من مواسم الطاعة العظيمة أيام العشر الأوائل من ذي الحجة والتي فضلها الله تعالى على سائر أيام العام، فهي منحة ربانية موسمية للتزود من أعمال الخير، وفرصة عظيمة إذا أدرك المؤمن فضلها وقضاها في العبادات والطاعات، فماهي أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة ؟
معنى الحج
قبل الحديث عن فضل عشر ذي الحجة علينا أنعلم أنها تأتي في موسم الحج – الركن الخامس من أركان الإسلام – ويحاول المسلم والمسلمة أداء فريضة الحج مرة في العمر مع توفر شرط الاستطاعة.
ومعنى الحج لغة: القصد. يقال: حج إلينا فلان أي قدم وحجه يحجه حجا أى قصده. ورجل محجوج أي مقصود. وقيل الحج لغة: القصد إلى الشيء المعظم.
معنى الحج اصطلاحا: هو قصد موضع مخصوص وهو البيت الحرام وعرفة في وقت مخصوص هو أشهر الحج للقيام بأعمال مخصوصة هى الوقوف بعرفة والطواف والسعى- عند جمهور الفقهاء- بشروط مخصوصة.
ويعرف الحج أيضا بأنه: قصد لبيت الله تعالى بصفة مخصوصة فى وقت مخصوص بشرائط مخصوصة.
فضل العشر من ذي الحجة
وفضل العشر من ذي الحجة جاء من أمور كثيرة منها:
- أن الله تعالى أقسم بها: والإقسام بالشيء دليل على أهميته وعظم نفعه، قال تعالى: (والفجر وليال عشر) قال ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف: إنها عشر ذي الحجة. قال ابن كثير: “وهو الصحيح” (تفسير ابن كثير8/413).
- أن النبي ﷺ شهد بأنها أفضل أيام الدنيا كما تقدم في الحديث الصحيح.
- عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: “ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر. قالوا ولا الجهاد في سبيل الله؟!! قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء” (أخرجه البخاري 2/457).
- وعنه أيضا رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: ما من عمل أزكى عند الله عز وجل، ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى” قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: “ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء” (رواه الدارمي 1/357 وإسناده حسن كما في الإرواء 3/398).
- أنه حث فيها على العمل الصالح: لشرف الزمان بالنسبة لأهل الأمصار، وشرف المكان أيضا وهذا خاص بحجاج بيت الله الحرام.
- أنه أمر فيها بكثرة التسبيح والتحميد والتكبير كما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: “ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد. (أخرجه أحمد 7/224 وصحّح إسناده أحمد شاكر).
- أن فيها يوم عرفة وهو اليوم المشهود الذي أكمل الله فيه الدّين وصيامه يكفّر آثام سنتين، وفي العشر أيضا يوم النحر الذي هو أعظم أيام السنة على الإطلاق وهو يوم الحج الأكبر الذي يجتمع فيه من الطاعات والعبادات ما لا يجتمع في غيره.
- أن فيها الأضحية والحج.
فهذه النصوص وغيرها تدل على فضل العشر من ذي الحجة وأن هذه العشر أفضل من سائر أيام السنة من غير استثناء شيء منها، حتى العشر الأواخر من رمضان. ولكن ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل لاشتمالها على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وبهذا يجتمع شمل الأدلة. (انظر تفسير ابن كثير 5/412).
ماهي أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة ؟
إن إدراك هذا العشر نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على العبد، يقدرها حق قدرها الصالحون المشمرون. وواجب المسلم استشعار هذه النعمة، واغتنام هذه الفرصة، وذلك بأن يخص هذا العشر بمزيد من العناية، وأن يجاهد نفسه بالطاعة. وإن من فضل الله تعالى على عباده كثرة طرق الخيرات، وتنوع سبل الطاعات ليدوم نشاط المسلم ويبقى ملازماً لعبادة مولاه.
فمن أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها :
1- الصيام في عشر ذي الحجة
يستحسن صيام هذه الأيام أو ما تيسر منها لأن النبي ﷺ حث على العمل الصالح في هذه الأيام، والصيام من أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة. ولاشك أن عبادة الصيام عموما من أفضل الأعمال عند الله تعالى وهو مما اصطفاه لنفسه، كما جاء في الحديث القدسي: “قال الله: كل عمل بني آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به” (أخرجه البخاري 1805).
2- صيام يوم عرفة
يعتبر صيام يوم عرفة من أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة وفي فضله جاء الحديث الشريف، كما في صحيح مسلم: “صيام يوم عرفة، أحتَسِب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله”.والمراد بتكفير الذنوب :هي الصغائر، أما الكبائر فلابد من التوبة منها، وأما حقوق العباد فلا بد من ردها أو مسامحتهم.
وكان النبي ﷺ يصوم تسع ذي الحجة. فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي ﷺ قالت: كان النبي ﷺ يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر. أول اثنين من الشهر وخميسين” (أخرجه النسائي 4/205 وأبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود 2/462).
دعاء يوم عرفة
يوم عرفة من الأيام التي ينبغي للمسلم أن يعتني بالدعاء فيها فيدعو بالمأثور عن النبي ﷺ وبغيره، كما يكثر من التسبيح والتهليل والتكبير ونحوها من الأذكار، مع الإلحاح في السؤال والتضرع لله تعالى والاجتهاد في هذا اليوم العظيم.
وأفضل دعاء في يوم عرفة هو ما جاء في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ قال: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ( أخرجه الترمذي وحسنه الألباني).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كان أكثر دعاء رسول الله ﷺ يوم عرفة: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير” (حسن، رواه أحمد).
