إن الاختيار الإلهي لشيء ما لا يعلل إلا بالمشيئة الإلهية، قال تعالى: (وربكَ يخلقُ ما يشاءُ ويختارُ ما كانَ لهمُ الخِيَرةُ سبحانَ اللهِ وتعالَى عمَّا يشركونَ). وقال تعالى : (ومَا كانَ لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضَى اللهُ ورسولُهُ أمرًا أنْ يكونَ لهمُ الخيرةُ مِن أمرِهمْ ومَن يَعصِ اللهَ ورسولَه فقدْ ضلَّ ضلالاً مبينًا).الأحزاب:36 ويمكن لنا نحن البشر أن نتلمَّس حُكمًا لهذا الاختيار الإلهي لكننا لا نحيط بالحكم كلها.فما هي حكمة الحج مثلا بين الزمان والمكان؟

اختار الله تعالى مكة مقصدًا للحج لكونها أمَّ القرى قال تعالى: (وكذلك أوحينا إليك قرآنًا عربيًّا لتنذر أمَّ القرى ومَن حولها) (الشورى: 7) قال الإمام الرازيّ في تفسيره: وأم القرى أصل القرى، وهي مكة، وسُميت بهذا الاسم إجلالاً لها؛ لأن فيها البيتَ ومقام إبراهيم، والعرب تسمي أصل كل شيء أمَّه، حتى يقال هذه القصيدة من أمهات قصائد فلان.

هذا وقد رفع إبراهيم وإسماعيل ـ عليهما السلام ـ قواعد البيت الحرام في هذه البقعة المباركة بإذن الله ليكون مثابة للناس وأمْنًا، أي يعتادون الذَّهاب إليه والرجوع منه مرات عديدة على مدى حياتهم كلها في أمن وأمان.

والكعبة المشرفة هي أول بيت بُني لعبادة الله وحده قال تعالى: (إنَّ أولَ بيتٍ وُضعَ للناسِ للذي بِبَكَّةَ مباركًا وهدًى للعالمينَ. فيهِ آياتٌ بيناتٌ مقامُ إبراهيمَ ومَنْ دخلَهُ كانَ آمنًا وللهِ على الناسِ حِجُّ البيتِ مَنِ استطاعَ إليهِ سبيلاً ومَنْ كفرَ فإنَّ اللهَ غنيٌّ عنِ العالمينَ) (آل عمران: 96 ـ 97).

واختار الله تعالى للحج زمانًا هو ما يُسمى بالميقات الزماني، وهو شوال وذو العقدة وعشر من ذي الحجة، وفي ذلك حكمة الحج، قال تعالى: (الحجُّ أشهرٌ معلوماتٌ) (البقرة: 197) أي أن المسلم لا يستطيع أن ينوي الحج إلا في هذا الوقت بالذات على أن يقف يوم التاسع من ذي الحجة بجبل عرفات، فالحج عرفة ومَن فاته الوقوفُ بعرفة فاته الحج.

ومن المعلوم شرعًا أن ذا القعدة وذا الحجة من الأشهر الحرم التي عظَّمها الله تعالى فقال: (إنَّ عدةَ الشهورِ عندَ اللهِ اثنَا عشرَ شهرًا في كتابِ اللهِ يومَ خلقَ السمواتِ والأرضَ منها أربعةٌ حُرُمٌ ذلكَ الدينُ القَيِّمُ..) (التوبة: 36).


الدكتور محمد سيد أحمد المسير