أحمد تمام

سليم الأول .. من هو ؟

سليم الأول توجه للشرق سلطانا وعاد خليفة

ارتبط اسم السلطان العثماني سليم الأول في التاريخ بمسألة التحول في سياسة الدولة العثمانية تجاه الفتوحات؛ حيث اتجه العثمانيون في الدور الأول من دولتهم إلى الميدان الأوروبي، وحققوا فيه انتصارات مذهلة، توجها السلطان محمد الفاتح سنة (857هـ = 1453م) بفتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية ودرتها المتلألئة التي ظلت حلما راود الخلفاء المسلمين منذ بداية العصر الأموي، واتخذها عاصمة للدولة، ثم اتجه العثمانيون بفتوحاتهم نحو الشرق، وكان هذا هو نقطة التحول في سياستهم، وشاءت الأقدار أن تشهد فترة ولاية سليم الأول هذا التحول، الذي كان من أثره أن امتدت رقعة الدولة العثمانية، وأصبحت دولة آسيوية أوروبية أفريقية.

تولى سليم الأول عرش الدولة العثمانية في (8 من صفر 918هـ = 25 من إبريل 1512م) خلفا لأبيه بايزيد الثاني الذي تنازل له عن السلطة، وكان أول عمل قام به السلطان الجديد قيامه بالقضاء على الفتن الداخلية التي أثارها إخوته ضده تطلعا للحكم، وبعد ذلك كان في انتظاره أمران، كان لهما الأثر البالغ في توجيه السياسة العثمانية.

أما الأمر الأول فهو ازدياد النمو الشيعي في إيران والعراق، وتهديد الدولة الصفوية الشيعية للدولة العثمانية.

وأما الأمر الآخر فهو تصاعد الخطر البرتغالي في الخليج العربي، وتهديدهم للأراضي المقدسة.

الصراع العثماني الصفوي

ظهر إسماعيل الصفوي في مطلع القرن العاشر الهجري، ونجح في إقامة دولة شيعية في إيران سنة (907هـ = 1502م) وأعلن نفسه ملكا، وأصدر السكة باسمه، وجعل المذهب الشيعي هو المذهب الرسمي لإيران بعد أن كانت تتبع المذهب السني، وبدأ يتطلع إلى توسيع مساحة دولته، فاستولى على العراق، وأرسل دعاته لنشر المذهب الشيعي في الأناضول، مما أثار حفيظة الدولة العثمانية المجاورة لها، وبدأت المناوشات العسكرية بينهما في أواخر عهد السلطان بايزيد خان، ثم تحولت إلى صدام هائل بين الدولتين في عهد سليم الأول.

أعلن سليم الأول الحرب على الصفويين، وسار بجيوشه من أدرنة متجها إلى تبريز في (22 من المحرم 902هـ = 14 مارس 1514م) فتقهقرت الجيوش الفارسية أمامه بقصد إنهاك قواه حتى تسنح لها الفرصة للانقضاض عليه، والتقى الجيشان في وادي جالديران في (2 من رجب 920 هـ = 24 أغسطس 1514م) وكانت معركة هائلة حسمت فيها المدفعية العثمانية النصر للسلطان سليم الأول، وفر الشاه إسماعيل الصفوي، وتمزق جيشه، ودخل السلطان سليم تبريز حاضرة الصفويين، يحمل على رأسه أكاليل النصر في الرابع عشر من رجب، وأثمر هذا النصر عن ضم السلطان سليم كثيرا من بلاد أرمينية الغربية، وما بين النهرين، وتبليس، وديار بكر، والرقة والموصل، ثم عاد إلى بلاده ليعد العدة لصراع الجديد ضد أقاليم الشرق العربي.

القضاء على دولة المماليك

اجتاز السلطان سليم الأول عقبة الدولة الصفوية التي كانت تعوق حركة دولته وتهددها، وبدأ في الاستعداد للخطوة الأخرى، وكانت ذات أهمية خاصة، ونجاحها يجلب له نصرا خالدا، واتساعا في رقعة دولته، وازديادا في هيبة الدولة وقوتها، فالدولة المملوكية التي تحكم مصر والشام أصابها الوهن، ودب في أوصالها الضعف والانحلال، وأصبحت غير قادرة تماما على مواجهة الخطر البرتغالي المتنامي في الخليج العربي، حتى بلغ من اغترارهم بقوتهم أنهم أعلنوا عن عزمهم على قصف مكة والمدينة.

ولم يغب عن ذهن السلطان أن انتقال الخلافة العباسية من القاهرة إلى آل عثمان يجعل منهم قوة معنوية كبيرة عند المسلمين، ويضفي عليهم هيبة وجلالا في صراعهم مع أوروبا المسيحية.