3- كثرة الذكر
قال الله تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} (الحج:28) قال ابن عباس والشافعي والجمهور: هي أيام العشر. وقال الإمام النووي واعلم أنه يستحب الإكثار من الأذكار في هذا العشر زيادة على غيره، ويستحب من ذلك في يوم عرفة أكثر من باقي العشر.(كتاب الأذكار للنووي)
على المسلم أن يسعى في الاستفادة من هذه الأيام العظيمة ويكثر من ذكر الله في عشر ذي الحجة من استغفر وتسبيح ومداومة على أذكار اليوم والليلة وزيادة في التكبير والتهليل والتحميد والتسبيح ومن كل الأذكار والأدعية التي دلنا عليها نبينا محمد ﷺ
التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح
التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح من أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة. والجهر بذلك في المساجد والمنازل والطرقات وكل موضع يجوز فيه ذكر الله إظهارا للعبادة، وإعلانا بتعظيم الله تعالى. ويجهر به الرجال وتخفيه المرأة.
قال الله تعالى: { ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } (الحج: 28). والجمهور على أن الأيام المعلومات هي أيام العشر لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (الأيام المعلومات: أيام العشر)، وصفة التكبير: الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد، وهناك صفات أخرى.
والتكبير في هذا الزمان صار من السنن المهجورة ولا سيما في أول العشر فلا تكاد تسمعه إلا من القليل، فينبغي الجهر به إحياء للسنة وتذكيرا للغافلين، وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، والمراد أن الناس يتذكرون التكبير فيكبر كل واحد بمفرده وليس المراد التكبير الجماعي بصوت واحد فإن هذا غير مشروع.
إن إحياء ما اندثر من السنن أو كاد فيه ثواب عظيم دل عليه قوله ﷺ: (من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا) أخرجه الترمذي 7/443 وهو حديث حسن لشواهده.
4- أداء الحج والعمرة
إن من أفضل ما يعمل في هذه العشر حج بيت الله الحرم، فمن وفقه الله تعالى لحج بيته وقام بأداء نسكه على الوجه المطلوب فله نصيب -إن شاء الله- من قول رسول الله ﷺ : ” الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” (متفق عليه).
5- ذبح الأضحية
ذبح الأضاحي من الأعمال الجليلة ويكون في آخر يوم من أيام العشر – يوم عيد الأضحى – والأضحية هي ما يذبح شكرا لله وتقربا إليه على نعمة الحياة إلى حلول أيام ذي الحجة. وهي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى : {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]. والمقصود – كما قال أهل التفسير-: فصل عيد الأضحى وانحر البدن بعدها.
وعن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله ﷺ أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأُتِي به ليُضحِّي به، فقال لها: ((يا عائشة، هلمّي المُدية)) ثم قال: ((اشْحَذِيها بحَجَرٍ)) ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه، ثم ذبحه، ثم قال: ((باسم الله، اللهم تقبَّل من محمدٍ وآل محمد، ومن أُمَّة محمد، ثم ضحَّى به))؛ (رواه مسلم).
6- التوبة النصوح
ومما يتأكد في هذا العشر التوبة إلى الله تعالى والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب. والتوبة هي الرجوع إلى الله تعالى وترك ما يكرهه الله ظاهرا وباطنا ندما على ما مضى، وتركا في الحال، وعزما على ألا يعود والاستقامة على الحق بفعل ما يحبه الله تعالى.
والواجب على المسلم إذا تلبس بمعصية أن يبادر إلى التوبة حالا بدون تمهل لأنه:
- لا يدري في أي لحظة يموت.
- لأن السيئات تجر أخواتها.
وللتوبة في الأزمنة الفاضلة شأن عظيم؛ لأن الغالب إقبال النفوس على الطاعات ورغبتها في الخير فيحصل الاعتراف بالذنب والندم على ما مضى. وإلا فالتوبة واجبة في جميع الأزمان، فإذا اجتمع للمسلم توبة نصوح مع أعمال فاضلة في أزمنة فاضلة فهذا عنوان الفلاح إن شاء الله. قال تعالى: {فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين} (القصص:67).
فليحرص المسلم على مواسم الخير فإنها سريعة الانقضاء، وليقدم لنفسه عملا صالحا يجد ثوابه أحوج ما يكون إليه: [فإن الثواب قليل، والرحيل قريب، والطريق مُخْوِف، والاغترار غالب، والخطر عظيم، والله تعالى بالمرصاد وإليه المرجع والمآب {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (الزلزلة :7 – 8).
الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة، فما منها عِوَضٌ ولا تُقدَّر بقيمة، المبادرةَ المبادرةَ بالعمل، والعجل العجل قبل هجوم الأجل، وقبل أن يندم المفرّط على ما فعل، وقبل أن يسأل الرجعة فلا يُجاب إلى ما سأل، قبل أن يحول الموت بين المؤمِّل وبلوغ الأمل، قبل أن يصير المرء محبوسا في حفرته بما قدَّم من عمل.
الصدقة والإكثار من الأعمال الصالحة
لأن العمل الصالح محبوب إلى الله تعالى وهذا يستلزم عظم ثوابه عند الله تعالى. فمن لم يمكنه الحج فعليه أن يعمر هذه الأوقات الفاضلة بطاعة الله تعالى من الصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والصدقة وبر الوالدين وصلة الأرحام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من طرق الخير وسبل الطاعة.
في النهاية نسأل الله أن يتقبل من الحجاج حجهم وأن يعين المسلمين على استثمار هذه العشر في الطاعات وزيادة الحسنات وكل عام وأنتم بخير.