بقي هذا البيت العظيم الخالد رمزًا للعـبادة، وشعارًا للتوحـيد، وقد مرّت عمارة الكعبة عبر العصور بأطوار ومراحـل، فهُدم وبُني مرّات كما زُيِّن بالذهـب والفضّة. وكانت الكعبة تحظى بالتقديس والإكبار حتى في عصور الجاهلية قبل الإسلام.

من المعلوم بداية أن الكعبة شيء والمسجد الحرام شيء آخر. فالكعبة بناء إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) في أول الأمر وبادئ العهد، وقد يطلق عليه المسجد الحرام باعتبارها مكان السجود وقبلته، أما المسجد الحرام فهو المحيط بالكعبة، وأول من بناه عمر بن الخطاب (رضي الله عنه).

والكعبة بناء مكعب تقريبا، ولهذا سُمِّيت الكعبة، وزواياها إلى الجهات الأربع، والعرب يسمون الزوايا بالأركان وينسبونها إلى اتجاهاتها، فالركن الشمالي يسمَّى بالركن العراقي، والركن الغربي يسمَّى بالركن الشامي، والقبلي يسمَّى بالركن اليماني، والشرقي يسمَّى الركن الأسود؛ لأن به الحجر الأسود.

أركان الكعبة

الأول: الركن الأسود:

سمي به لأن فيه الحجر الأسود، ويسمى أيضا بالركن الشرقي، ومنه يبتدأ الطواف.

الثاني: الركن العراقي:

سمي بذلك لأنه إلى جهة العراق، ويسمى هذا الركن أيضا بالركن الشمالي نسبة إلى جهة الشمال، وبين هذا الركن والركن الأسود يقع باب الكعبة.

الثالث: الركن الشامي:

سمي بذلك لأنه إلى جهة الشام والمغرب، ويسمى هذا الركن أيضا بالركن الغربي. وبين هذا الركن والركن العراقي يقع حجر إسماعيل (عليه السلام) الذي يصب فيه ميزاب الكعبة.

الرابع: الركن اليماني:

سمي باليمانـي لاتجاهه إلى اليمن. وقد يطلق على الركن اليماني والركن الأسود (اليمانيان)، وعلى الركن العراقي والشامي (الشاميان)، وربما قيل (الغربيان). وإذا أطلق الركن فالمراد به الركن الأسود فقط.

أسماء الكعبة

الكعبة المشرفة لها عدة أسماء وردت في القرآن الكريم، منها:

1. الكعبة: “جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس” (المائدة: 297).

2. البيت: “ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا” (آل عمران: 97).

3. البيت العتيق: “وليطوفوا بالبيت العتيق” (الحج: 29).

4. البيت الحرام: “ولا آمين البيت الحرام” (المائدة: 3).

5. البيت المعمور: “والطور* وكتاب مسطور* في رق منشور* والبيت المعمور” (الطور: 1-4).

6. البيت المحرم: “ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم” (إبراهيم: 37).

أصل وظائف القائمين على الكعبة

لما تشقق بناء الكعبة في عهد قصي؛ أعيد بناء الكعبة، ورتب قصي وظائف القائمين على الكعبة وحدد مدلولاتها، وهذه الوظائف هي:

(1) السقاية: كان الماء عزيزًا بمكة بعد ردم بئر زمزم؛ فكان مَن يلي الساقية يحضر الماء من ديار بعيدة، ويضعه في حياض، ويحليه بشيءٍ من التمر والزبيب؛ ليشرب منه الحاج.

(2) الرفادة وإطعام فقراء الحجاج: فقد فرض قصي على قريش أن يقدم كل منهم شيئًا إليه ليصنع طعاما لفقراء الحجاج. وقال قصي في ذلك: يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته، وإن الحاج ضيف الله، وزوار بيته هم أحق الضيف بالكرامة؛ فاجعلوا لفقرائهم شرابًا وطعامًا أيام هذا الحج؛ ففعلوا فكانوا يدفعون إليه المال؛ فيصنع طعامًا للمحتاجين.

(3) اللواء: وهو الدعوة إلى الحرب برفع راية فوق رمح ويتبعها قيادة الجيوش.

(4) الحجابة: وهي خدمة الكعبة المشرفة، وتولي أمرها ومفاتيحها.

وبعد قصي انتقلت وظائف الكعبة إلى ابنه عبد الدار لكبر سنه، ثم أُعطيت السقاية والرفادة لأبناء عبد مناف، وأُعطيت الحجابة واللواء والندوة عبد الدار.

بناء الكعبة وعمارتها عبر العصور

البناء الأول:

بناء إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) حينما انهار بناؤها، ولم يبق منها إلا القواعد التي غطتها الرمال والحصى. قال تعالى: “وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم” (البقرة: 127)، وواضح من الآية أن إبراهيم لم يضع القواعد التي هي أساس البيت الحرام، وإنما رفع بناءه.

البناء الثاني:

في عهد قصي تشقق بناء الكعبة؛ فأعاد بناءها، وبنى دار الندوة؛ ليجتمع فيها كبار القوم للتشاور فيما يهمهم.

