يُعد الحصان العربي من أعرق سلالات الخيول في العالم وأغلاها ثمناً، ويرجع ذلك إلى عناية العرب بسلالات خيولهم الممتازة والمحافظة على أنسابها، مما جعلها أفضل الخيول الموجودة الآن في العالم، وكان العرب تحب الخيل كثيراً وتحترمها، حتى أنهم كانوا يضربون بها الأمثال في العلم بالأمر بقولهم: الخيل أعرف بفرسانها, والمعنى أن الخيل قد اختبرت فعرفت أكفال الفرسان إذا ركبوها من أكفال غيرهم ممن لا يحسن الفروسية، وكان الشعراء ينشدون الشعر فيها ومنهم الطرماح بقوله:
وجدْنا في كتابِ بني تميمٍ
أحقُّ الخيلِ بالرَّكْضِ المُعارُ
وكان الرسول ﷺ يقول: ” الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة.
ولقد ذكر الله تعالى الخيل في كتابة العزيز بقوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ} (آل عمران/14)، “وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ” المعلمة وهي من السومة، وهي العلامة، أو المرعيّة من : أسام الدابّة وسوّمها ولمّا كانت الخيل أشرف الحيوانات بعد الإنسان قدّمها على قوله : “والأَنْعامِ” وهي : الإبل والبقر والغنم ولشرف الحيوانات على الجمادات قدّمها على قوله : “والْحَرْثِ” وهو جنس المزروعات.
وفي قوله تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } ( الأنفال/60) والرباط اسم للخيل التي ترتبط في سبيل الله ، تسمى بالرباط الذي هو بمعنى المرابطة أو يكون جمع ربيط كفصيل وفصال، ويجوز أن يكون من ” رباط الخيل” تخصيصا للخيل من بين ما يتقوى به.
وقد ذكر الله عزو جل الخيل في موضع آخر من القرآن الكريم, قوله تعالى: { وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } (النحل/8) وهنا بين الله تعالى أن تكون للركوب والزينة هذا يدل أن العرب كان يتباهون في خيلهم عند الركوب, وكانت القبائل تفخر على الأخرى في الخيل والأبل على نحو الأصالة والعدد.
وفي آية أخرى قوله تعالى: { وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا } (الإسراء/64) ، وفي هذه الآية قالوا: استفزز استخف واستنهض ، والجلبة الصياح ولا جنود حقيقة لإبليس ، بعضهم راكب ، وبعضهم راجل، وإنما هذا كناية عن المفسدين وأرباب الأهواء وقال الشيخ محمد عبده معلقا على ذلك بقوله : “يستفزكم يستنهضكم لما يريد ، فان تباطأتم عليه أجلب عليكم بخيله ورجله ، والمراد بهم أعوان السوء”.
وقوله تعالى: { وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (الحشر /6) ، أي والَّذي أفاءه اللَّه أي ردّه إليه من أموال اليهود فذلك لم توجفوا أي لم تسيروا إليه بخيل, والإيجاف من الوجيف وهو سرعة السير ،ولكن بقدرة اللَّه تعالى وتسليطه لرسله عليهم.
وقد ذكرت الله الخيل بأسماء أخرى مثل كلمة الصافنات والجياد، قوله تعالى: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} (ص/31) “الصافنات” جمع صافن ، وهو الفرس الذي يرفع إحدى رجليه أو يديه ويقف على طرف الأخرى ، وقيل : الصافن هو الذي يسوّي يديه ، والصفن علامة على فراهة الفرس ، والجياد السريعة الجري واختلف الناس في قصص هذه الآية ، وقال القرناط الكلبي في أقوال الجمهور : إن سليمان عليه السلام عرضت عليه خيل كان ورثها عن أبيه وقيل: أخرجتها له الشياطين من البحر ، وكانت ذوات أجنحة ، وكانت ألف فرس ، وقيل : أكثر فتشاغل بالنظر إليها حتى غربت الشمس وفاتته صلاة العشي ” العصر” فأسف لذلك ، وقال : ردوا عليّ الخيل وطفق يضرب أعناقها وعراقيبها بالسيف حتى عقرها لما كانت سبب فوات الصلاة، ولم يترك منها إلا اليسير ، فأبدله اللَّه أسرع منها وهي الريح.
وأنكر بعض العلماء هذه الرواية وقال : تفويت الصلاة ذنب لا يفعله سليمان وعقر الخيل لغير فائدة لا يجوز ، فكيف يفعله سليمان عليه السلام ؟ وأي ذنب للخيل في تفويت الصلاة فقال بعضهم : إنما عقرها ليأكلها الناس ، وكان زمانهم زمان مجاعة فعقرها تقربا إلى اللَّه ، وقال بعضهم ، لم تفته الصلاة ولا عقر الخيل ، بل كان يصلي فعرضت عليه الخيل فأشار إليهم فأزالوها حتى دخلت اصطبلاتها فلما فرغ من صلاته قال ردّوها عليّ فطفق يمسح عليها بيده كرامة لها ومحبة ، وقيل إن المسح عليها كان وسما في سوقها وأعناقها بوسم حبس في سبيل اللَّه.
وفي كلمة العاديات قوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا۞فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} (العاديات/1-2), “العاديات”: هي الخيل التي تعدو في سبيل اللّه وتضبح وهو صوت أنفاسها إذا أجهدت في الجري فيكثر الربو في أجوافها من شدة العدو، وفي الموريات قال قتادة : هي الخيل تهيج للحرب ونار العداوة بين أصحابها وفرسانها.
لما تقدم من ذكر الخيل في القرآن الكريم والسنة النبوية, نجد ان الإعجاز القراني لم يتوقف على الخيل فقط, وإنما ذكر الله سبحانه الكثير من الحيوانات التي لها دور مهم في حياة الرسل والأنبياء منهم حوت يونس عليه السلام , وثعبان موسى عليه السلام , وناقة صالح عليه السلام, وحمار عزير عليه السلام, وكلب أصحاب الكهف, وغيرهم من الأنبياء.