ولتحقيق هذين الحلمين الكبيرين كان لا بد من الصدام مع المماليك، وهذا ما حدث بالفعل، وما كاد السلطان سليم الأول، يستريح قليلا من عناء العقبة الأولى حتى خرج من عاصمته، يقود جيوشه الجرارة ناحية الشام، والتقى بالمماليك عند مرج دابق بالقرب من حلب، وكان السلطان الغوري قد علم بأنباء تحركات العثمانيين فخرج من مصر لمواجهة هذا الخطر الداهم الذي يهدد دولته، واشتعلت المعركة في يوم (الأحد الموافق 25 من رجب 922هـ = 24 أغسطس 1516م) وكان النصر حليف العثمانيين، في الوقت الذي قتل فيه السلطان الغوري، وتفرق جيشه ورحل من بقي منه إلى مصر.

وأثمر هذا النصر تساقط المدن الرئيسية في أيدي العثمانيين تباعا، مثل: حلب، وحماه، وحمص، ودمشق، وفلسطين، وغزة، ثم دخل السلطان سليم الأول مصر حيث انتصر على السلطان “طومان باي” آخر سلاطين دولة المماليك الشراكسة في معركة الريدانية في (29 من ذي الحجة 922هـ = 23 من يناير 1517م) ودخل العثمانيون القاهرة، وقضوا على كل محاولة للمقاومة التي انتهت بالقبض على “طومان باي” وإعدامه، لتطوى بذلك صفحة دولة المماليك، وتنتقل من مسرح التاريخ إلى كتبه.

الحجاز عثمانية

وفي أثناء إمامة السلطان سليم الأول استقبل وفدا من أعيان الحجاز بعث به الشريف بركات أمير مكة المكرمة، وكان على رأس هذا الوفد ابنه أبوغي حاملا رسالة من والده، يعلن فيها قبوله أن تكون الحجاز تحت السيادة العثمانية، وأعطاه مفاتيح الكعبة المشرفة، وبعض الآثار النبوية الشريفة كالعلم النبوي، وقوس وسهم، وشعيرات من لحيته ، كما دخلت بعض مناطق اليمن تحت السيادة العثمانية.

ترتب على دخول الأقاليم الإسلامية الأربعة وهي مصر والشام والحجاز وبعض مناطق اليمن تحت الحكم العثماني أن أصبح البحر الأحمر بحيرة عثمانية، وتدعم الوجود الإسلامي فيه، وتم إيقاف محاولات البرتغاليين للسيطرة عليه، وساد الأمن والأمان على مياهه حيث أغلقت مياهه في وجه السفن المسيحية، وأجبرتها الدول العثمانية على تفريغ شحناتها في ثغر المخا في اليمن، ثم يعاد شحنها على سفن إسلامية يعمل عليها قباطنة وبحارة مسلمون وتمخر بها عباب البحر الأحمر، وتتوقف على ثغوره وموانيه حتى السويس شمالا.

خادم للحرمين

ترتب أيضا على فتوحات سليم الأول أن أصبحت الدولة العثمانية تضم الأماكن المقدسة في الحجاز، متمثلة في المسجد الحرام حيث الكعبة المشرفة، والمسجد النبوي الشريف مثوى النبي () بالإضافة إلى المسجد الأقصى في فلسطين، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى الرسول ().

وقد أضفى كل هذا على الدولة العثمانية زعامة دينية، وأضيف إلى ألقاب السلطان العثماني سليم الأول لقب “حامي الحرمين الشريفين أو خادم الحرمين الشريفين”، وصار لقبا لكل من جاء بعده من الخلفاء.

العثمانيون خلفاء

بعد انتصار السلطان سليم الأول في معركة مرج دابق خطب له في أول صلاة جمعة صلاها في حلب باعتباره خليفة للمسلمين وسكت العملة باسمه. وتذهب بعض الروايات التاريخية إلى أن الخليفة العباسي المتوكل على الله آخر الخلفاء العباسيين في مصر تنازل عن الخلافة لبني عثمان في مراسم جرت في آياصوفيا بعد عودته مع السلطان سليم الأول إلى إستانبول. وتضيف بعض الروايات أن الخليفة المتوكل قلد السلطان العثماني سليم السيف، وألبسه الخلعة في جامع أبي أيوب الأنصاري بعد مراسم آياصوفيا.

وأيا ما كان الأمر، فقد أصبحت الدولة العثمانية هي مركز الثقل في العالم، وأصبح سلطانها هو خليفة المسلمين لا ينازعه في هذا اللقب أحد، غير أن اهتمام العثمانيين بهذا اللقب الجليل ازداد منذ القرن التاسع عشر الميلادي، واتخذوا من الخلافة وإحياء مجدها واسترداد ما كان لها من الهيبة والنفوذ والمكانة وسيلة لمقاومة ضغوط الدول الأوروبية والاستعمارية على الخلافة العثمانية.

وفاة الخليفة سليم الأول

عاد السلطان سليم الأول إلى العاصمة إستانبول بعد أن حقق مجدا للدولة العثمانية واتساعا في رقعتها ومساحتها، وحاملا لقب الخلافة المجيد، وفي أثناء إقامته هبت فتنة شيعية في منطقة طوقاد الأناضولية سنة (625هـ = 1519م) فأرسل إليها أحد قواده، فنجح في إخمادها والقضاء عليها، وأعاد السكون إليها. وفي سنة (926هـ = 1520م) توفي سليم الأول بعد أن قضى في الحكم تسع سنوات.‏‏‏