البناء الثالث: بناء قريش

حفظ الله تعالى البيت الحرام، وقامت قريش على عمارته وسقاية الحاج إلى أن جدت ظروف دعت قريشًا إلى تجديد بناء الكعبة؛ فبعد عام الفيل بحوالي ثلاثين عاما حدث حريق كبير بالكعبة، وذلك أن امرأة من قريش كانت تبخر الكعبة فاشتعلت النار في الكعبة؛ فضعف البناء، ثم جاء بعد ذلك سيل حطم أجزاء كبيرة من الكعبة فخافت قريش من هدمها وإعادة بنائها، فقال لهم الوليد تريدون الهدم أو الإصلاح؟ قالوا: نريد الإصلاح! قال فإن الله لا يهلك المصلحين.

فارتقى الوليد بن المغيرة على جدار الكعبة ومعه الفأس وقال: “اللهم إنا لا نريد إلا الإصلاح”، ثم هدم؛ فلما رأت قريش ما هدم من الكعبة ولم يأتهم العذاب هدموا معه وأعادوا بناءها، وكان ارتفاعها ثمانية عشر ذراعا، وكان باب الكعبة مرتفعا بأربعة أذرع وذلك لكي يدخلوا من أرادوا ويمنعوا من أرادوا، وكانت حجتهم برفع الباب هو لمنع مياه السيل من الدخول إلى داخل الكعبة، وبنوا لها سقفا خشبيا سطحًا، ووضعوا له ست دعائم في صفين، ولكنهم نقصوا من عرضها ست أذرع دخلت ضمن حجر إسماعيل.

يذكر أن الصانع الذي قام بعملية البناء هو باقوم وهو رومي الأصل كان ملما بصناعة البناء والنجارة. كما أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد شارك في بناء الكعبة وحسم الخلاف بشأن الحجر الأسود، وذلك بأن جعل كل قبيلة تمسك بطرف حتى إذا بلغوا موضعه أخذه ووضعه بيده في موضعه.

البناء الرابع:

بناه عبد الله بن الزبير عندما أعلن خلافته بمكة بعد استشهاد الإمام الحسين عقب موت معاوية، بناها بالجص النقي من اليمن، كما أحدث فيها تغييرات أخرى؛ فقد ألصق الباب بالأرض، وفتح بابًا آخر يقابله ليخرج منه الناس، وجعل ارتفاعها سبع وعشرين ذراعًا، ولما فرغ من بنائها ضمخها بالمسك والعنبر وكساها بالديباج، وكان انتهاؤه من بنائها في شهر رجب سنة (649هـ).

البناء الخامس:

بناية الحجاج بن يوسف الثقفي، وكان قد هدم ما قام به الزبير، وأعاد البناء على الشكل الذي بنته قريش.

البناء السادس:

بناء محمد علي باشا في عهد الخلافة العثمانية، وكان مطر غزير قد وقع بمكة سنة (1239 – 1240هـ)، وأعقبه سيل جارف عمَّ منطقة الكعبة ووصل ارتفاعه إلى طوق القناديل المعلقة، وحينئذٍ أرسل محمد علي مندوبًا، وخوّله القيام بما يصلح البناء المقدس، وبدأ العمل بحركة تنظيف واسعة وإزالة الرمال والأشياء العالقة بالسيل وكانت كالجبال الراسيات، ثم أرسل آلات ومؤنًا واسعة لعملية الإصلاح والبناء، كما أرسل النحاتين، وأمر المهندسين والعمال. وفي يوم (22 رمضان سنة 1240 هجرية) كتب محضرًا أرسل إلى والي مصر فيه شهادة المكيين بحسن عمارة البيت وتجميله على أعلى مستوى.

عمارة الكعبة في العصر الحديث

1- في عام 1363هجرية وفي عهد الملك عبد العزيز رحمه الله تم تغيير باب الكعبة.

2- عام 1377هـ وفي عهد الملك سعود –رحمه الله- تم نقض سقف الكعبة الأعلى وتجديد عمارته وتجديد السقف الأدنى لقدم أخشابه وتأكلها، وتم عمل قاعدة (ميدة) بين السقفين تحيط بجميع جدرانها مع ترميم الجدران الأصلية ترميماً جيداً، وتم إصلاح الرخام المحيط بجدران الكعبة من باطنها، كذلك تم ترميم الدرج الذي في باطن الكعبة المؤدي إلى سطحها وإصلاحه، وقد روعي في هذا الترميم:

أ – عدم بروز أي شيء من التعمير والإصلاح عن الكعبة المشرفة وجدرانها وأطرافها.

ب- عدم تذهيب أو تفضيض أو تمويه سقف الكعبة.

ج – أن يكون جميع ما يلزم الترميم من المواد المحلية.

د- أن يكون جميع ما يصرف على هذا الترميم من الكسب الحلال، وقد تم الانتهاء من هذا الترميم في 11/8/1377هـ .

3- في عهد الملك فيصل يرحمه الله تم تغيير حلق باب الكعبة عام 1391هـ.

4- في عهد الملك خالد يرحمه الله تم تغيير باب الكعبة القديم بالباب الحالي عام 1399هـ.

5- في عام 1416هـ وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد تم ترميم جدار الكعبة من الخارج ترميماً شاملاً، وفي عام 1417هـ تم تجديد الكعبة المشرفة تجديداً شاملاً من الداخل، وشمل سقفي الكعبة والأعمدة الثلاثة وحوائط الكعبة من الداخل والأرضيات ورخام السطح والحوائط والسلم الداخلي والشاذروان وميزاب الكعبة وجدار حجر إسماعيل (عليه السلام).

وقد بدأ العمل في هذا الترميم الكبير للكعبة في 11/1/1417هـ وانتهى في يوم الأربعاء 2/7/1417هـ وكانت هذه آخر عمارة للكعبة المشرفة.