إخبارها بعزمه على طلاقها.
وفي رواية أخرى أنه قد بعث إليها ﷺ فأذهلها النبأ ومدت يدها مستنجدة فأمسكها رسول الله ﷺ، وقالت: والله ما بي على الأزواج من حرص، ولكني أحب أن يبعثني يوم القيامة زوجة لك وقالت له: ابقني يا رسول الله، وأهب ليلتي لعائشة (الإصابة 8/117)؛ فيتأثر ﷺ لموقف سودة العظيم؛ فيرق لها ويمسكها ويبقيها ويعطينا درساً آخرَ في المروءة ﷺ.
وفي حديث الإفك – ذلك الحديث الذي هز بيت النبوة، بل هز المجتمع المسلم بكامله كان موقف النبي ﷺ نبراساً لكل مسلم، وخاصة في تلك الآونة التي يكثر فيها اتهام الأزواج لزوجاتهم أو الزوجات لأزواجهن بسبب ومن غير سبب.. فتروى السيد عائشة في الصحيحين قائلة: فاشتكيت حين قدمناها شهراً، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من رسول الله ﷺاللطف الذي أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله ﷺ فيقول “كيف تيكم؟”
وعندما يخطب النبي ﷺ على المنبر يقول: يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً.. وحين يتحدث إلى عائشة يقول لها برقته المعهودة (ﷺ): أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه”، “حديث الإفك مروي في الصحيحين” حتى أنزل الله من فوق سبع سموات براءة فرح بها قلب النبي ﷺ وعائشة والمسلمون جميعاً.