كتاب الوقف بين الماضي والحاضر: تاريخه واقعه مستقبله

لا تخطئ عين الدارسين للحضارة والتاريخ الإسلامي معرفة أهمية الوقف في بناء حضارتها واستمرار المجتمع المدني فيها، رغم تغيُّر الدول والقيادات الحاكمة، فقد كان الوقف بحقّ هو العمود الفقري والعماد القوي الحامل لذلك المجتمع.

وهناك الكثير من الكتابات والأبحاث في مجال الوقف أثْرَتْ جوانبه المتعدّدة؛ الفقهية منها، والاقتصادية، والاجتماعية، وكذلك التاريخية، وغيرها.

وكتابات الأقدمين اتّسمت أكثر بالبعد الفقهي والضوابط التشريعية له، مع عدم خلُوّها من الكتابات التاريخية وغيرها. أمّا في عصرنا فقد اتسمت عموماً بالاعتناء بمآثره في الفترة الأولى، وذلك يعود للعجز عن الحضارة ومجدها الذي فقد بعد زوال الخلافة الإسلامية، وإنه ليتبيَّن للناظر الحضاري – ومع العودة إلى الرصيد – أنّ هناك الكثير من الكتابات التي تعنى بالحاضر والمستقبل استناداً إلى أن الوقف يصلح للقيام بدوره السابق في بناء الحضارة الإسلامية، خاصةً في ظل الحروب الشعواء على الأوقاف الإسلامية وتشتيتها، واكتشاف أحوال الحكومات التي تتحكّم في مصادر الشعوب الإسلامية، وكذلك التساؤلات الكثيرة حول قدرة الدولة الشمولية الحديثة للتصدّي لمتطلّبات التنمية وازدياد المحتاجين واتساع فجوة الفقر، وكذلك لتطوّر ونموّ نظام الوقف في الدول الغربية ودوره في ازدهار الحضارة هناك. هذا كلّه يدعو للنظر إلى الوقف بشكلٍ أكثر عمقاً، فبمفهومه ارتقت الحضارة الإسلامية، وحين تراجع تخصّصت، وازدهر في الغرب عندما تطوّرت المدنية هناك وقويت.

لذلك فإن هذا الكتاب يأتي في هذا الإطار ليكون دراسة صادقة للماضي بكنوزه، وتجربته وما احتوته من ديناميكية صعودٍ وهبوطٍ، ومن ثم استشرافاً للمستقبل وتوجُّهه.